للأسرة دور مهم في تشكيل الخطوات الأولى لوعي الأطفال ومتابعة ما يطَّلع عليه النشء من تطبيقات
لا يمكن إغفال دور المسجد في التربية باعتباره المكان الجامع للمسلمين خاصة في أيام الجمعة
للجامعات دور حيوي بتوعية الشباب لأنها تشكل اللبنة الأولى في تفاعلهم مع مجتمعهم سلباً وإيجاباً
تعيش الأجيال الجديدة بين ماضٍ مليء بالقيم الدينية والتقاليد الموروثة، وحاضر متسارع يجلب معه الحداثة والتكنولوجيا التي تحمل في مضمونها الكثير من المتناقدات مع التراث الديني، بل وفي أحيان أخرى تحاول نقضه أو إلغاءه، وتجاوزت هذه الحداثة في أحيان كثيرة إلى السخرية من هذا التراث الذي يشكل منظومة القيم الأساسية لمجتمعاتنا العربية والإسلامية التي يعني التخلي عنها هو التخلي عن هوية الشعب العربي والمسلم.
وأمام هذا التناقض الكبير الذي تتسع فجوته يومًا بعد يوم، نحاول في هذا المقال استعراض صور هذه الإشكالية من ناحية، والأطروحات الخاصة بين الدمج بين الأصالة التي تشكل هويتنا كعرب ومسلمين، والمعاصرة التي تملكنا أدوات حديثة للتعبير وأفاق جديدة للتفكير ربما تكون ضرورية جداً للعيش في هذا العالم الذي أصبح بفعل التكنولوجيا قرية واحدة.
وقد أحدثت منتجات الحداثة الفكرية والاتصالية انقساماً داخل المجتمع المسلم بشكل عام، وأوساط الصبية والشباب بشكل خاص، حيث نشأت أجيال تعيش على منتج الحداثة وثقافته بشكل منفرد في تقليد مخل عن تقليد ثقافي مخل للغرب، بينما حاولت مجموعات أخرى التطبيق النصي للتراث في محاولة للرد على هذا الاستهداف المقصود.
ومع هذا التباين، تنشأ الفجوة بين من يرون في التراث أساساً لهويتهم وأخلاقهم، ومن يرون في العصر الرقمي فرصة لتجاوز القيود التقليدية، ويبقى السؤال: كيف يمكننا بناء جسور بين هذين العالمين، بحيث نحافظ على القيم الدينية والتراث الثقافي، وفي الوقت نفسه نستفيد من التكنولوجيا في تعزيز هذه القيم وتربية الأجيال بشكل يلائم متطلبات العصر الرقمي؟
مهددات دينية
حملت الوسائل الحديثة من صفحات التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية، ترويجاً متعمداً لثقافات غربية تتصادم بشكل مباشر مع الثوابت الدينية للمجتمع، وقد جاءت تطبيقات عالمية كثيرة ما بين الأغنية والفيلم والفيديوهات القصيرة والطويلة، تعكس ابتهاجاً غربياً بالشذوذ الجنسي، وتحمل دعوة مباشرة لكل الأجيال لاتباع هذا السلوك الذي يراه مفكرو الغرب الآن بأنه قمة الحرية الشخصية.
والغريب أن وسائل الإعلام الحديثة التي يسيطر عليها الغرب تصر على إقحام فكرة الشذوذ في طرق التعليم الحديثة للأطفال والصبية والشباب، حيث يظهر المعلم أو المعلمة وهو يرتدي شارات الشذوذ، إضافة إلى تغيير الصورة النمطية عند أجيالنا الخاصة بالرجل إلى مجرد أنثى تضع المساحيق وتلبس المشغولات الذهبية في تطابق تام مع ما تقوم به النساء، إضافة إلى قيام النساء المعلمات والمربيات في تلك التطبيقات التعليمية بأفعال تؤكد تبنيهم للشذوذ، وهو للأسف الشديد يتم بشكل متتال ومستمر بحيث لا تترك فرصة للأطفال أو الصبية أو حتى الشباب للخروج من حصار العالم الرقمي الذي يطاردهم كلما وضعوا أصابعهم على تلك الأجهزة.
بالوقوف عند هذا السلوك، تتضح حجم المعاناة الكبرى التي تقع على عاتق المعلم والأسرة في مجتمعنا لمتابعة مثل هذه السموم ومحاولة إنقاذ أطفالنا وشبابنا منها، علماً بأنه لا يمكن مراقبة الأطفال أو الصبية على مدار الساعة، ولذلك يقع على مجتمعنا التعليمي عبء كبير في تخليق برامج وتطبيقات عربية وإسلامية تكون قادرة على الإشباع الروحي والتقني للأطفال وتقدم لهم تلك المعلومات عبر صورة تتوافق مع أساسيات الدين ومضمون نافع ومبرمج لإنتاج أجيال نافعة لمجتمعها.
نجحت مجموعات متنوعة في عالمنا العربي في تقديم نماذج رائعة لتربية النشء باستخدام الوسائل التقنية الحديثة ووفقاً للضوابط الشرعية، ويمكننا هنا الإشارة إلى أحد هذه النماذج التي تقدم خدماتها بشكل مباشر للأسرة والمعلمين والأطفال، وهو «دليل الطفل المسلم»، وكما جاء في تعريف هذا الدليل أنه دليل إلكتروني جامع للخِدْمات والمشاريع المعنية بالطفل المسلم، يُعنى بتزويد المهتمين وأصحاب المبادرات بالمعلومات اللازمة عن الأعمال القائمة، ويجد فيه الوالدان والمربون ما يعينهم على تربية الأطفال تربية إسلامية صحيحة.
ويقدم الدليل خدمات مجانية وهي تشمل كافة الاحتياجات التعليمية والتربوية والترفيهية للأطفال، كما يقوم بتحديث نفسه بإضافة كل ما هو جديد في هذا المجال، من تطبيقات وبرامج مجانية للتعليم والترفيه.
وعلى الرغم من أهمية مثل هذه المنتجات، فإن المجتمعات العربية تحتاج إلى توعية أرباب الأسر، حتى تشكل الاختيار الأمثل لأبنائهم، وتحتاج هذه الأسر والمعلمين أيضاً دورات مستمرة لمعرفة البرامج والمنتجات التعليمية والترفيهية الضارة بالنشء ومحاولة إبعاد الأطفال عن مشاهدتها، والتفاعل معها، خاصة أن التحدي الأكبر الذي يواجه الأسرة في كيفية التعامل مع هذه المنتجات الغربية هو إقحام إعلانات مثل شارات الشذوذ، والعري، والتبشير، داخل البرامج التعليمية خاصة في تطبيق «يوتيوب» الأكثر مشاهدة في العالم.
التعامل مع العالم الرقمي
تواجه الأجيال الشابة تحديات جديدة في فهم وتطبيق تعاليم دينها وسط هذا التطور التكنولوجي المتسارع، وهو الأمر الذي يتطلب تضافر جهود مختلف المؤسسات التربوية لتوجيه الشباب نحو بناء شخصية متوازنة تجمع بين الأصالة والحداثة، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى دور المؤسسات التربوية المختلفة في التالي:
1- يعد دور الأسرة مهماً جداً في تشكيل الخطوات الأولى لوعي الأطفال، وبالتالي يجب أن تقوم بمتابعة ما يطلع عليه النشء من تطبيقات وبرامج، وتجنيب السيئ، والمناهض للمقومات الدينية منها.
2- المدرسة هي العمود الثاني في بناء الشخصية، التي يعد تدريب معلميها نشاطاً أساسياً للإشراف على الدفاع عن تراثنا وقيمنا الأساسية، دون أن ننعزل عن العصر، ووفقاً للخبراء فإن التعليم والتدريب المستمر للمعلم يجب أن يتوافق مع التعليم والتدريب المستمر لطلاب المدارس في مراحلها المختلفة، حيث يمثل المعلمون ركيزة أساسية في توجيه الطلاب نحو فهم معاني الدين وأحكامه، وتزويدهم بالمهارات اللازمة لمواجهة تهديدات التكنولوجيا.
3- لا يمكن إغفال دور المسجد في اعتباره المكان الجامع للمسلمين خاصة في أيام الجمعة، وفي هذا المجال يجب أن تتضمن خطبة الجمعة طوال الوقت تفسيراً لتلك المهددات التقنية والثقافية ومحاولة تقديم بدائل لها أو تطوير التعامل بمحاولة فهمها في الإطار الصحيح.
4- كما تعتبر وسائل الإعلام من أهم الأدوات التي تشكل وعي الأفراد، خاصة الشباب، حيث تؤدي وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في نشر الأفكار والمعتقدات، سواء كانت إيجابية أو سلبية؛ لذلك، يتطلب الأمر توعية الشباب بأهمية انتقاء المعلومات والتحقق من صحتها، وتشجيعهم على الاستفادة من هذه الوسائل في نشر الخير والمعرفة.
5- للجامعات دور حيوي في توعية الشباب؛ لأنها ترسم الطريق نحو مستقبلهم، وتشكل اللبنة الأولى في تفاعل الشاب مع مجتمعه سلباً وإيجاباً، ومن ثم يجب أن تتضمن برامج التعليم في الجامعات الإشارة إلى تلك المهددات الدينية والأخلاقية والثقافية التي تأتي عبر المنتج الغربي، إضافة إلى إلزام طلاب الجامعات بإنتاج مشروعات تخرج تتضمن كيفية مواجهة هذا الغزو الثقافي والديني والأخلاقي، وإنتاج بدائل تجمع بين الحفاظ على تراثنا، والأخذ بأسباب التكنولوجيا.
6- فيما يخص الجامعات الأجنبية العاملة في بلادنا، التي تحرص على عدم تدريس أي مواد تعليمية لها علاقة بتراثنا ومقوماتنا الأساسية، كالعلوم الشرعية، والأخلاقية، فهناك طريقان للتعامل مع هذا التحدي؛ الأول: الطلب من تلك الجامعات تدريس مادة الدين الإسلامي المتضمنة تعلم القرآن والحديث، والتاريخ الإسلامي، والثاني: أنه في حال رفض القائمين على تلك الجامعات يجب إجراء معادلة دينية لخريجي هذه الجامعات تتضمن التركيز على دراسة العلوم الشرعية حتى تصبح شهادة تلك الجامعات معتمدة لدى الدولة المسلمة.