كاتب المدونة: وليد شوشة
ربما ظن نتنياهو ومن معه من القيادات العسكرية والسياسية «الإسرائيلية» والغربية التي تقوم بعملية الإبادة الجماعية في غزة منذ أكثر من عام، بأنهم بمقتل الشهيد يحيى السنوار، رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قد قضوا على الحركة وجناحها العسكري «كتائب الشهيد عزالدين القسام» والمقاومة!
وهذا في الحقيقة وهْم كبير، ومخالف للتجارب التاريخية التي تثبت العكس، فإن تاريخ حركات المقاومة والتحرير تخبرنا بأن دماء الشهداء والقادة وقود يحرك الهمم، ويفجر الطاقات، ويشجع الأتباع، ويشعل نار الثأر، ويديم المقاومة حتى تحقق أهدافها كاملة بدحر المحتل وتطهير الأرض من دنسه.
وهنا نستحضر كلمات سيد قطب: «إن كلماتنا ستبقى عرائس ميتة من الشموع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح، وكتبت لها الحياة»، وكذلك تكون، وتابعنا كيف نفخت النهاية البطولية للسنوار التي أخرجها الاحتلال «الإسرائيلي» دون قصد منه، الروح في كلماته وكتبت بموته حياة أمة واستمرارية مقاومة.
ربما تُغرس أفكار المقاومة والشجاعة والتضحية بالنفس والنفيس من أجل الأوطان والأعراض والعقائد أولاً، وتتمكن من قلوب ونفوس الشعوب، وتظل كامنة حتى تجد الفرصة السانحة، والميدان المناسب التي تستحيل فيه إلى حقائق، ووقائع وتجارب وقصص تتناقلها الأجيال بشرف، ويحفظها التاريخ في سجل الخالدين، كما تصنع أبطالها، وتكشف المنافقين والمنهزمين والعملاء سواء بسواء.
والمحتل والمستعمر يسكب الوقود بجرائمه ومجازره وانتهاكاته على نار الشعوب والأراضي المحتلة فتشتعل نار الثورة والانتفاضة، ويساعد على صنع ميدان التضحية والمقاومة والبسالة والشجاعة، رداً مضاداً على إجرامه ووحشيته ومجازره، وكذلك يفعل كل استعمار، ويُقاوم كل شعب حر.
وبالتالي مهما فعل الاحتلال، فإن المقاومة لن تيأس، ولن تستسلم أياً كانت التضحيات، ولن تتخلى عن واجبها بهذه السهولة، فالمقاومة ماضية في طريقها في مقاومة المحتل بكل ما تملك من وسائل المقاومة، ولن تسقط رايتها، ولن تنتهي أجيالها حتى تتحرر فلسطين، كل فلسطين، مهما طال الزمن، وقل الرفيق، وخان القريب، وعظمت الأثمان.
إن «إسرائيل» ومعها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب يعملون بكل جهد إلى قتل روح المقاومة، وفكر المقاومة والتضحية والجهاد، لأنهم يدركون جيداً أن يقظة هذه الروح هي الخطر الأكبر عليهم الذي يتوعدهم ويتهددهم.
يقول قطب: «وما يزالون يضللون هذه الأمة عن دينها ويصرفونها عن قرآنها كي لا تأخذ منه أسلحتها الماضية، وعدتها الوافية، وهم آمنون ما انصرفت هذه الأمة عن موارد قوتها الحقيقية وينابيع معرفتها الصافية، وكل من يصرف هذه الأمة عن دينها وعن قرآنها فإنما هو من عملاء يهود، سواء عرف أم لم يعرف أراد أم لم يرد، فسيظل اليهود في مأمن من هذه الأمة ما دامت مصروفة عن الحقيقة الواحدة المفردة التي تستمد منها وجودها وقوتها وغلبتها».
إنهم يعلمون جيداً أن الخطب والمقالات والتصفيق والهتافات والصياح والحماسة، والحرب الافتراضية على مواقع التواصل، لا تهز قواعدهم، ولا تهدد جيوشهم، ولا تكسر إجرامهم، إنهم فقط يخافون أن تستيقظ روح المقاومة وأخلاق التضحية والفداء في نفوس الشعوب المقهورة والمحتلة، ذلك هو الخطر الحقيقي، والخطر الوحيد والخطر الأكيد.
لذلك، حرصت أمريكا و«إسرائيل» على إبقاء الجيوش العربية ضعيفة، تقتات على المعونات العسكرية والمالية الأمريكية السنوية، التي تشتري بها صمتهم، وعمليات التدريبات لضباطها والمنح التعليمية العسكرية فتضمن بها ولاءهم، وتكدس المعدات والأسلحة القديمة وتمنع عنهم التقنيات الحديثة فتضمن تفوق الجيش «الإسرائيلي» عليهم جميعاً.
بهذا نفهم حجم الحملة الغربية الأمريكية الرهيبة على أهل غزة عامة والمقاومة خاصة التي تريد أن تحطمها تحطيماً، وتقتل روح المقاومة ورجالها، وتقضي على أخلاق الفداء والتضحية، واستبدال أخلاق الهزيمة والاستسلام والخيانة وحب الدعة والراحة والخوف بها، فكانت حرب الإبادة التي لا تزال تطحن في غزة، وهذه الوحشية في إبادة شعب بكل وسائل القتل دون رحمة ودون تفريق بين الأطفال والنساء والرجال وكبار السن، وهدم البيوت، والمستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد وكل وسائل الحياة، واستخدام سلاح التجويع والحرمان من الطعام والمياه والعلاج.
حرب ضروس رهيبة وعقاب جماعي لشعب بأكمله لأنه الحاضنة الشعبية للمقاومة، ولأنهم اختاروا طريق الحرية والتحرر والتحرير والتضحية والفداء والمقاومة، لذا تمنوا أن تخبو هذه الشعلة في نفوسهم، وأن يغيب هذا الإيمان من قلوبهم واستبدال الكفر بالمقاومة وطريقها، بل يجب أن يصبحوا مثلاً وعبرة لكل من تحدثه نفسه يوماً إلى أن يسلك طريق المقاومة والتحرير، ويرفع رأسه في وجه «إسرائيل» أو يواجهها ويقاومها.
واليوم نرى روح الانهزامية وقتل روح النخوة والمروءة والنجدة والغيرة على أعراض النساء في نفوس الأشقاء العرب الذين تركوا أهل غزة يلاقون مصيرهم وحدهم، وسط مجازر ومحارق ومآسٍ تذيب القلوب الحرة وتدميها، وإذا هان العرض فقد هان الوطن وهانت الكرامة وهانت المقدسات التي تدافع عنها الجيوش.
وهؤلاء الشباب الذين مرغوا أنف «إسرائيل» في تراب غزة، رفعوا في الوقت نفسه رؤوس الأمة، وأثبتوا بكل فخر بأن الجيش «الإسرائيلي» قابل للكسر والردع والهزيمة، وأن التحرير ممكن ودحر المحتل وتطهير المسجد الأقصى ليس ببعيد.
والطريق يبدأ أولاً من داخل النفس، الميدان الأول، فإذا انتصرنا عليها كنا على المحتلين أقدر، يبدأ بغرس قيم المقاومة والتضحية والشجاعة وحب الأوطان والعقيدة والدفاع عنهم.
يقول قطب: «إن كل شاب ينضم إلى المقاومة هو شاب كسبته الرجولة وكسبته الفضيلة، هو شاب قد استفذت بروحه من الترف ومن الرخاوة ومن الميوعة، هو شاب قد تطهر من الرذيلة ومن الدنس ومن القذارة، هو شاب قد استعدت روحه للبذل والتضحية فتخلصت من الأنانية ومن ظلام الأثرة، ومن لعنة الفردية، فإن عاش بعد المعركة فهو رجل تعتز به الأمة، وإن كتبت له الشهادة لاقى ربه على خير ما يلقاه عبد مؤمن وهب نفسه لغاية أسمى من ذاته وأكبر من حياته.
إن علائم النصر تلوح من وراء الشدائد التي تواجهنا من هذه الأيام، ومتى انتصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا وعلى مطامعنا الغريبة في هذه الأرض، ومتى تطلعت أبصارنا إلى أهداف أعلى من منافع الأفراد ولذائذ الأفراد، متى يتم هذا كله فالنصر قريب والشدة لا تصنع شيئاً إلا أن تصهر وإلا أن تطهر وإلا أن تخلق الرجال والأبطال».