يقدم كتاب «الصداقة والشباب» إطلالة وافية على قيمة الصداقة كلغة تغذي العلاقات الإنسانية، وتنمي نزعة العطاء لدى الإنسان، وترسخ معاني الوفاء والصدق والأمانة داخل المجتمع، في ظل تحولات اقتصادية صاحبها تغيرات اجتماعية عنيفة وعميقة أدت إلى إضعاف القيم الأصيلة التي عاش عليها المجتمع طويلاً.
ويحذر مؤلف الكتاب الأكاديمي المصري الراحل د. أحمد المجدوب، الخبير بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، من طبيعة التغيرات المادية التي طغت على المجتمع، وهي تعلي من شأن المصلحة الخاصة، وتقدمها على المصالح العامة؛ ما أدى الى ترهل العلاقات وضعف الصلات بين الناس.
ويسلط الفصل الأول من الكتاب الصادر عام 2001م عن الدار المصرية اللبنانية، الضوء على تعريف الصداقة، والتفرقة بين الصداقة وغيرها من أشكال العلاقات الإنسانية، مثل الزمالة، أو الجيرة، والقرابة، وغيرها من أنماط العلاقات السائدة في المجتمعات البشرية.
ووفق المعني اللغوي، فإن الصداقة هي المخالة، والصداقة مصدر التصديق، واشتقاقه أنه صدقه المودة والنصيحة، أما المعنى الاصطلاحي، يقول أبو حيان التوحيدي: إن الصديق لفظ مشتق من الصدق، ويكون الصديق صادقاً، غير كاذب، والصداقة باختصار هي علاقة اجتماعية ضرورة للإنسان قوامها الصدق في كل شيء.
ويفرق المؤلف في كتابه الذي يضم بين جنباته 115 صفحة، بين الصديق والخليل، والصديق والصاحب، والصاحب والقرين، والصديق والحميم، والصديق والمعرفة، والصداقة والزمالة، والصداقة والعلاقة.
ويلقي الفصل الثاني من الكتاب الضوء على الصداقة والحب والعشق، متناولاً الصداقة بين الفتيان والفتيات، وهي العلاقة التي يطرحها حاملو لواء التقدمية والاستنارة، ويعتبرون أن منعها يعد انتقاصاً من حقوق المرأة، ومن صور التمييز بينها وبين الرجل، مشيراً إلى التداعيات الكارثية التي خلفتها تلك الأفكار من انتشار الزنى والفواحش والاغتصاب في المجتمعات التي أزالت الفوارق بين الجنسين، وتغاضت عن القيم الحاكمة للعلاقة بينهما.
ويتساءل الكاتب: ماذا غير الحمل غير الشرعي والإجهاض والأبناء غير الشرعيين، يمكن أن تؤدي إليه الصداقة بين الفتيان والفتيات؟!
ويواصل المجدوب تساؤلاته: لماذا تعجز المرأة عن أن تكون صديقة لزوجها؟ مضيفاً: لو أن المرأة نجحت في أن تكون صديقة لزوجها لانخفضت معدلات الطلاق إلى أدنى حد، ولعاشت الأسرة في طمأنينة وسعادة.
ويرصد الفصل الثالث «خصائص الصداقة»، ومنها أن الصداقة تجعل من يرتبطون بها يعتمدون على بعضهم بعضاً في تبادلية تلقائية وليست محسوبة، كما تسمح الصداقة بأن يناقش الأصدقاء كل أمور حياتهم تقريباً، بصدق وشفافية، والمشاركة في النشاطات والاهتمامات، كما أن الصداقة تجعل كل طرف فيها قادراً على استثارة انفعالات قوية لدى الطرف الآخر، يستأنس به، ويستفيد منه، ويستشيره، ويتشوق لرؤيته.
ومن خصائص الصداقة المساندة، ووقوف الأصدقاء إلى جانب بعضهم بعضاً، كما تتيح الصداقة تبادل الأفكار والرؤى، والتأثير المتبادل بين الصديقين، خاصة مع طول عمر الصداقة، وإتاحة تحقيق المنافع بين طرفيها.
ومن الشروط التي يجب توافرها من أجل أن تقوم الصداقة بالمعنى الصحيح، يلخص المجدوب هذه الشروط في الاشتراك في البيئة، والاشتراك في الأهداف، والاشتراك في المصلحة، والقرب المكاني، وما يعرف بالإدراك أو الوعي.
ويتساءل الفصل الرابع من الكتاب: «كيف تتخذ صديقاً؟!»، مستعرضاً آراء المؤيدين للصداقة، والمعارضين لها، والشروط التي يجب توافرها في الساعي إلى الصداقة، كما يتناول الأوصاف التي يطلقها الشباب على نظرائهم مثل «غلس، قفل، دهل، سمج»، منوهاً بأهمية الخبرة عند اتخاذ الأصدقاء، ودور الأسرة في تنشئة الأبناء على الميل للصداقة، وسبل الاندماج في المجتمع، وكيفية انتقاء الصديق الصالح، وواجبات وحقوق الصديق.
وعن فوائد الصداقة، يعدد المجدوب الفوائد الاجتماعية لها، من اكتساب مهارات جديدة، والقدرة على التعامل مع الآخرين، ونيل المساعدة سواء كانت مادية أو معنوية، وتقوية اللحمة بين أفراد المجتمع، إضافة إلى كون الصداقة أداة من أدوات الضبط الاجتماعي.
أما الفوائد النفسية فهي كثيرة، وأهمها خفض التوتر ومواجهة العزلة، وتبديد الإحباط والاكتئاب، كذلك توفر الصداقة ما يسمى بالإفصاح عن الذات، والتعبير عما في النفس، وإثارة المشاعر الإيجابية التي تتضمن المرح والترفيه والتسلية.
ويركز الفصل الخامس من الكتاب على الشروط الواجب توافرها فيمن نتخذه صديقاً، مشيراً إلى أنواع الأصدقاء، على النحو الذي صنفه التوحيدي صداقة الأخيار، وهي تورث الخير، وصداقة الأشرار التي تورث الشر، أما ابن مسكويه فقد قسم الصداقة إلى صداقة اللذة، وصداقة المنفعة، وصداقة الفضيلة.
لكن الإمام الغزالي وضع 5 شروط من صفات الأصدقاء، وهي العقل وحسن الخلق والصلاح والكرم والصدق، أما أبو نجيب ضياء الدين السهروردي، فقد اشترط فيمن نتخذه صديقاً أن يكون موافقاً لنا في الاعتقاد، وفي الدين، وأن يكون حسن الخلق.
ولذلك يحذر المجدوب، في خاتمة كتابه القيم، من أصدقاء السوء، وضعاف الشخصية، والمتشبهين بالنساء، ومن يقلدون الغرب، حتى لا تكون الصداقة وبالاً على الشخص، ودافعاً إلى الشر لا إلى الخير والفضيلة.