لم يساهم خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الثلاثاء 27 نوفمبر والذي خصصه للحديث عن الاحتجاجات الكبيرة، التي حولت المدن الفرنسية إلى ساحات حرب، وهو الوصف الذي ذكره الرئيس الفرنسي في خطابه، حيث وصف ما جرى ويجري للأسبوع الثاني على التوالي بـ”مشاهد الحرب”” لا سيما في احتجاجات السبت الماضي وذلك احتجاجا على رفع أسعار المحروقات. لا سيما وأن الرئيس الفرنسي أعرب عن عزمه عدم التراجع عن الزيادات في أسعار المحروقات.
احتجاجات عارمة وخسائر كبيرة
وكانت مناطق مختلفة من فرنسا، قد شهدت منذ 17 نوفمبر، تظاهرات شعبية تقودها حركة “السترات الصفراء” احتجاجا على سياسات الرئيس إيمانويل ماكرون، وزيادة الرسوم على المحروقات. وخلال المظاهرات المستمرة منذ نحو أسبوعين، لقي شخصان مصرعهما، وأصيب 136 من عناصر الأمن و756 شخصًا بجروح، فيما أوقفت قوات الأمن الفرنسية 693 شخصًا.
وقال وزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لومير، أول أمس الإثنين: إن إجمالي خسائر مبيعات الشركات ببلاده تراوحت بين 60 و70 في المائة، بسبب الاحتجاجات الشعبية على سياسات الرئيس، إيمانويل ماكرون ورفع أسعار الوقود.
وذكر الوزير أنه بسبب الاحتجاجات بلغت خسائر إجمالي مبيعات الشركات 39 في المائة يوم 17 نوفمبر( الذي اندلعت فيه الاحتجاجات ) مضيفًا أنها بلغت 24 في المائة يوم السبت 24 نوفمبر. وأن إجمالي خسائر مبيعات محلات بيع اللحوم والأفران وتصفيف الشعر تتراوح بين 60 و70 في المائة منذ اندلاع الاحتجاجات.
وأكد لومير أن بلاده ستتخذ التدابير اللازمة، لمنع تعرض الشركات لمزيد من الأضرار. وقد تجددت في فرنسا المظاهرات الرافضة لعزم الحكومة زيادة الرسوم على المحروقات، فيما استخدمت قوات الأمن في باريس الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق حشد حاول اختراق طوق للشرطة في شارع الشانزليزيه.
يوميات الاحتجاج
استخدمت الشرطة في العاصمة الفرنسية باريس الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق متظاهرين يحتجون للأسبوع الثاني على رفع أسعار الوقود. واندلعت اشتباكات في منطقة الشانزليزيه حيث حاول متظاهرون اختراق طوق أمني فرضته الشرطة حول مواقع حساسة. وتجمع نحو 5000 متظاهر في المنطقة. واعتقلت السلطات 18 شخصا على الأقل بعد الاشتباكات.
وفي السبت الماضي، خرج نحو 280 ألف متظاهر في أكثر من 2000 موقع في شتى أنحاء فرنسا. ووصف المنظمون الاحتجاجات بأنها “المرحلة الثانية” من حملتهم المتواصلة. وتعترض الحملة، المعروفة باسم احتجاجات “السترات الصفراء” نسبة إلى السترات التي يرتديها المتظاهرون، على زيادة الرسوم على وقود الديزل. واصطدم آلاف المتظاهرين في الشانزليزيه بحواجز معدنية ومتاريس نصبتها الشرطة، بهدف منعهم من السير باتجاه مواقع حساسة، مثل المقر الرسمي لإقامة رئيس الحكومة.
وأقام بعض المحتجين متاريس ورشقوا أفراد الشرطة بالحجارة والألعاب النارية، وهم يرددون شعارات تطالب الرئيس إيمانويل ماكرون بالاستقالة. وقال وزير الداخلية الفرنسي، كريستوف كاستنير، إن المتظاهرين متأثرون بمارين لوبان زعيمة حزب “المسيرة الوطنية” اليميني المتطرف. لكن لوبان اتهمت وزير الداخلية بعدم الأمانة. ويقول متساكنون في باريس إن الوضع في الشانزليزيه مازال فوضويا، حيث ظلت عدة حرائق مشتعلة. وخرجت مظاهرات في مدن أخرى بأنحاء فرنسا، منها ليل وليون وبوردو. وأفادت تقارير باندلاع عدد من الاشتباكات. وقالت وزارة الداخلية إن عدد المتظاهرين بلغ 81 ألفا.
ماذا وراء الاحتجاجات؟
ارتفعت أسعار الديزل، وهو الوقود الأكثر استعمالا في السيارات الفرنسية، بنسبة تقارب 23 في المائة على مدى الشهور الإثني عشر الماضية، بحيث بلغ سعر اللتر 1.51 يورو، وهو أعلى سعر يصله منذ عام 2000. وكانت أسعار الوقود قد ارتفعت في الأسواق العالمية ثم عادت للانخفاض، لكن حكومة ماكرون رفعت ضريبة الهيدروكربون هذه السنة بقيمة 7.6 سنت للتر الواحد للديزل و 3.9 سنت للبنزين، في إطار حملة لتشجيع استخدام السيارات الأقل تلويثا للبيئة.
وينظر المحتجون إلى قرار فرض زيادة أخرى بقيمة 6.5 سنت على سعر الديزل و2.9 سنت على سعر البنزين على أنه القشة التي قصمت ظهر البعير. وألقى الرئيس الفرنسي في خطابه أمس باللوم على ارتفاع أسعار النفط في ثلاثة أرباع القيمة التي ارتفعت بها أسعار الوقود. كما أشار إلى وجود ضرورة لفرض مزيد من الضرائب على الوقود الأحفوري لتمويل الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة.
صدامات متواصلة
وأطلقت حركة “السترات الصفراء” المرحلة الثانية من التعبئة ضد زيادة أسعار المحروقات، ونظمت مظاهرة كبيرة في العاصمة باريس. ونشرت قوات الأمن أكثر من ثلاثة آلاف عنصر للحيلولة دون وقوع أحداث عنف شبيهة بالتي وقعت الأسبوع الماضي، عندما سقط قتيلان. وهتف المحتجون في باريس “استقالة ماكرون” و” الشرطة معنا”، وقرروا القيام بتحركات في مناطق أخرى، خصوصا في محيط الطرق المدفوعة الأجر ومحاور الطرق السريعة. وتوجّه حركة السترات الصفراء انتقادات مباشرة للرئيس إيمانويل ماكرون الذي تتهمه بالمسؤولية عن تراجع القدرة الشرائية للمواطنين. وأعلن نحو 35 ألف شخص على فيسبوك استعدادهم للمشاركة في تجمع كبير في ساحة الكونكورد بباريس، لكن السلطات منعت هذا التجمع بسبب قرب الموقع من القصر الرئاسي. و أغلقت الطرق المؤدية إلى الإليزيه والقسم السفلي من جادة الشانزليزيه وساحة الكونكورد والجمعية الوطنية ومقر رئيس الحكومة. وأغلق 282 ألف شخص طرقا ومواقع إستراتيجية، وتلا ذلك أسبوع من التجمعات التي ترواحت بين الضعف والقوة ويريد المحتجون البرهنة من جديد على قوتهم. وكشف استطلاع للرأي أن 72في المائة من الفرنسيين يؤيدون مطالب أنصار “السترات الصفراء” الغاضبين من زيادة رسم للبيئة، أدى إلى ارتفاع أسعار المحروقات.