يمثل التعليم ركيزة أساسية لتقدم المجتمعات ونهضتها، وهو العامل الأهم لتحقيق التنمية المستدامة، وللعلم مكانة عظيمة في الإسلام، يكفي أن أول ما نزل من الوحي كان (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق: 1)، وقد كانت الأمة قبل الإسلام في جاهلية عمياء بكل معانيها، ولكنها بنور القرآن ومنهجية الإسلام قفزت قفزة هائلة إلى ريادة الأمم، والإبداع في كافة العلوم والمجالات.
لكن، نظرة سريعة على المنظومة التعليمية الحالية، تكشف لنا حجم التدهور الذي أصابها، فالتعليم اليوم مُنفصم عن الإيمان، والمناهج الدراسية تُصمَّم وفق معايير غربية لا علاقة لها بمنظومة القيم الإسلامية، فالمناهج الدراسية مصنوعة بعناية فائقة تحت إشراف النظام الأمريكي والأوروبي، وتتحكم فيها المنظومة الدولية بصورة كبيرة، فالمناهج مبنية على معايير غربية، حتى مواد الهوية مثل اللغة العربية والدراسات الإسلامية والاجتماعية، كلها مصممة وفق معايير دولية حسب منهجيات وقيم وأفكار المجتمع الغربي.
ثم هل الزمن التعليمي الممتد يناسب احتياجات أبنائنا؟ فما يتم تحصيله من علوم ومعارف خلال تلك المدة الطويلة، التي تعتبر الأغلى في حياة الإنسان، لا يستحق كل هذا العناء ولا كل هذا الجهد ولا كل تلك الأموال، فيمكن تحصيله بأقل من ذلك بكثير، كما أن أكثر الشهادات التي يعودون بها إلينا لا علاقة لها بالأعمال التي يشتغلون بها، وربما تخرج بعضهم ومعه متطلبات السوق لكنه في الوقت نفسه فارغ من متطلبات رب الكون!
كما أن الناظر إلى مخرجات المؤسسات التعليمية يدرك أن القيم الأخلاقية تضيع، وأن الاختلاط في المدارس يؤدي إلى فساد أخلاقي متزايد، وأغلب الأسر لا يشغلها إلا تلك الأرقام والعلامات التي يحصل عليها الطلاب، بصرف النظر عما صاحبها من انحراف فكري أو قيمي!
والأسوأ من كل ذلك أن كثيراً من الناس يهرعون إلى تسليم أولادهم لمناهج أجنبية، ومدارس أجنبية، ويفتخرون بذلك، وينفقون أموالاً طائلة، يظنون بذلك أنهم أسدوا خدمة لأبنائهم، ونسوا أنهم سلموا عقول أبنائهم لمن لا يعرف الله، بل من يعادي كلمة الإسلام والمسلمين.
إن أزمة التعليم في العالم الإسلامي تتعدى مجرد ضعف النتائج الأكاديمية، فهي تهدد هويتنا وقيمنا وتضعف قدرتنا على المنافسة في العصر الحديث، فبدلاً من أن يكون التعليم وسيلة لبناء أجيال واعية وقادرة على الإبداع، أصبح أداة لتلقين المعلومات وتجهيز الأيدي العاملة، هذا الوضع يتطلب منا جميعاً؛ حكومات ومؤسسات مجتمع مدني وأفراداً، أن نتكاتف للعمل على إصلاح هذا النظام التعليمي المتعثر، وأن نضع نصب أعيننا هدف بناء جيل واعٍ بدينه وقيمه، قادر على النهوض بأمته.
تفتح «المجتمع» هذا الملف في ظل تغيرات متسارعة في دولنا العربية للمناهج التعليمية لنتساءل: هل يصب ذلك التطور الملحوظ في الحفاظ على ثوابتنا وقيمنا والمشاركة في نهوض حضاري تنتظره الأمة التي غابت عن الركب؟