أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن استثمار الوقت وعدم تضييعه فيما لا يفيد، فقال صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ». مع بداية كل عطلة صيفية، يواجه أولياء الأمور تحديًا في اختيار الأنشطة والمواقع التي يمكن لأبنائهم الاستفادة منها بشكل مثمر خلال العطلة الصيفية. تعد هذه الفترة فرصة ذهبية لتطوير المهارات، وتنمية القدرات، واستثمار الوقت في كل ما هو نافع ومفيد، مما يساعد على التغلب على الفراغ ويحقق الفائدة العظيمة للصحة العقلية والجسدية لأبنائنا.
تعليم القيادة والريادة
أكد الإعلامي سليمان الرومي على أهمية توجيه الأبناء بشكل صحيح لاستغلال العطلة الصيفية بطريقة تعود عليهم بالفائدة العامة والخاصة، مما يعوضهم عن عناء العام الدراسي الذي قضوه بالجد والاجتهاد. ودعا أولياء الأمور للبحث عن البرامج البناءة المتوفرة من خلال لجان النشء، وحلقات تحفيظ القرآن، ومراكز الشباب، وغيرها من البرامج الهادفة التي تتيح للشباب تفريغ طاقاتهم فيما يعود عليهم بالنفع وأوضح الرومي أن الفراغ يمكن أن يكون آفة تضر بالأمة بأكملها، حيث يقضي على أخلاق الشباب، نشاطهم، وعقولهم، وإذا فسد شباب الأمة، انهدمت الأمة سريعًا.
وأشار الرومي لـ المجتمع إلى دراسة غريبة أثبت فيها علماء النفس والتربية أن فراغ الشباب في بعض البلدان يُعد من أكبر أسباب الجرائم فيها. وأجمع العلماء على أن الشباب إذا اختلى بنفسه في أوقات فراغه، تتسلل إليه الأفكار الحالمة والهواجس الساذجة والأهواء الآثمة والتخيلات الجنسية المثيرة، مما يدفعه لتحقيق هذه التخيلات، فيقع في المحظورات. وأضاف أن الغرب يشددون على أهمية استثمار الوقت قبل المال، ونحن كمسلمين يجب أن نكون أكثر حيوية ونشاطًا، حيث إن الله عز وجل خلق الزمن وأقسم به في القرآن الكريم، مما يحث الشباب على إدراك أهمية الوقت، خاصة في الإجازة الصيفية.
وأكد الرومي على أن الإجازة الصيفية يجب أن تتضمن معسكرات لتعليم القيادة والريادة، والابتعاد عن اللهو واللعب وضياع الأوقات، وهذا ما يشجعه الإسلام. وشدد على أن الحفاظ على الشباب أمانة ومسؤولية، وأن عدم شغل أوقات الفراغ قد يؤدي بالإنسان إلى الوقوع في المنكرات، حيث يسهر الشباب ليلًا ويضيعون النهار.
وأشار الرومي إلى أن الأندية الرياضية تساهم في تقديم أنشطة يحبها الأبناء ويستثمرون فيها أوقاتهم. وأكد أن اندماج الأبناء في المراكز الشبابية يكسبهم مزايا عديدة، منها صقل مواهبهم، وتعويدهم على روح الفريق في العمل الجماعي، وتنمية حبهم لوطنهم ومجتمعهم، ورفع مستوى تفكيرهم في كيفية نفع أوطانهم واستغلال أوقات فراغهم، وتحمل المسؤولية، وتنمية شخصيتهم، وحذر الرومي من تغليب الألعاب الإلكترونية على النشاطات التلقينية للطفل، وأشار إلى ضرورة ابتكار أنشطة ترفيهية تحمل طابع المشاركة والتواصل مع الآخرين، وتلقين الأطفال المزيد من المعارف. وأكد أن هذا لا يتم إلا إذا ضمن الأبوين لأبنائهما أصدقاء يشاركونهم يومياتهم بإيجابية وفائدة، حتى لا يشعروا بالملل أو الكآبة والفراغ.
واستشهد الرومي بحديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله من أين أخذه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به”. وأشار إلى دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الصريحة للاستفادة من أوقات الفراغ قبل أن تمضي، حيث قال: “اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك”. وأكد الرومي أن هذا ما علمنا إياه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويجب تعليمه لأبنائنا لاستثمار وقت الفراغ بشكل صحيح.
فرصة ممتازة للشباب المسلمين
يؤكد د. محمد الثويني، الأستاذ بكلية التربية، على ضرورة تقسيم وقت المسلم إلى ثلاثة أقسام: وقت لله، وقت للنفس، ووقت للناس، ويشير د. الثويني إلى أن وقت المسلم لله يتضمن أداء الفرائض في أوقاتها، وزيادة النوافل، وخدمة المجتمع، موضحًا أن العطلة الصيفية تشكل فرصة ممتازة للشباب المسلمين لتمرين أنفسهم على المواظبة على الصلاة في جماعة، وزيادة النوافل، والمشاركة في الأعمال الخيرية، وخدمة الناس وقضاء حوائجهم. أما الوقت المخصص للنفس، فيجب أن يشمل تنمية الجسم من خلال ممارسة الرياضة، وتنوير الفكر عبر القراءة والمطالعة، والاستماع إلى المواد المفيدة، وتمرين النفس على الصبر وتحمل المشاق، واختيار الصحبة الصالحة.
ويشير د. الثويني إلى أهمية استغلال الشباب لعطلة الصيف في بر الوالدين وتعويضهم عن الانشغال في فترة الدراسة، وصلة الأرحام، مؤكداً أن هذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال جدولة الوقت وتنظيمه وإعادة تقييم الذات، وأضاف: يُفضل أن يكون ذلك في إطار الجهود التي تبذلها جمعيات النفع العام، ولجانها، ووزارة الأوقاف، ومراكز الشباب، التي تعمل جميعها لتحقيق غاية واحدة وهي استفادة الشباب من وقت الفراغ خلال العطلة الصيفية.
وشدد د. الثويني على أن حماية الأبناء من الفراغ المؤدي إلى الفساد مسؤولية أولياء الأمور، موضحاً أن الشباب والفراغ والمال تشكل مقومات الفساد. لذا، يجب على الإنسان أن يملأ وقته بما يفيده ولا يضره في الدنيا والآخرة. كما أشار إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»، مؤكداً على أهمية الأسلوب الرباني في معالجة مشكلة الفراغ والتحذير من الوحدة وعدم شغل الوقت والصحبة الفاسدة.