العفة خُلق كريم لطالما حرصت الشريعة الإسلامية على إبراز أهميته لكل من الفرد والمجتمع؛ لكي يهنأ الأفراد بعيش آمن منزوع من المنغصات والملمات، ولكي يكون المجتمع المسلم هو الآخر في سلام وطمأنينة بعيدًا عن المشكلات الأخلاقية التي قد تنتج عن الابتعاد عن هذا الخلق الفضيل.
ومن هنا يبرز مجددًا أهمية فهم المقصود من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فالنبي القدوة والأسوة هو النموذج الأمثل الذي يجب على الأمة بأسرها؛ أفرادًا ومجتمعات، اتباعه والاقتداء بنهجه، ومن هذا المنطلق فالعفة كخلق من أخلاق الإسلام عند تطبيقه يجد المسلم طمأنينة في بيته وأسرته، ناهيك عن المكاسب التي يجنيها المجتمع نتيجة انتشار العفة بين أفراده، والتحرك وفقًا لما تقتضيه من أفعالهم الحياتية واليومية.
ولما كان للعفة آثار طيبة وثمرات نافعة، أحببنا أن نتوقف وقفة متأنية لتوضيح أهمية العفة وتأثيرها على مجتمعاتنا، التي بدأت تنتشر بها المظاهر الغربية والمشكلات الأخلاقية في عصر الانفتاح على كل ما هو جديد دون وضع ضوابط أو قيود، ولذا كان لا بد من توضيح الوسائل التي تعنينا على التخلق بخلق العفة بشكله الصحيح كما أمر ديننا الحنيف، ومن هذه الوسائل التي ترسخ العفة في نفوس الأفراد والمجتمعات ما يلي:
1- الإيمان ومراقبة الله تعالى:
فمن أشد ما يُعين الفرد على العفاف استشعار مراقبة الله له، وأن يخشى أن يراه في موضع معصيته، وإيمانه بصفات الله وكماله وأنه لا يخفى عليه شيء، يقول تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ ومَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر: 19).
2- تعزيز الوعي الشخصي:
وذلك بالقراءة في سير الصالحين، خاصة القصص التي تظهر نماذج السلف الصالح في التعامل مع المغريات وتمسكهم بقيمة العفة، والبعد عن مواطن الفتن وصحبة السوء.
3- المساجد والدروس الدينية:
للمساجد والدروس الدينية دور كبير في توجيه الشباب لأهمية العفاف والالتزام بالآداب الشرعية، من خلال الخطب والدروس التي تذكر بالمعاني المنسية بسبب الانشغال بالحياة اليومية، كأهمية تهذيب النفس والابتعاد عن المغريات والملذات والشهوات.
4- الوعي الأسري:
الأسرة هي أساس التربية والتزكية؛ لذا يجب على المربين التركيز على معاني العفاف والامتثال للأوامر الشرعية، وليحرص الآباء على أن يكونوا قدوة في التزامهم بهذه الوسائل ليراها الأبناء متمثلة حية أمامهم، فكم من انحرافات سلوكية في مجتمعاتنا بات سببها واضحًا للجميع وهو إهمال الآباء العفاف في أنفسهم فضلًا عن تصديره لأبنائهم.
5- العناية بالمدارس والتعليم:
خصوصًا في تعليمها النشء قيمة الوقت واستغلاله فيما يفيد، والحرص على الاشتغال بمعالي الأمور وترك سفاسفها، ومراقبة الذات بتهذيب النزعة المادية الاستهلاكية الشائعة، وعدم الانسياق خلف الرائج وما يطلبه الجمهور.
6- الرقابة المجتمعية:
وهي المتمثلة في بقاء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي سر خيرية المجتمع الإسلامي، يقول عز وجل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران: 110)، ومنها الرقابة الإعلامية على ما يروج للانحرافات السلوكية أو الأفكار المصادمة لأخلاقيات الإسلام وآدابه، وتنظيم الدورات التوعوية للشباب بأخطار الانحلال الأخلاقي.