في عمق المشهد الفلسطيني المتفجّر، حيث تتوالى فصول العدوان «الإسرائيلي» على غزّة بلا هوادة، ينبثق سؤال مؤلم: هل تُرِكت غزّة تغرق وحدها في طوفان الدماء؟ وهل ما زالت فلسطين تمثل جوهر الهم العربي، أم أن الأمة العربية اختارت طريق التخاذل والانصياع؟
إعلان وقف إطلاق النار بين «إسرائيل» و«حزب الله»، في هذا التوقيت الحرج، أطلق تساؤلات عدة، أبرزها مصير غزة في ظل هذا الصراع المفتوح، وإلى أي مدى يمكن للأمة أن تنهض موحّدة دفاعًا عن القضية الفلسطينية، قضية الحق والكرامة.
لطالما كانت غزة خط الدفاع الأول عن الأمة العربية، تدفع ضريبة المقاومة نيابة عن الجميع، محاصرة بين عدوان «إسرائيلي» عنيف وصمت عربي يزداد قتامة، كل بيت تهدمه الطائرات وكل دمعة تذرفها الأمهات هناك، ليست مجرد جراح فلسطينية، بل هي جراح أمة بأكملها تخلّت عن واجبها القومي والإنساني.
الإعلان عن وقف إطلاق النار بين «إسرائيل» و«حزب الله»، الذي جاء دون تحقيق تغيير ملموس على الساحة الفلسطينية، أضاف شعورًا بالخديعة لدى الكثيرين، ورغم أن مثل هذه الخطوات قد تُفسَّر بأنها مناورة تكتيكية لتجنب تصعيد إقليمي أوسع، فإنها تُعزز الإحساس بأن غزة تُركت وحيدة.
في المقابل، يجب أن ندرك أن المقاومة في غزّة ليست معزولة عن محيطها، ورغم أن الدعم قد لا يكون دائمًا علنيًا أو كافيًا، فإن الشعوب العربية، وإن كُبّلت أنظمتها، لا تزال تؤمن أن غزّة تمثل ضمير الأمة وكرامتها.
غياب المقاومة العربية الموحدة ليس وليد اليوم، بل هو انعكاس لتشرذم سياسي تعمّق منذ عقود بفعل الهيمنة الأجنبية والتطبيع، مع كل اتفاقية تطبيع جديدة، تزداد الفجوة بين الأنظمة والشعوب، ويزداد شعور الفلسطينيين بالعزلة.
إن السؤال الحقيقي الذي يجب أن نطرحه ليس لماذا غابت المقاومة الموحدة؟ بل كيف يمكن إحياؤها في ظل هذا الواقع المتشابك؟
الطريق إلى المقاومة الموحدة يبدأ من الداخل الفلسطيني، فالصراع الطويل أفرز تباينات في الرؤية والوسائل بين الفصائل الفلسطينية، لكن التحدي الأكبر يتمثل في توحيد الصف الداخلي ليكون صوتًا واحدًا في وجه الاحتلال، التجارب التاريخية أثبتت أن التكاتف الداخلي قادر على إلهام الأمة العربية وتوحيد صفوفها.
الشعوب العربية، رغم كل محاولات القمع والتغييب، ما زالت ترى في فلسطين قضيتها الأولى، في كل احتجاج أو هتاف يُرفع في العالم العربي، يتجلى الارتباط الروحي بين الشعوب والقضية الفلسطينية، هذا الوعي الشعبي يمكن أن يكون أساسًا للضغط على الأنظمة لاستعادة دورها التاريخي.
أي محاولة للوصول إلى مقاومة عربية موحدة تتطلب مواجهة شجاعة مع موجة التطبيع المتصاعدة، هذه المواجهة ليست فقط رفضًا لاتفاقيات تشرعن الاحتلال، بل هي دفاع عن شرف الأمة وحقها في تقرير مصيرها، كما أن بناء تحالفات إقليمية بين قوى المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن، يمكن أن يشكل نموذجًا يُحتذى به لبناء جبهة عربية موحدة في وجه الاحتلال وأعوانه.
رغم كل الألم، تظل غزة أيقونة للصمود والإرادة التي لا تعرف الهزيمة، كل حجر يرفع في وجه الاحتلال، وكل صوت يصرخ بالحق، يؤكد أن غزة لن تغرق، لأن المقاومة ليست مجرد سلاح، بل هي فكرة خالدة في قلوب الملايين.
الأمل في الوحدة العربية لا يزال حيًا، لكنه يحتاج إلى خطوات جريئة تبدأ من غزة، حيث يُكتب تاريخ جديد للأمة، دعم غزة الآن ليس خيارًا، وإنما واجب يختبر إنسانية العالم وكرامة الأمة، المقاومة ليست معركة الفلسطينيين وحدهم، بل هي صراع الأمة بأكملها من أجل الحق والحرية والكرامة، طالما أن غزة تقاوم، فإن الأمة ما زالت حية، وطالما أن الاحتلال قائم، فإن طريق التحرير لم يُغلق بعد.