من أخطر العوائق التي تقف حجر عثرة في طريق السائرين إلى الله تعالى إعجاب المرء بنفسه، أو ما يسمى في العصر الحديث بـ«النَّرْجِسِيَّة».
والنَّرْجِسِيَّةُ في اللغة: مصدر صناعيّ من نِرْجِس، وهي إعجاب المرء بنفسه وافتتانه بها، وعند علماء النفس: النَّرْجِسِيَّةُ هي شذوذ، فيه يشتهي المرءُ ذاتَه(1).
والنَّرْجِسِيَّةُ عند علماء التربية تعني الفرح والسرور بالنفس وبما يصدر عنها من أقوال وأفعال، سواء كانت هذه الأقوال أو الأفعال محمودة أو مذمومة.
عاقبتها
لا يخفى على السائرين في الطريق إلى الله تعالى الأثر المدمر للنرجسية على الفرد والمجتمع، فعلى مستوى الفرد، فإنها تصيبه بالغرور والتكبر، والترفع عن الآخرين واحتقارهم، والنفور منهم وكراهيتهم، مما يؤدي إلى الحرمان من توفيق الله تعالى، ومن ثَم التعرض لغضب الله تعالى وانتقامه، ولعل هذا هو سر قوله صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل يمشي في حُلَّة تُعجبُه نفسه، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ، إذْ خسَفَ اللهُ بهِ الأرْضَ، فهو يتجلْجَلُ فيها إلى يومِ القيامَةِ» (رواه البخاري).
أما على مستوى المجتمع، فإنها تؤدي إلى نفور الناس من هؤلاء النرجسيين، ومن ثَم تؤدي إلى توقف الدعوة عن ضم أصدقاء جدد إلى صفوفها؛ لأن الناس عادة لا يميلون إلى التعامل مع أمثال هؤلاء.
كيف يعرف المسلم أنه مصاب بهذا الداء؟
إذا وجد المسلم في نفسه مظهراً من المظاهر التالية فقد أُصيب بهذا الداء:
– تزكية النفس: من صفات هؤلاء، دوام التزكية للنفس والثناء عليها، ولعل هذا هو بعض السر في قوله تعالى: (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ) (النجم: 32).
– التعالي على النصيحة ورفضها: حيث إنه يرى في نفسه أنه أفضل من جميع من حوله، ولعل هذا هو سر قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا خير في قوم لَيْسُوا بناصحين ولا خير في قوم لا يحبون الناصحين(2).
– الفرح بسماع عيوب الآخرين، لا سيما أقرانه: وهذا ما حذَّر منه علماء السلف الصالح، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: من علامة المنافق أن يحب المدح بما ليس فيه، ويكره الذم بما فيه، ويبغض من يبصره بعيوبه، ويفرح إذا سمع بعيب أحد أقرانه(3).
أسبابها
للإصابة بهذا العائق أسباب كثيرة، منها:
– النشأة: قد ينشأ المرء بين أبوين يلمس منهما أو من أحدهما حب المحمدة وتزكية النفس بالحق والباطل، ورفض النصح والإرشاد، وبمرور الوقت يتأثر بهما ويصبح الإعجاب بالنفس جزءاً من شخصيته.
– عدم مراعاة الآداب الشرعية عند المدح والإطراء في الوجه: حيث إن البعض عندما يستمع لمن يمدحه يظن أنه يملك من المواهب ما ليس لغيره، وما يزال هذا الخاطر يلازمه حتى يصاب بهذا الداء، ولعل ذلك هو السر في رفضه صلى الله عليه وسلم للمدح في الوجه.
روى البخاري بسنده أن رجلاً أثنى على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ويلك! قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك»، مراراً، ثم قال: «من كان منكم مادحاً أخاه لا محالة، فليقل: أحسب فلاناً، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدًا، أحسبه كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه» (رواه البخاري 2662).
– الصُحبة: حيث إن الصاحب عندما يكون مصابًا بداء الإعجاب فإن عدواه تصل إلى صاحبه فيصير مثله، ولعل هذا هو السر في قوله صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» (أبو داود، 4833).
– الافتتان بالنعمة ونسيان المنعم: حيث إن البعض إذا رزقه الله تعالى نعمة ما وقف عندها، ونسي أنها من عند الله تعالى، كما قال قارون: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي) (القصص: 78)، ولعل هذا هو السر في قوله تعالى: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ) (النحل: 53).
– تصدر الأعمال قبل النضج: ذلك أن البعض قد تفرض الظروف تصدرهم للعمل قبل أن يستوي عودهم وقبل أن يتمكن الإيمان من قلوبهم، وحينئذ يأتي لهم الشيطان فيلقي في روعهم أنهم ما تصدروا العمل وما وضعوا في الموقع الذي هم فيه الآن إلا لما يحملون من مؤهلات وما لديهم من مواهب وإمكانات، ولعل هذا هو السر في قول عمر رضى الله تعالى عنه: «تفقهوا قبل أن تسودوا»(4).
علاجها
يكمن علاج هذا الداء فيما يلي:
1- التذكير الدائم بحقيقة النفس الإنسانية: وذلك بأن يفهم الإنسان أن نفسه التي بين جنبيه لولا ما فيها من النفخة الإلهية ما كانت تساوى شيئاً، فقد خلقت من تراب تدوسه الأقدام، ثم من ماء مهين يأنف الناظر إليه من رؤيته، وسترد إلى هذا التراب مرة أخرى، فتصير جيفة منتنة، يفر الخلق كلهم من رائحتها.
مر المهلب على مالك بن دينار متبختراً، فقال له: أما علمت أنها مشية يكرهها الله إلا بين الصفين؟! فقال المهلب: أما تعرفني؟ قال مالك: بلى، أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة فانكسر، وقال: الآن عرفتني حق المعرفة(5).
2- التذكير الدائم بحقيقة الدنيا والآخرة: وذلك بأن يعرف الإنسان أن الدنيا مزرعة للآخرة، وأنه مهما طال عمرها فإنها إلى زوال، وأن الآخرة خير وأبقى.
3- التفكر في الموت: وما بعده من منازل، ومن شدائد وأهوال، فإن ذلك كفيل باقتلاع العُجب من النفس، بل وتحصينها ضده، وكفى بالموت واعظاً.
4- أن يتحرر الأبوان من داء العُجب بالنفس، وأن يكونا قدوة صالحة أمام الأبناء حتى يقتدون بهما.
5- الامتناع عن صحبة المعجبين بأنفسهم، مع الارتماء في أحضان المتواضعين العارفين أقدارهم، ومكانتهم، فإن ذلك يساعد في الوقاية من العُجب بالنفس.
6- محاسبة النفس أولاً بأول، حتى يمكن الوقوف على العيوب وهي لا تزال في بداياتها فيسهل علاجها والوقاية منها، وإدراك العواقب والآثار المترتبة على العُجب بالنفس، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أخف عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ) (الحاقة: 18)(6).
_______________________
(1) المعجم الوسيط
(2) رسالة المسترشدين، الحارث المحاسبي (1/ 71).
(3) كتاب الزهد، الإمام أحمد بن حنبل (2/ 600).
(4) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (1/ 199).
(5) سير أعلام النبلاء (5/ 363).
(6) آفات على الطريق، أ.د. السيد محمد نوح (1/ 125)، بتصرف.