لم يتصالح الإعلام – وخاصةً العربي منه – مع رمضان ولو لمرة واحدة منذ نشوئه، ولا حتى في عشره الأخير، فهو ماض يدّك ساعاته الربّانية ليل نهار بسهام المشاهد الخالية من أقل آداب الخفر والحياء الإنسانيين، بل ويمعن في تحدي هذا الشهر الفضيل وتحدي صاحبه جلّ في علاه، القائل في الحديث القدسي: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ” (رواه البخاري: 1904).
ولا ينتظر التصالح على المدى القريب؛ لأن جُل القائمين على الإعلام في بلداننا العربية من الكائدين للإسلام والمسلمين، إضافة للمخرجين والمنتجين والأوامر المأجورة التي تأتي من وراء البحار، ليكون ظاهر المشهد تصوير الواقع أو جزء منه، لكن باطنه محاولة ضرب الدين الحنيف في مَقتل، فيستخف برجال الفضل والعلم، ويصورهم على أنهم مراؤون ودجالون، وأنهم يقولون في المسجد مالا يفعلون في البيت، وأنهم هم أول من يهين المرأة ويضربها ويشّك فيها.
ويصور الحجاب الساتر للجوهرة التي لا يراد لها الإسلام أن تكون مكشوفة الرأس والساق والصدر والخصر ليتربص بها من يتربص بكلام منمق جذاب، يصوره على أنه عادة بائدة، وسبب من أسباب التخلف والانحطاط، فتُجمّل الكاشفة المتمردة، وتُقّبح المحتشمة المتأدبة.
تغري المسلسلات باختلاط الجنسين، وتعدّه انفتاح، وتغري بالخيانة الزوجية وتعدها زلة قدم وحسب، وتغري بمقارعة الخمرة، وتعدها تنفيس كرب، وكل من يفتح فمه يقال له: اسكت إنه تصوير للواقع!
وليت شعري، هل انقلب العالم الإنسي كله إلى شياطين؟ لا عمل صالح ولا كلام طيب ولا حسنة من الحسنات!
أين الإعلام من المشاهد الجميلة التي تنمّي مكارم الخلق، وتساند المبادئ والقيم؟!
أين عدالة الإعلام من تكافؤ الفرص من النساء المحجبات، اللائي يتجاوزن الـ80% من المنسوب النسائي العام، في وقت ينقص من حقها على الشاشة كإعلامية، أو في معركة المسلسلات كأم فاضلة، أو بنت خلوقة، أو زوجة سعيدة، بل أكثر ما توظف المرأة المنقبة بأنها منافقة خائنة خبيثة!
المشكلة اليوم ليست مع رمضان موسم الخيرات، والذي سمّاه الإعلام موسم المسلسلات، إنما مع الإسلام خاصة.
نعم؛ إن المعركة بين الحق والباطل طويلة، تحسم ثم تعود ليحمى وطيسها، وأن السلطة الرابعة اليوم تضرب بكل ما أوتيت من قوة ومن مال في شهر القرآن، فتُهول المشاهد وتتعاظم الأحداث وتنتظر النهايات لتنافس العشر الأخير، فتفسد على المسلمين وقتهم الثمين.
اُختير رمضان ليكون شهر الإنتاجات الإعلامية الضخمة، “زوجة مفروسة أوي”، و”بنات سوبرمان”، و”سقوط حر”، و”خاتون”، و”باب الحارة 8”.. التي يسرف فيها من ملايين الدولارات ما يكفي حاجة لاجئي العالم؛ ليصد المسلمين عن قرآنهم وتراويحهم، ولحظات قد لا تعود.
لماذا تنفق الجهود الكبيرة ويبذل طائل المال سخياً لصد المسلمين عن دينهم؟! إنه سبب لا غير، عرفه من عرفه وجهله من جهله وتعامى عنه آخرون؛ إنه الحسد!
اُختير لتشويه معالم الدين الحنيف وأهله، فتنطفئ في نفوسهم جذوته.
اُختير ليكون ملهاة تحرق العمر وساعاته.
وما فعل الإسلام بالإعلام حتى يفجر في وجهه الألغام والقنابل؟!
أجل إن الشاردين في أهوائهم ومتعهم، الضعفاء في كل محطات حياتهم، يشعرون بعقدة نقص تجاه الملتزمين بمبادئهم السائرين بنعيم دينهم، فتكون البغضاء منهم من مثل قوله تعالى: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (آل عمران: 118).
والساقطة تحب أن لو سقط الناس كلهم في المكان الذي سقطت فيه.
تطول المعركة بين رمضان والإعلام لكن زمام النصر بيد الحق، وكيد الخائنين في تباب.
المصدر: موقع “بصائر تربوية”