دخل، صباح اليوم الأربعاء، اتفاق وقف إطلاق النار بين «حزب الله» اللبناني والكيان الصهيوني حيز التنفيذ، لينهي معارك استمرت منذ 8 أكتوبر 2023م، واشتدت في الشهرين الأخيرين.
وأعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، مساء أمس الثلاثاء، مصادقة المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) على الاتفاق، مهدداً برد قوي على أي خرق من جانب «حزب الله».
كما أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن موافقة الطرفين على الاتفاق، مشدداً على ضرورة تنفيذه بالكامل دون الحاجة إلى نشر قوات أمريكية في جنوب لبنان، مشيراً إلى أن دولة الاحتلال تحتفظ بحق الدفاع عن نفسها في حال حدوث أي خرق.
وصرح المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي أن قوات الجيش ستظل منتشرة في مواقعها داخل جنوب لبنان وفق بنود الاتفاق، محذراً سكان الجنوب من العودة إلى القرى التي تم إخلاؤها أو الاقتراب من القوات الصهيونية في المنطقة.
ما بنود الاتفاق؟
وحسب «القناة 13 العبرية»، فإن نص الاتفاق الكامل بين الاحتلال ولبنان لوقف إطلاق النار يتضمن عدم تنفيذ «حزب الله» وجميع الجماعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية أي عمل هجومي ضد الاحتلال، في المقابل فإن الكيان الصهيوني لن ينفذ أي عمل عسكري هجومي ضد أهداف في لبنان، سواء على الأرض أو في الجو أو في البحر.
كما نص الاتفاق على اعتراف الاحتلال ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (1701).
وأوضح أن هذه الالتزامات لا تلغي حق الطرفين في ممارسة حقهما الأصيل في الدفاع عن النفس.
وجاء في الاتفاق أن قوات الأمن والجيش اللبناني الرسميين ستكون الجهات المسلحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو تشغيل القوات في جنوب لبنان.
كما سيتم الإشراف على بيع الأسلحة أو توريدها أو إنتاجها أو المواد ذات الصلة بالأسلحة في لبنان من قبل الحكومة اللبنانية، وتفكيك جميع المنشآت غير المصرح بها المعنية بإنتاج الأسلحة والمواد ذات الصلة بالأسلحة، وتفكيك جميع البُنى التحتية والمواقع العسكرية، ومصادرة جميع الأسلحة غير المصرح بها التي لا تتوافق مع هذه الالتزامات، إضافة إلى إنشاء لجنة تحظى بموافقة كل من الاحتلال ولبنان للإشراف والمساعدة على ضمان تنفيذ هذه الالتزامات.
كما ينص الاتفاق على أن لبنان سينشر قوات الأمن الرسمية وقوات الجيش على طول جميع الحدود ونقاط العبور والخط المحدد للمنطقة الجنوبية كما هو موضح في خطة الانتشار.
وحسب القناة، ستنسحب قوات الاحتلال تدريجياً من جنوب الخط الأزرق في فترة تصل إلى 60 يوماً.
وستعزز الولايات المتحدة مفاوضات غير مباشرة بين الاحتلال ولبنان للوصول إلى حدود برية معترف بها.
نائب عن «حزب الله»: المقاومة باقية ومستمرة
أكد النائب اللبناني والمسؤول البارز في «حزب الله» حسن فضل الله، أمس الثلاثاء، أن المقاومة مستمرة بعد انتهاء الحرب مع «إسرائيل»، وقال، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز»: إن المقاومة جزء من معادلة وطنية عنوانها الجيش والشعب والمقاومة، موضحاً أن الحرب «الإسرائيلية» فشلت في تفكيك هذه المعادلة.
وأضاف المسؤول بـ«حزب الله»: في الوقت نفسه، نحن أمام فشل بري تاريخي للجيش «الإسرائيلي» الذي لم يتمكن حتى هذه اللحظة من فرض سيطرته على المناطق التي حاول التقدم إليها.
تبريرات نتنياهو
ومبرراً الأسباب التي تدعم القبول باتفاق مع لبنان لوقف إطلاق النار الآن، تحدث نتنياهو عن 3 أسباب رئيسة، هي التركيز على التهديد الإيراني، والتجديد الكامل للقوة، وفصل الساحات وعزل حركة «حماس»، وفق «الأناضول».
وأضاف موضحاً أن «حماس» كانت تعتمد على تدخل «حزب الله» منذ اليوم الثاني للحرب، ومع خروج «حزب الله» من المعادلة، تبقى «حماس» وحدها؛ مما يسهل زيادة الضغط عليها لتحقيق المهمة المقدسة المتمثلة في تحرير الرهائن، على حد ادعائه.
انتقادات صهيونية
قوبل الاتفاق بانتقادات واسعة من اليمين الصهيوني، سواء داخل حكومة نتنياهو أو خارجها.
ووصف وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الاتفاق بأنه خطأ تاريخي، معتبراً أنه يعيد مفهوم الهدوء مقابل الهدوء الذي فشل سابقاً.
وقال، عبر منصة «إكس»: هذا الاتفاق لا يحقق هدف الحرب الأساسي المتمثل في إعادة سكان الشمال إلى ديارهم بأمان، وطالب بإنشاء حزام أمني خاص قبل أي انسحاب من لبنان.
بدوره، سخر رئيس الأركان الأسبق غادي آيزنكوت، عضو الكنيست عن حزب معسكر الدولة، من فكرة تفكيك الجيش اللبناني لقدرات «حزب الله»، واصفاً ذلك بـالنكتة.
زعيم المعارضة يائير لابيد، انتقد نتنياهو بشدة، قائلاً: أعظم كارثة في تاريخنا وقعت في عهده، في إشارة إلى عملية «طوفان الأقصى» في أكتوبر 2023م.
وأكد أن الاتفاق مع «حزب الله» لن يُصلح حالة الفوضى الحالية، داعياً إلى التعامل الجاد مع قضية المختطفين، واتهم الحكومة بالانسياق نحو الاتفاق دون تقديم أي مبادرة سياسية حقيقية.
طبيعة الاتفاق وتحدياته
علق الكاتب الفلسطيني زياد أبحيص على بنود الاتفاق، مشيراً إلى أن أحد الأهداف المركزية للتصعيد الصهيوني ضد «حزب الله» كان إجباره على خيارين؛ إما الحرب الشاملة أو الهدوء التام، بهدف إغلاق جبهة الإسناد وبوابة الاستنزاف بالكامل.
وأوضح أن هذا الهدف كان واضحاً منذ بداية المواجهة على الجبهة اللبنانية أواخر سبتمبر، وما يزال محورياً في الإعلان الحالي.
وأضاف أبحيص أن الاتفاق يشكل اختباراً لمحور المقاومة وقدرته على خوض معركة متعددة الجبهات، مؤكداً أن «حزب الله»، كأقرب قوى المقاومة لغزة وأقدرها على التأثير في العمق الصهيوني، يتحمل مسؤولية كبيرة في مواجهة الاحتلال.
ورأى أن إستراتيجية الاحتلال، التي تسعى لتركيز الجبهات، يمكن قلبها عبر تناوب هذه الجبهات على استنزافه وإشغاله.
وأشار إلى أن الاتفاق يبدو أقرب إلى هدنة مؤقتة منه إلى وقف إطلاق نار شامل، خاصة مع بند الانسحاب التدريجي خلال 60 يوماً واحتفاظ الطرفين بحق الرد على الخروقات.
ولفت إلى تصريحات نتنياهو التي تعكس محاولة الاحتلال التفرغ لتحضير ضربة لإيران ضمن رؤية أمريكية تسعى لتنظيم الجبهات وتجنب فتحها معاً.
ورأى أن موافقة الاحتلال على بنود الهدنة جاءت تحت ضغط ميداني من ضربات المقاومة اللبنانية يوم 24 نوفمبر، وأيضاً في سياق تعزيز التنسيق مع الولايات المتحدة.
واعتبر أبحيص أن دولة الاحتلال ربما تسعى، قبيل تسلم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مهامه، لتوجيه ضربات حاسمة لحلفاء إيران في العراق وسورية، بل وربما العمق الإيراني نفسه، لوضع الإدارة الأمريكية الجديدة أمام واقع حرب مفتوحة مع إيران.
وأوضح أن بنود الاتفاق تسمح لـ«حزب الله» بمهاجمة القوات الصهيونية خلال فترة وجودها في لبنان دون اعتبار ذلك خرقاً للاتفاق، حيث ينص على الالتزام بعدم الاعتداء على الاحتلال؛ ما قد يتيح استمرار حالة الاستنزاف حتى الانسحاب الكامل.
وأكد أبحيص أن «حزب الله» ولبنان دفعا ثمناً كبيراً خلال الشهرين الماضيين مقارنة بحرب عام 2006م، سواء في الخسائر البشرية أو الدمار الذي طال الجنوب والبقاع، ومع ذلك، تمكن الحزب من الصمود واستعادة المبادرة، في مواجهة حرب هدفت إلى استئصاله.
واعتبر أن هذا الصمود خفض سقف الطموحات الصهيونية التي بدأت الحرب بهدف تغيير وجه المنطقة والاحتلال الدائم للجنوب اللبناني.
واعتبر أبحيص أن إعلان الهدنة قد يرفع احتمالات توسع الحرب إقليمياً بدلاً من تقليصها، وأنه من غير المؤكد أن تدخل هذه الهدنة حيز التنفيذ أو أن تصمد إذا نُفذت.
وحذر من أن الاحتلال يسعى لاستغلال الاتفاق لترتيب أولوياته، مع تركيز خاص على ضرب إيران وحلفائها.
من جانبه، قال الباحث في العلاقات الدولية أدهم أبو سلمية: إن العالم الظالم يريد أن يرسخ في نفوس أهل غزة ومقاومتها فكرة أنهم متروكون معزولون كما قال مجرم الحرب نتنياهو.
وأضاف أنه بعد 70 يوماً، نجحت ماردة النفاق أمريكا في فرض قرار بوقف إطلاق النار في لبنان، بينما ترفع، في المقابل، ورقة «الفيتو» في وجه أي قرار دولي يوقف آلة القتل التي تفتك بأهل غزة منذ 14 شهراً.