رغم أن الدستور الروسي يكفل حرية الدين فإن المسؤولين حاولوا فرض قيود على الحجاب
تقارير حقوقية تتحدث عن طرد طالبات مسلمات من المؤسسات التعليمية بسبب رفضهن خلع الحجاب
الإعلام الروسي يصور الزي الإسلامي على أنه زي الإرهابيات ويغذي معاداة الإسلام بالمجتمع!
يعد الحجاب معضلة شائكة لكثير من النساء المسلمات في روسيا، وما بين الحالة المزاجية لسياسي الدولة الروسية المتأرجحة بين كسب ود المسلمين تارة، والهجوم عليهم واتهامهم واتهام الإسلام بالعنف والإرهاب تارة أخرى، تعيش المسلمات حالة من الحذر والترقب.
في أغسطس 2024م، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتقبيل نسخة من القرآن الكريم، قدمها هدية لمسجد «النبي عيسى» الذي تم تشييده مؤخراً في غروزني عاصمة جمهورية الشيشان، وعند فتح صفحات المصحف الشريف تلا المفتي على مسامع بوتين الآية الكريمة: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى) (الأنفال: 17)، في إشارة إلى دعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وترجم له معناها إلى اللغة الروسية،
ولقي احتضان بوتين نسخة من القرآن الكريم، وقيامه بتقبيلها، تفاعلاً وجدلاً كبيراً في العالمين العربي والإسلامي تسبب في انقسام؛ ما بين معارض ومؤيد، فاستشهد المعارضون بآيات من القرآن الكريم: (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة: 79)، وتفاعل البعض الآخر بإعجاب كبير مع تسامح الرئيس الروسي واحترامه للدين الإسلامي وللمسلمين حول العالم.
وقال الأزهر، في بيان له: «يحيّي الأزهر الموقف الشجاع الذي وقفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يحمل المصحف، ويدافع عن مقدسات المسلمين»، بالطبع التسامح الديني شيء محمود، والجميع مطالب به سواء كان مسلماً أو غير مسلم، لكن عندما يثار الجدل حول تقبيل بوتين للمصحف الشريف، ويستهان بدماء المسلمين بالصمت القاتل، يتضح أن هناك أزمة يمر بها المسلمون.
وأيضاً لا بد من طرح هذا التساؤل: هل كان للمسلمين صوت مسموع عندما تم منع ترجمة معاني القرآن الكريم في روسيا، في سبتمبر 2013م، بموجب حكم مناهض للتطرف أصدرته محكمة روسية في مدينة نوفوروسيسك جنوبي روسيا، أو عندما قررت محكمة روسية، في عام 2012م، منع 65 كتابًا إسلاميًّا في جميع أنحاء البلاد، بما فيها «صحيح البخاري» و«صحيح مسلم» و«رياض الصالحين»، أم أن المسلمين يعلو صوتهم بالتهليل عندما يحلو لهم، وعندما تكون هناك حاجة ماسة لسماع صوتهم يخفت ولا يُسمع؟!
لقد خضت بشكل شخصي تجربة صعبة في موسكو كوني مسلمة، بسبب غطاء الرأس أو كما نسميه الحجاب؛ لذا أعي جيداً ما تعانيه النساء المسلمات في مختلف مدن روسيا وتحديداً في العاصمة موسكو التي عشت فيها لسنوات طوال، فما تكاد تطأ قدم أي مسلمة مترو موسكو إلا وتلاحقها أعين الجميع، وتنصب عليها النظرات ما بين ساخرة ومستهجنة ومتعجبة وخائفة! وكثيراً ما تتعرض المسلمات للتحرش والاعتداءات في المترو والشوارع وأحياناً أمام أعين الشرطة التي غالباً ما تكون متواطئة مع المعتدين، وفي بعض الأحيان تضطر المسلمات إلى التعرض لإجراءات أمنية إضافية في المطارات بسبب الحجاب.
ورغم أن الدستور الروسي يكفل حرية الدين، فإن المسؤولين الروس دائماً حاولوا فرض قيود على الحجاب منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهو نقاش غذته موجة معاداة الإسلام في أعقاب حروب روسيا على الشيشان.
فقد أيدت المحكمة العليا الروسية، في عام 2015م، حظر الحجاب في المدارس الذي فرضته السلطات المحلية في جمهورية موردوفيا، وهي أول سابقة قانونية من نوعها.
فتقول المحامية في مجال حقوق الإنسان فاطمة عبدالكريم: من ناحية، نعيش في بلد متعدد الطوائف ويمكننا ارتداء أي شيء يمليه علينا ديننا، ولكن من ناحية أخرى، بإمكان أي مدرسة أن تشير إلى حكم المحكمة العليا وتقول: إنها تتطلب زيًا مدرسيًا، وهو ما يحظر ارتداء الحجاب.
رداء الإرهابيات!
يؤدي الإعلام الروسي دوراً بارزاً في تصوير الزي الإسلامي على أنه زي الإرهابيات! ويغذي معاداة الإسلام بشكل كبير.
تصف ياسمينة الروسية التي اعتنقت الإسلام منذ بضع سنوات محنتها مع المجتمع الروسي التي بدأت بارتداء الحجاب لصحيفة «موسكو تايمز» قائلة: أنا روسية قلباً وقالباً، وملامحي روسية ولم يكن هناك مكان يرفض توظيفي من قبل، لكن تغير كل شيء عندما بدأت ارتداء الحجاب، رغم أنني حاصلة على شهادة جامعية وأجيد العديد من اللغات الأجنبية وأتمتع بخبرة مهنية لسنوات طوال، أصبحت أواجه الرفض، لأن الناس يرون أن الحجاب مظهر إرهابي!
وتروي طبيبة داغستانية تنحدر من جمهورية داغستان في شمال القوقاز أن قناة تلفزيونية روسية رفضت ظهورها على شاشة التلفزيون الحكومي الروسي مرتدية الحجاب قائلة: إن بعض الفتيات لا يرغبن في خلع الحجاب، لذا إذا ذهبن إلى المدرسة ومنعن من ارتداء الحجاب، فسوف يحرمن أيضًا من حقهن في التعليم وهو حق أساسي لكل طفل.
منذ عام 2015م، ظهرت تقارير حقوقية عن طرد طالبات مسلمات من المؤسسات التعليمية بسبب رفضهن خلع الحجاب في مختلف أنحاء روسيا، بما في ذلك منطقة فلاديمير ومنطقة روستوف وحتى جمهورية تتارستان، التي تقطنها أغلبية مسلمة تترية، وعلى الرغم من أن الإسلام الدين السائد في جمهورية تتارستان، وأن المسؤولون في تتارستان مسلمون، فإن أغلبيتهم تربوا على الثقافة الروسية ولا يعرفون الكثير عن الإسلام، ويعتبرون الحجاب غريب عن ثقافتهم التقليدية.
وتقول شايدولينا، وهي عالمة نفس إسلامية من تتارستان، تربت في عائلة مسلمة ملتزمة وارتدت الحجاب لأول مرة في سن السابعة، وعلى الرغم من أنها بدأت تعليمها في مدرسة إسلامية، فإنها تحولت إلى الدراسة في مدرسة عامة علمانية في مسقط رأسها قازان عندما كانت مراهقة، تقول: كنت الفتاة المسلمة الوحيدة في صفي ولم يتحدث معي أي من زملائي في الصف خلال الشهر الأول، كانوا متشككين للغاية في رؤية فتاة ترتدي الحجاب، كان شيئًا جديدًا بالنسبة لهم!
هناك تصور روسي بأن الأسر المسلمة متأخرة في تطورها الفكري، وبينما ترى بعض المسلمات أن تتارستان مكان مريح ومرحب بالمسلمين وأن «الإسلاموفوبيا» شيء نادر فيها، إلا أن البعض يرون أن تتارستان وعاصمتها قازان تعاني أيضاً من بعض المشكلات، وتضيف شايدولينا أنها عندما تسافر خارج تتارستان، يبدو الأمر كما لو أنها تسافر إلى روسيا مختلفة، وجزء مختلف من العالم حيث المسلمون ظاهرة نادرة.
يؤثر هذا الاتجاه بشكل خاص على النساء والفتيات المسلمات المحجبات، اللائي يُحرمن من العمل والظهور على التلفزيون الوطني، ويُمنعن من المؤسسات التعليمية، ويُمنعن من دخول أماكن الترفيه ويواجهن مضايقات لفظية وجسدية بسبب مظهرهن الإسلامي.
وحالياً يدور الجدل في روسيا حول مشروع قانون طرحه نائب رئيس مجلس الدوما فلاديسلاف دافانكوف ينص على حظر ارتداء النقاب في الأماكن التعليمية والعامة، وينص مشروع القانون على أن المنظمات التعليمية ستكون قادرة على فرض حظر محلي على ارتداء الملابس أو الرموز الدينية، وسيتمكن النواب في البلديات أو الأقاليم من فرض حظر محلي على ارتداء الملابس الدينية وغيرها من الملابس التي تخفي الوجه كليًا أو جزئيًا في المؤسسات الحكومية والأماكن العامة.
وأثار ذلك الطلب ردود فعل متباينة في الأوساط الاجتماعية، ويرى المؤيدون أن هذا القانون ضروري لاعتبارات أمنية تتعلق بإجراءات للحد من التهديدات الإرهابية!
ويعتقد بعض الخبراء المسلمين في روسيا أن الإجراءات لا ينبغي اتخاذها من خلال الحظر وحده، ولكن من خلال التعليم، فيقول محمد عمروف، مدير مركز البحوث الاجتماعية والسياسية وتكنولوجيا المعلومات في الجامعة الحكومية الروسية للعلوم الإنسانية في مقابلة مع وكالة تاس الروسية: من المستحيل محاربة هذا بالقيود وحدها، إذا تم فرض الحظر، فسيكون هناك تأثير عكسي.
ويرى عمروف أن الأمر يستلزم تثقيف الناس بالمزيد عن تقاليد وعادات شعوب روسيا، حول الأزياء الوطنية، وللقيام بذلك، يوضح أنه من الضروري إقامة فعاليات ثقافية وندوات ومحاضرات في المدارس والجامعات.
وفي يوليو الماضي، قال مفتي بشكيريا، آينور بيرغالين: إنه لا يعارض حظر النقاب؛ لأنه من الصعب على الدولة التعرف على أي امرأة ترتدي مثل هذه الملابس، وفي الوقت نفسه يرى أن الحجاب فرض على النساء في الإسلام، وكانت الإدارة الروحية للمسلمين في جمهورية قبردينا بلقاريا، قد دعت النساء إلى الامتناع عن ارتداء النقاب أثناء التحاقهن بالمؤسسات التعليمية.
ومن ناحية أخرى، يقول طالب سعيد باييف، المستشار الأول لمفتي الإدارة الدينية لمسلمي روسيا: إن روسيا ليست دولة أرثوذكسية فقط، ولكنها أيضاً دولة إسلامية أيضاً، يعيش فيها اليوم أكثر من 20 مليون مسلم؛ ما يجعل الإسلام ثاني أكبر ديانة بعد الأرثوذكسية.
من المعلوم أن المسلمين هم أصحاب الأرض في روسيا وليسوا مهاجرين، كما هي الحال في الغرب، لذا لا بد من الأخذ بعين الاعتبار احترام الدين الإسلامي واحترام الذين يعتنقونه واحترام قوانينه.
ويتساءل بعض المسلمين في روسيا: كيف يرتبط اتباع التقاليد الإسلامية وارتداء وشاح أو حجاب بالأنشطة الإرهابية؟! ويرون أن السلطات غالبًا ما تبرر القيود المفروضة على المسلمين بأنها «تدابير لمنع الإرهاب»!
من جهتها، أشارت الحكومة الروسية إلى أن مفاهيم مثل الملابس الدينية الدينية أو الرموز الدينية غير محددة في التشريعات؛ وهذا قد يؤدي إلى ممارسة غامضة لإنفاذ القانون، وحتى الآن لم تدعم الحكومة الروسية النسخة الأخيرة من مشروع القانون الذي لم يتم إقراره بعد، الذي يسمح للمدارس والبلديات بفرض حظر محلي على الملابس الدينية.
لذا، لا بد من تسليط الضوء على معاناة المسلمات بسبب الحجاب في روسيا، وأن يكون قادة الدول العربية والإسلامية على دراية بمشكلات المسلمين في كل مكان للحد من تعرضهم للانتهاكات.