إذا أردت أن ترى بعينيك وتحس بقلبك وتلمس بمشاعرك علو الهمة وسمو الفكرة واستعلاء الإيمان وعمق الأداء وقوة التناول وحسن الفهم وروعة اللغة
إذا أردت أن ترى بعينيك وتحس بقلبك وتلمس بمشاعرك علو الهمة وسمو الفكرة واستعلاء الإيمان وعمق الأداء وقوة التناول وحسن الفهم وروعة اللغة وجمال البيان ودوام الثبات وإخافة أعداء الأمة وحب الله ورسوله والفناء في خدمة هذا الدين.. كان يكفيك فقط أن تنظر إلى الأستاذ الجليل والمربي الكبير لاشين أبي شنب، وتشاهد مواقفه وتستمع إلى حديثه، الذي ألقى عصا التسيار، وغادر دنيانا بعد معاناة طويلة، يوم الخميس غرة ذي الحجة 1435ه.
محطات في رحلة حافلة:
هو لاشين علي عبدالله لاشين أبو شنب، وشهرته “لاشين أبو شنب”، من مواليد 24 ذي الحجة 1345هـ الموافق 25 يونيو 1927م في شبين الكوم، محافظة المنوفية، وله: أربع بنات، وولدان، وخمسة وعشرون حفيداً، وتوفيت زوجته عام 2010م.
تعلم في الأزهر الشريف، فحفظ القرآن الكريم في سن الطفولة، وكان رئيس اللجنة التنفيذية لمعهد شبين الكوم الديني الخاصة بمساندة شيخ الأزهر الشيخ مصطفى المراغي، ومسؤول الجوالة في كلية دار العلوم بالقاهرة خلال أربع سنوات؛ حيث تخرج فيها عام 1953م.
سافر إلى أراضي الحجاز للعمل أستاذاً للغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود لمدة خمس سنوات، وفي دولة الكويت، فعمل في حقل التدريس، وتدرج في مناصب التربية والتعليم حتى وصل إلى مدير عام إدارة، أحيل بعدها للمعاش على سن 65 عاماً، وكان المدرس المثالي في وزارة التربية والتعليم على مستوى الجمهورية.
نشاطه الدعوي:
التحق الأستاذ لاشين أبو شنب بدعوة الإخوان المسلمين في وقت مبكر عام 1941م، وكان ابن أربعة عشر ربيعاً، والتقى الأستاذ المؤسس حسن البنا، وتربى على يديه، وتدرج في أوعية الجماعة حتى أصبح عضواً بمكتب إرشادها.
وكان الحاج لاشين أبو شنب عضواً في النظام الخاص الذي أنشأته الجماعة لقتال الصهاينة والإنجليز؛ حيث شارك في الأعمال الفدائية في القنال عام 1951م، كما شارك في الإعداد وجمع الأسلحة في حرب فلسطين عام 1948م، وناله الأذى في سبيل ذلك أكثر من مرة، فقد اعتقل أيام الملك “فاروق” لمدة ثلاثة أشهر، واعتقل في أحداث سبتمبر 1981م، وفي عام 1995م.
تنقل الأستاذ لاشين في محافظات مصر، لا أذكر محافظة أو مدينة في مصر لم يزرها، مربياً الأجيال، ومعلماً الرجال والنساء، ومحرضاً على العمل المتواصل والتضحية النبيلة والصبر الجميل، وناشراً الأمل والخير والعلم، وباعثاً أمارات اليقين الجازم والفأل الحسن.
لم تقتصر أنشطته الدعوية على مصر فقط، بل زار أمريكا أكثر من 7 مرات، وفرنسا مرتين، وإنجلترا والنمسا وألبانيا وكرواتيا واليونان مرة، وألمانيا وتركيا مرتين، وكل الأقطار العربية.
ولم يكن ليكتفي بالكلام والنشاط العام فقط، وإنما ضرب أروع الأمثال في إنشاء وتأسيس مدارس الجيل المسلم في طنطا بمحافظة الغربية التي توج بها عمله وختم بها مشواره التعليمي التربوي لمصر والأمة، ومن سمع بها أو أدخل أبناءه فيها يعلم ما كان فيها من نظام ومن تعليم ومن تربية، حتى إن مجرمي المؤسسات الأمنية كانوا يتذللون للأستاذ لاشين حتى يقبل أبناءهم في المدرسة! وبعد ذلك سطَوْا عليها وأحلوا مجلساً جديداً من عندهم لإدارتها، وصادروا فيها كل شيء.
لاشين أبو شنب في مجلس الشعب:
ومن نشاطه الدعوي السياسي دخوله نائباً في مجلس الشعب المصري في الفترة التي لم تكتمل، وحُلَّ فيها مجلس الشعب لعدم تحمل النظام أداء نواب الإخوان في الفترة ما بين 23/6/1987 – 25/1/1988م.
وكان من كلماته في هذه الفترة داخل المجلس كلمة لها دلالاتها على عقيدته وأخلاقه وقيمه وموازينه، وعلمه وإدراكه، ولغته وبيانه، بعنوان “حرية التعبير وضوابطها في الإسلام” أنقلها هنا كاملة، كما جاءت في مضابط مجلس الشعب، وكما هي في كتاب “الإخوان المسلمون تحت قبة البرلمان” للأستاذ محسن راضي، وأسوقها – ببعض الاختصار – لرجال العلم والفكر والثقافة والدعوة والتربية:
“بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
السيد رئيس المجلس, السادة الأعضاء:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: في هذا الحوار الهادف البناء يجْمُل لكل إنسان أن يسهم فيه بما يثريه، وما يضع فيه من اللبنات لكل ما يُصلح أمرَ هذه الحياة التي نسعى جميعاً لنحياها على نمط عزيز كريم شريف.. وإني في مقدمة كلمتي هذه أشكر لأستاذنا الدكتور فضيلة الشيخ عبدالمنعم النمر كلمته التي ألقاها بالأمس؛ حيث ركز على القيم الإسلامية وضرورة الأخذ بها كمعيار تربوي تصلح به هذه الأمة كل شأن من شؤونها، من خلال الأخذ بالقيم الإسلامية وتوثيق عراها في إطار تربوي سليم، ومن خلال الثقافة وبرامج التعليم والكلمة المكتوبة والكلمة المسموعة والأداء الفني بكل معاييره وأشكاله وفنونه.
هذه أيها الإخوة الأحباب ضمانات تثرى بها تلك الحياة, وإذا كان بيان الحكومة والرد عليه قد ركزا على حرية التعبير، فإننا مع هذا البيان نذكر أن حرية التعبير لابد أن تصان بقيم وضوابط تحول بين الكلمة وبين الإسفاف الذي يجرح الكرامة والذي يعدو على العرض والذي يعاقب عليه القانون دون أن يتخذ في ذلك إجراء ما.
إننا نقرأ كثيراً مقالات في الصحف وفي المجلات لا أقول: إنها تتهجم على الأشخاص, فمن حق كل شخص أن يقوم بالدفاع عن نفسه بالكلمة التي يراها وبالدعوى التي يقيمها، ولكننا قرأنا كثيراً من الكلمات تتهجم على القيم الدينية ذاتها، وتتهجم على المعايير التي شرعها الله عز وجل في كثير من نصوصه.
لقد قرأنا في يوم ما من الأيام في مجلة ذات أثر وصيت ذائع وعلى مساحة خمس صفحات إسفافاً على الإسلام وحول النصوص الإسلامية من قرآن كريم وأحاديث شريفة بتلاعب سخيف أخرجها عن دلالاتها وأبعدها عن مقاصدها ليزري بالتصور الإسلامي, وليزري بالعمل الإسلامي, وليزري بالدعوة إلى رب العالمين.
إن حرية التعبير التي ضمنها الدستور والقانون، وجاءت في بيان الحكومة، وأكد عليها تقرير اللجنة الخاصة بالرد على بيان الحكومة, يجب أن تتخذ في إطار واعٍ سليم لا تكون هكذا على عواهنها دون أن نجد لها معياراً واضحاً يحاسب من يخالفه، إننا لا نستبيح في حياتنا ولا قوانيننا ولا في تشريعاتنا الوضعية أن يمس إنسان ما على مستوى من مستويات المسؤولية، بينما نترك القول على عواهنه لتُمسَّ شريعة الله, ولتمس أحكام الله، ولتمس الآداب التي ضمنتها الشرائع السماوية في كل مظهر من مظاهرها, تلك صورة أيها الإخوة الأحباب أحب أن تكون واضحة أمام أذهان حضراتكم.
ثانياً: وفي إطار الثقافة والإعلام والسياحة، فمما لا شك فيه أن الثقافة أمر حيوي لهذه الحياة، ولكن ما معايير الضوابط التي تضمن لهذه الثقافة أن تنبع من المنابع الإسلامية الصحيحة، أو من المنابع الدينية في قيمنا وفي رسالاتنا الخالدة؟ ما الضمانات التي تجعل لهذه الثقافة معياراً سليماً لا تجنح فيه إلى التضليل أو الإغراء أو إثارة الغرائز حين تستورد من خارج حدود هذه الأمة التي تعيش على كرامة دينها وفقه رسالتها وإحساسها بمسؤوليتها ورقابة الله رب العالمين عليها؟ ذلك أمر يحتاج هو الآخر إلى ضوابط, لابد أن يقوم مجلسكم الموقر بوضع حدودها، وتوضيح إمكاناتها حتى تكون معايير لها دلالاتها ولها آثارها ولها اتجاهاتها الصحيحة.
وفي مجالي السياحة والإعلام يُترك الحبل على الغارب لفنون وأنماط من الأداء تختلف عن قيمنا وتقاليدنا، ولقد أصبح المعيار الفني يخضع في عالم إعلامنا – حتى الآن – للعطاء المادي؛ حيث بدأت الأفلام وغيرها مما يطرح من خلال وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون، ومع احترامي لما يقدمه من بعض البرامج التي تحيا بها بعض أنماط الأخلاق والقيم, فقد أصبحت المادة التلفزيونية الآن معرضة للبيع والشراء، وأصبح صانع الفيلم وصانع التمثيلية الذي يتحكم فيها بماله هو الذي يوجه سياسة التليفزيون، وهو الذي يرسم خطواته، وهو الذي يرغمه على أن ينشر هذا أو ذاك, وأن يدخل في إطاره هذا وأن يخرج من إطاره ذاك .. هذا أيها الإخوة الأحباب نمط يجب أن تتخذ له ضوابط ومعايير حتى يكون التليفزيون – وهو أداة إعلامية خطرة ومصدر توجيه – أداة تعلي من شأن الفضيلة والقيم وتَنْشيئ أولادنا وأسرنا على ما يجب أن تكون عليه من قيم وأصالة وعراقة وحسن توجيه, وحسن استقامة وتتبع لروافد الفضيلة .
إن الطفولة في حياتنا تشكل خطورة كبيرة، ولقد أغفل بيان الحكومة خطوات يجب أن تتخذ لإحياء هذه الطفولة ولإنقاذها وللبرمجة الحقيقية التي تحمى هذه الطفولة وتنشئها على المثل والقيم التي نحرص عليها, إن بناء الطفل منذ لبناته الأولى على القيم والمثل وعلى الأخلاق والفضيلة يشكل العامل الرئيس في تكوينه الخلقي وفى ثقافته ونموه الاجتماعي والوجداني.
إننا ما زلنا – حتى الآن – نعيش في برامج طفولتنا على ما يستورد من الخارج بلغة غير لغتنا، وثقافة غير ثقافتنا، وتقاليد تختلف عن تقاليدنا، وأسلوب يتعارض مع أساليب تربيتنا، ومنهج في التربية يغيب عن كل ما احتوته ديانتنا من قيم ومثل وأخلاقيات.
لقد آن لرجال الإعلام والمسؤولين عنه أيها الإخوة الأحباب, كما آن لوزير الإعلام، وآن لهذا المجلس الموقر أن يضع الأسس لبرنامج من برامج التثقيف لهذه الطفولة يحييها منذ البدء، ويتطور معها سنة بسنة، وعمراً بعمر؛ حتى يصل بها في مراحلها المختلفة إلى المواطنة السليمة التي ترعى حق وطنها ودينها وأمتها، شرقياً وغربياً، وتؤمن بالمثل العليا كأساس لبناء هذه الحياة..
فلا إنتاج بغير أخلاق، ولا إبداع بغير القيم, إن القيم الإسلامية والقيم الدينية عامة هي المصدر الذي يحرك دوافع النفس لتجيد في عملها، ولتصدق في قولها، ولتحسن في إدارتها، ولتمتنع عما تدعوه إليها شهواتها، إن الوازع الديني “تصفيق من المعارضة” كلمة أخيرة, إن الوازع الإيماني أقوى بملايين المرات من الوازع القانوني, فالوازع القانوني يمكن أن يخادع بالمحاولات بالقضايا, بالدفاع, بالتسلل, باللصوصية, أما الوازع الإيماني، فلا يمكن أن يُقاوَم بأي أسلوب حين يكون في ضمير المؤمن إحساسه بمسؤولياته أمام الله، فتكون إجادة العمل، ويكون صدق القول, وتكون المحافظة على الحقوق, وتكون مراعاة الأولويات, ويكون التعبير الجيد في كل مظهر من مظاهره، ونحن لا ندعو إلى قيم دينية خاصة, وإنما ندعو أن يتمسك كل صاحب دين بقيم دينه, ليتمسك أهل الإنجيل بقيم دينهم, وليتمسك أهل التوراة بقيم دينهم, وليتمسك أهل القرآن بقيم دينهم, فما شرع الله في هذه الديانات إلا الحق والعدل والمحبة والسلام.
هذه صورة أرجو أن تكون واضحة المعالم، وأن يتخذ مجلسكم الموقر طريقة لحماية هذه القيم، وأن يضعها موضع التنفيذ, وإذا كان السيد رئيس الجمهورية قد أعلن الصحوة الكبرى ورفع شعار “صنع في مصر” وشعار مضاعفة الإنتاج, فإننا نرجو أن يرتفع من مجلسكم الموقر شعار الالتزام بقيم الدين على أنها أساس النهضة ومصدر اليقظة وأساس العمل السليم في الحياة.. وشكراً، والسلام عليكم ورحمة الله”.
لغته المتفردة:
إن فاتنا في هذا الرثاء كلُّ شيء عن فقيدنا – وما أكثر ما يفوتنا في رثاء شخصية ثرية مثل الأستاذ لاشين – فلا يمكن أبداً أن تفوتنا الإشارة إلى لغته المتفردة، وبيانه المتدفق، وصياغته العجيبة، وبلاغته الساحرة، وإلقائه الخطابي الذي يهز القلوب والعقول، بل يهز الأرض من حولك، ولم لا وهو ابن دار العز، دار العلوم، الذي مارس الخطابة طوال حياته، حيث بدأ ممارستها وهو في “المدرسة الإلزامية”.
ولا أنسى حين كان مديراً لمدارس “الجيل المسلم” في طنطا بمحافظة الغربية – التي صادرها المستبدون فيما بعد – الاحتفال الختامي السنوي للمدرسة، وكانت له فيه كلمة مشهودة يشهدها أهل الفكر والعلم والرأي والدعوة، وأذكر من الحضور الذين كانوا يحرصون على الحضور والاستماع شيخنا العلامة الفقيه الأصولي المتمكن د. محمد بلتاجي حسن، رحمه الله، عميد دار العلوم الأسبق.
كنت أستمع للشيخ لاشين في لقاءاته الخاصة ومحاضراته العامة وأتعجب أشد العجب: كيف تُتاح له اللغة بهذه الصياغة؟! وكيف تسمح له البلاغةُ والبيان بهذا الفيض؟! وكيف تنساق الأساليب على لسانه بهذه التراكيب؟! وكيف تجري المفردات ومرادفاتها معه على هذا النحو؟! وكيف يملك هذا التقسيم والوزن النثري العجيب لكل جملة وكل فقرة؟!
كانت كلماته قوية عميقة، واختياراته الأسلوبية مؤثرة معبرة، وعباراته مدوية مزلزلة؛ تخلع قلبك، وتأخذ عقلك، وتُمتع نفسك، وتُطْرب روحك، فلا تملك أن تتلفت عنه لحظة، ولا أن تنصرف عنه ثانية، وكيف تنصرف عن هذا النور الهادي، أو تعرض عن هذا البيان الرائق، أو تتلفت عن هذا الأفق الوضيء؟!
يكفي أن تقرأ في علمه ونشاطه وجهاده ووصف بيانه كلمات الأستاذ د. جمال عبدالعزيز، أستاذ النحو والصرف والعروض في كلية دار العلوم بالقاهرة، معلقاً على كلمة نشرتها على صفحتي بخبر وفاته، قال – أحسن الله إليه! -: “أشهد أنه فارس الكلمة، سلطان الخطباء، مفحم الخصوم، يا ألله! كان المكتب تحت يده يكاد ينكسر، وكانت الكلمات ترتعد، خائفة منه، تتتابع على لسانه، وترتعد في بيانه، وكانت العبارات تنسال عل لسانه، كالماء السلسال، آه آه آه، أوجعنا موتك وأقض منامنا رحيلك، وآلمنا وأضاع الكرى من الأجفان مواراة التراب جسدك، أنت أسد هذه الأمة، والله لقد كنت تتكلم كأنك تمتاح من الغيب، لا يطرف أمامك جفن، ولا يلتفت أمامك أحد، آه آه يا أيها الأسد الهصور! آن للكلمات أن تستكين، وللألفاظ أن تستريح، وللجمل أن تستقر، لكن العيون عليك تدمي قبل القلوب التي دميت، لقد كنت – وأنا أسمعك – أشعر بأن الدنيا تسمعك، وأن الكون يزهو ويفتخر بك، سحبت البلاغة على سحبان، وكنت ألقبك بحسّان العصر، الله الله الله، عندما تمتطي صهوة الحديث فالجميع يرتقبك، والناس تكاد تلتقط أنفاسها من جلال حديثك، وكمال عباراتك، ودقيق منطقك، وسديد حكمتك، كنا نخرس عند سماعك؛ لجمال وجلال وكمال لفظك، نبكي ونروح نغط في البكاء، يتحادر منا على الخدود واللحى، فإذا نظرنا إلى وجهك وجدناه وجه صدوق، وجه أسد، ينبض بالحيوية، ويموج بالنشاط، وأنت تبين عظمة الإسلام، وجلال تشريعاته، وكمال تعليماته، عشت لربك، وحب رسولك، وخدمة دينك ودعوتك، ما كسلت حتى في أيامك الأخيرة، تعلمنا منك ما لم نتعلمه في الكتب، وما لم نقرأه في الأسفار، يا ربي بحق ما قدم، وبحق صوته الذي علا في كل مكان، وبلغ به دعوة الإسلام، ورحل في كل سرادقات الحياة، يعلن عن دينك، ويمجد شرعك، ويبين قدسيتك، ومكانة رسولك، وبح في حبك صوته، وتقطعت نياط قلبه شوقاً إليك، فلا تحرمه يا ربي رضاك، وأنزل عليه كامل رحماك، يا ربي ومتعه في جنان الخلد بصحبة نبيك ومصطفاك، يا ربي أنا عبد لك، وأحبك وأحب دينك وأجلُّ رسولك، وقلت: إننا شهداؤك في أرضك، لقد حضرت لهذا الأسد مئات المحاضرات، وكنت أتابعه في الندوات، هنا وهناك، فأشهد له يا رب بين يديك أنه ما قصر في خدمة دعوتك، وفي أخذنا إليك، وفي شرح جمال دينك، وكمال قرآنك: فصاحة، ولَسَانةً، وخطابة، ونبلاً، وكياسة، وفقهاً، فاغفر له، وارحمه، وأسكنه فسيح الجنان، وأنزل على قبره شآبيب الرحمة والغفران، وأنر قبره بالقرآن، الذي صدع به في كل مكان، واسقه من يدك، ويد حبيبك شربة هنيئة مريئة لا يظمأ بعدها أبداً، يا رحيم يا رحمن”. ا.هـ.
وهذا شيخ العربية في زماننا أستاذنا العظيم العلامة د. سعد مصلوح، كتب معلقاً على الخبر المنشور على صفحتي أيضاً، شهادة يقول فيها: “الشيخ لاشين أبو شنب كان أستاذي في مدرسة المنيا الثانوية، وكان خطيباً لا يبارى، وأستاذاً عز نظيره بين أساتذة اللغة العربية، غاب عني وغبت عنه منذ عام 1958م، وتلاقينا قدَراً في وزارة التربية بعد فترة أشرفتْ على العشرين عاماً، فعرفني وناداني باسمي على طول العهد، وكان معي يومها طلب يحتاج إلى توقيع من الوزير، ولا أدري أين أذهب به، وكان يومها عضواً بمجلس الشعب، فحمل مني الطلب وجاءني به موقعاً بعد دقائق معدودات، شكرته واعتنقنا ثم افترقنا، وها أنا ذا أقرأ اليوم نبأ انتقاله إلى جوار ربه الكريم، رحمك الله يا شيخي وأجزل لك المثوبة وجزاك بالإحسان إحساناً”.
إيمانه وثباته:
ولعل أبرز ما يلفت انتباهك حينما تلقى الأستاذ لاشين أو تستمع إليه أو تعايشه في مواقفه وحياته هو هذا الإيمان العجيب القوي الفريد، واليقين الثابت الراسخ العميق، الذي تقرأ فيه الصدق، وتسمع فيه الحق، وترى فيه العجب، وتلمس فيه القوة والأصالة والرجولة؛ عزة وشرفا وإباء؛ حتى يذكرك بقول الله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً {23}) (الأحزاب)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: « تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لاَ يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً» (رواه مسلم).
ورغم اعتقالاته المتكررة لم تلن له قناة حتى وهو في السجن؛ كان المعلم للمعتقلين وخطيبهم ومربيهم، يسرد أفكاراً عميقة مرتبة بقوة منسابة، وكان يطمئن على أحوالهم مع الله ومع القرآن، كان يحمل عاطفة جياشة، وقوةَ تحملٍ، وفرادةً في كل شيء.
كان الحج لاشين أعجوبة في الثبات والصمود والثقة وعلو الهمة واستعلاء الإيمان، كان صخرة لا تهاب أحداً، ويهابها كل أحد، وأحسب أن هذا هو أثر إيمانه بالله وصلته القوية به، وهو الذي كان يرهب مجرمي أمن الدولة فيقولون: “هاتوا أيَّ أحد يتكلم إلا الحج لاشين”.
كان هذا الإيمان وذلك اليقين هو الدافع له في الحركة، والحادي له في العمل، والحامل لبدنه العليل نحو النشاط والأداء، وبخاصة بعدما أصيب بالشلل فلم يقعده عن واجبات الدعوة، ولا عن حضور أي مناسبة جامعة، ولا عن واجب اجتماعي أو تربوي، ولهذا لا أكون مبالغا إن قلت: إن الأستاذ لاشين أبا شنب هو سيد قطب هذا الزمان!”.
وحينما نقول عنه إنه “سيد قطب” هذا الزمان – وقد عاصره وعايشه وقرأ ظلاله ست مرات – لا نشعر بأدنى مبالغة أو تزيد في هذا، ونقصد بذلك قوة الإيمان، وثبات العقيدة، ورسوخ اليقين، والأدب العالي، والبيان المبهر، والحجة القوية، والتضحية الغالية النبيلة من أجل عقيدته ودينه ودعوته.
وأذكر أنه في أول محاضرة له بالمسجد بعد أن بدأ يتحرك على “عجلة”، وقف بين الجماهير وقال بلغته الخطابية الحاسمة ونبراته القوية البليغة التي يعرفها من سمعه: “نحن أبناء دعوة إسلامية عزيزة كريمة، لا نتخلى عنها، ولا نتأخر عن نشرها، والجهاد من أجلها، والموت في سبيلها”.. ثم بكى وأجهش الجميع بالبكاء والنحيب.
مواقف العزة لا تنسى:
مواقف الأستاذ لاشين في الدعوة والحركة والتعليم والتربية والجهاد لا تكاد تحصى، وكلها مواقف عزة وشموخ ورسوخ، وبسالة وثبات، وقوة في ميادين الشرف والعزة والكرامة.
أذكر منها موقفاً واحداً فقط حكاه لي أستاذي د. صلاح الدين سلطان – فك الله أسره – وهو موقف له دلالاته التربوية والتعليمية، وله دلالات أيضاً على الوضع التعليمي والجامعي وقتها.
دعا عميدُ كلية دار العلوم وطلابُ الكلية، الأستاذَ لاشين أبا شنب لإلقاء محاضرة في الكلية لطلابها وهو من أبنائها الأبرار، وما هو إلا أن جاء قائد الحرس وقال: “إن المحاضرة ممنوعة بأمر من القيادة الأمنية وإدارة الجامعة”، فجرت الاتصالات بنائب رئيس الجامعة د. علي السلمي في ذلك الوقت، وذهب وفد لمكتب عميد الكلية واتصل العميد بعلي السلمي واستسمحه أن تتم المحاضرة وقال: “أنا كعميد للكلية موافق على المحاضرة، ومعنا موافقة رسمية”، فقال علي السلمي: “وهناك رفض من إدارة الجامعة!”.
واتصل وكيل الكلية وقتها أستاذنا د. حسن الشافعي برئيس الجامعة وقال في حلٍّ وسط: “يجلس الأستاذ لاشين في مكتبي مع طلاب الاتحاد نيابة عن طلاب الكلية ونستوعب الأمر”، فرفض علي السلمي!
فخرج د. صلاح إلى مدرج (3) وهو من أكبر مدرجات الكلية؛ حيث كان ينتظر الطلابُ بالآلاف محاضرة الأستاذ لاشين، وكان مسؤول الطلاب وقتها الأخ أ. علي ليلة، فقال للدكتور صلاح: ما الأمر؟ فقال: “إن إدارة الجامعة منعت محاضرة الأستاذ لاشين”! وتواصي الجميع بالخروج في ساحة الكلية وعمل تصعيد حتى ترضخ إدارة الجامعة لطلب الطلاب، ورفض التدخل في الكلية، وخرج الطلاب وملؤوا طرق الكلية وساحتها، وتعطل العمل، وخرج الأساتذة جميعاً إلى حيث مكتب الوكيل؛ حيث يجلس الأستاذ لاشين واضعاً رجلاً على الأخرى، وبيده مسبحة يسبح بها منتظراً ماذا سيسفر عنه الموقف.
وخرج بعض الأساتذة واحداً بعد الآخر لتهدئة الطلاب دون جدوى، ثم خرج د. صلاح للطلاب وأوصاهم ألا يعطوا الدنية في دار العلوم، وقال للأساتذة: لا حل سوى أن يخرج الأستاذ لاشين لهؤلاء الطلاب ويقول لهم كلمة، واستغرقت هذه الحوارات في ذلك اليوم من الظهر للعصر تقريباً.
وكان الحشد هائلاً والأفق مسدوداً أمام الواقف قدام الطلاب، وخرج الأستاذ لاشين أمام الطلاب، ووقف على الكرسي، وقال بصوته الجهوري القوي وإلقائه البياني المزلزل: “بسم الله الرحمن الرحيم، هذه الدعوة عشنا لأجلها، ونموت في سبيلها، هذه دعوة أصلها ثابت وفرعها في السماء، لا يقدر عليها شياطين الإنس والجن، نحن قد ضحينا في سبيلها، وستورق ثمارُها، وتثمر أغصانها..”.
وظل الأستاذ لاشين يتحدث لمدة عشر دقائق بقوة لا يمكن أن يكون صاحبها – كما يقول د. صلاح سلطان – إلا رجلاً عريقاً أصيلاً، في فصاحة نادرة، وفي قوة هادرة، وفي كلمات معبرة، بأساليب مؤثرة.. وكانت هذه الدقائق العشر – كما يروي د. صلاح سلطان – خيراً من دراسة ساعات يتلقاها الطلاب أمام أساتذة الكلية.
وعاد الأستاذ لاشين إلى مكتب الوكيل، وأعطى للأساتذة محاضرة نادرة، وقال لهم: كان الأساتذة في زماننا ونحن طلاب لا يقبلون أبداً أن يتدخل أيُّ أحد في الكلية أو الجامعة، وأضرب لكم مثالين:
المثال الأول: جاءنا ونحن طلاب د. طه حسين وزيراً للمعارف في مصر، وأول ما تولى منصبه أصدر قراراً بتمييز خريجي كلية الآداب على دار العلوم في الوظائف والرواتب، ومن المعلوم أن طلاب الدار يدرسون ويتعلمون مواد دراسية أكثر وأميز من طلاب الآداب، وحين علمنا بالقرار اعتصمنا داخل دار العلوم، وكان عميدها في ذلك الوقت أ.د. إبراهيم اللبان (1951 – 1955م)، وجرت الاتصالات حتى وصل الأمر إلى وزير الداخلية في ذلك الوقت محمد فؤاد سراج الدين باشا، وقال د. اللبان للطالب لاشين: إن وزير الداخلية يريد وفداً للقائه والتفاوض معه، وأوصى العميدُ الوفدَ قائلاً: “اذهبوا إلى وزير الداخلية وإياكم أن تعطوا الدنية في دار العلوم!”.
ودخل الوفد على وزير الداخلية، فهددهم الوزير وقال لهم: “لماذا الاعتصام؟ إنني أقدر في ربع ساعة على فضِّه!”.. (لاحظوا منطق وزراء الداخلية من قديم وقدراتهم على “الفض”، فض الله أبصارهم من عيونهم، وقلوبهم من صدورهم)!
ووقف الوفد بقيادة الأستاذ لاشين، وقال في إباء: “لماذا لم ترسل لنا قواتك لفض الاعتصام بدل أن نلتقي هنا؟ نحن نرفض هذا التهديد، ونريد الآن أن نتصل بعميدنا لنخبره بما دار، وليس بننا حوار. انتهى الحوار عند هذا الحد.
ودخل عليهم الرجل المجاهد إبراهيم شكري – وزير الزراعة في ذلك الوقت، ورئيس حزب العمل فيما بعد رحمه الله – وعلم بالموضوع واسترضى الطلاب، واتفقوا على أن يتواصلوا مع وزير المعارف د. طه حسين، وذهب الوفد إليه، وسألهم عن شِكاتِهِم، فقال الأستاذ لاشين بصوته الثابت الأبي: “هذه شِكَاتُنا قد أودعناها صحائف بيضاء، فاقرأها إذا شئت”، وكان طه حسين كفيفاً لا يقرأ، فقرئت عليه ثم أمر بإصدار قرار فوري بتعديل القرار السابق ومساواة خريجي دار العلوم بالآداب، وعاد الوفد إلى كليتهم؛ ليجدوا عميدهم العظيم د. اللبان في انتظارهم، قائلاً: “أفلحت الوجوه! لم تعطوا الدنية في دار العلوم”.
المثال الثاني: أو القصة الثانية التي حكاها الأستاذ لاشين لأساتذة دار العلوم ليدلل على استقلال الجامعة وكلياتها في عهده: أنه لما حدث قرار تقسيم فلسطين في مايو 1948م قمنا في جامعة فؤاد الأول – القاهرة لاحقاً – بمظاهرات قوية حاشدة، وطلبنا إلى مدير الجامعة وقتها أ.د. محمد عبدالوهاب مورو باشا (1951 – 1953م) أن تتوقف الدراسة، ويتم تدريب الطلاب على السلاح في ساحات الجامعة لاسترداد ما اغتُصب من فلسطين كاملاً، فماذا كان رد مدير الجامعة؟ اقرؤوا رده وقارنوا بينه وبين رؤساء وعمداء هذه الأيام:
يقول الأستاذ لاشين: ذهبنا – وفد اتحاد الطلاب وكان أ. حسن دوح رئيس اتحاد الجامعة، وأ. لاشين نائب رئيس الاتحاد – إلى مدير الجامعة وكلمناه في الأمر، فوافق على الفور وقام بتعطيل الدراسة شهراً كاملاً لتدريب الطلاب على السلاح، واقتدى به مدير جامعة إبراهيم باشا – عين شمس لاحقاً – التي كان رئيس اتحاد طلابها أ. محمد مهدي عاكف، وكذلك مدير جامعة الإسكندرية وغيرها.
يقول أ. لاشين: اهتم بنا مدير الجامعة، وجاءه لواء من الديوان الملكي يقول له على لسان الملك: “لابد أن تكون التدريبات بإشراف الديوان الملكي وقوات الجيش”، فماذا قال له مورو باشا؟!
قال للواء: “الجامعة حَرَمٌ، ولا يجوز لكم أن تقربوه، وآخرُ مكانٍ يمكن أن تقفوا عنده هو سور حديقة الحيوان” (سور الحديقة قبل الجامعة مباشرة من ناحية ميدان الجيزة).
ثم أرسل مدير الجامعة إلى الأستاذ لاشين، وأعطاه مفتاحاً، وقال له: “هذا مفتاح بيتي، لو حدثت أي مشكلة لكم هنا انقلوا سلاحكم فيه، واذهبوا هناك، واتصلوا بي فوراً، لأمنع أي تدخل في شؤون الجامعة”. انتهى الموقفان أو المثالان.
وكان هذان درسَيْنِ بليغين للأساتذة الذين كانوا يستمعون للأستاذ لاشين مشدوهين، كأن على رؤوسهم الطير، وخرج الأستاذ لاشين من كلية دار العلوم، معرباً عن أن هذا اليوم من أسعد أيام حياته؛ عزة وشرفاً ومجداً.
كانت مواقف الأستاذ لاشين وحياته كلها على هذا النحو من العزة والإباء والشرف والرجولة، فهو لاشين أبو شنب، أي “لا شَيْنَ فيه”، والشنب من دلائل الرجولة والفحولة.
لاشين أبو شنب بعد الانقلاب:
بعد أن وقع الانقلاب العسكري المجرم ورغم مرض الأستاذ لاشين وسنِّه المتقدمة أبى إلا أن يرسل من سريره رسالة إلى المرابطين في ميدان رابعة، وهي منشورة على “اليوتيوب” قال فيها: “هذه رسالتي إلى إخوتي وأحبابي الذين يقفون في طريقهم إلى الحق، ويؤمنون بأن هذا الطريق هو الطريق الأول والأخير الذي يجب أن يؤمن به كل الناس.. رسالتي إليكم أن تصمدوا، وأن تصبروا، وأن تصروا على الجهاد في سبيل الله، والوفاء بحقه، والاعتماد عليه، والإيمان الصادق به؛ حتى يستقرَّ وضعُ الإسلام، وتعودَ كلمةُ الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، ولا يزعجنَّكم تجمعُ هؤلاء المارقين، فإن هؤلاء لن يزنوا عند الله جناح بعوضة، ولن يزنوا كذلك عند الناس جناح بعوضة، والله معكم ولن يتركم أعمالكم، وهو وليكم وناصركم إن شاء الله”. ا.هـ.
لم يقعد في سريره وهو الذي عذره الله تعالى مع من عذر، ولكنه رغم هذا ذهب من مدينة طنطا بالغربية إلى ميدان رابعة العدوية بالقاهرة؛ حيث الاعتصام التاريخي الذي لم تشهد له الإنسانية مثيلاً في تاريخها، وكان يمر على الخيام راكباً “عجلته”، يحدِّث المرابطين، ويعلي همم الشباب، ويذكرهم بما فتح الله عليه به من معاني الإيمان والإسلام.
وبعد وقوع المجزرة البشعة، تم التحفظ على أمواله ومُنع من التصرف فيها مع 115 آخرين، وعاش بعدها مطارداً متتبَّعاً من المجرمين؛ حيث ذهبوا لبيته مرات وكسروه، وقلبوه رأساً على عقب، ومات الأسد الهصور أسيفاً على أحوال أمتنا وأحوال مصر، وهم قاتلون له بالتسبب، ومانعوه من قول كلمة الحق في منابرها وأماكنها.
يغادرنا اليوم غرة ذي الحجة 1435هـ الموافق: 25 سبتمبر2014م لاشين أبو شنب الذي قضى سحابة عمره وسني حياته – 90 عاماً هجرياً – خادما لهذا الدين، وعاملاً لدعوة الإسلام، وثابتا على مبادئه، ومقارعاً للباطل، ومرهباً أعداء الله ومنافقي هذه الأمة، وسيبقى في وجداننا جبلاً من جبال الإيمان، وهرماً من أهرام الثبات والاستعلاء، وقمة من قمم الصبر واليقين، وحجة من حجج البيان والرأي، وقيمة من قيم الإخلاص والتضحية والجهاد والوفاء.
وصية أخيرة وفاء للفقيد:
أدعو في آخر هذا المقال أبناء الأستاذ لاشين وإخوانه المقربين وتلامذته المربين أن يجمعوا ما كتبه من كتيبات ومقالات، وخطب ومحاضرات، ويتم تفريغها ونشرها في أعمال كاملة لتنتفع بها الأجيال، ويفيد منها العلماء والدعاة والمربون، وتكون وفاء لبعض حقه علينا، ولقاء ما قدم من جهاد جهود، وتضحيات نبيلة، وصبر وثبات، وتربية وتثقيف وتعليم.
اللهم كما توفي وهو مطارد مهدد إلا من حماك ورحمتك، فارحمه، وبرد مضجعه، وأنزله منازل الأبرار، وألحقه بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، واخلفنا فيه خيراً، ولا تفتنا بعده، ولا تحرمنا أجره، واغفر لنا وله، اللهم آمين.