لازالت جدلية الاخلاء القسري والتطوير تتصارع في مصر بين الحقوقيين والحكومة المصرية، وتوقفت مجددا في منطقة عين الصيرة بمنطقة مصر القديمة بمحافظة القاهرة، التي يرى حقوقيون أنها ضحية جديدة فيما ترى الحكومة أنها مشروع تطوير حضاري قد ينافس شارع الشانزليزيه بباريس، بينما الأهالي دفعوا الثمن مبكرا حيث يقبع بعضهم رهن الحبس لتأكيدهم الاتهامات الحقوقية بالإخلاء القسري.
أصل الأزمة
وترجع أحداث الإخلاء القسري إلى السبت 23 فبراير 2019 حيث انتقلت قوات أمن مصحوبة ببلدوزرين إلى منطقة عين الصيرة بحي مصر القديمة للبدء في المرحلة الأولى من مراحل عمليات إزالة المنطقة وإخلاء سكانها منها ونقلهم إلى منطقة الأسمرات، وهو ما تكرر في 20 مارس مما دفع الأهالي للاشتباك مع القوات المكلفة بالتنفيذ.
ووفق بيان من “المفوضية المصرية للحقوق والحريات ” وصل “المجتمع” فإن لجان حصر وصلت المنطقة قبل ثلاث أسابيع منذ ذلك التوقيت لحصر الملاك والساكنين لنقلهم إلى وحدات سكنية بالأسمرات بمقابل إيجارات تتراوح من 700 إلى 1000 جنيه شهريا، ولم يتم أخذ المحلات التجارية أو الورش الفنية في الاعتبار.
وأضافت المفوضية أن “لجان الحصر أبلغت الأهالي أن المنطقة سيتم إزالتها بالكامل ولا يعلمون مصيرها بعد الإزالة ولم يتم مشاركتهم في مخطط التطوير، ثم قامت قوات الأمن بمفاجئة أهالي عين الصيرة يوم السبت 23 فبراير بحملة الإزالة طالبين إخلاء منازلهم بالإكراه، مصطحبين ثلاث سيارات جمع قمامة –على حد وصف الأهالي- لنقل أثاث المنازل بها”.
وفي منتصف مارس الجاري ألقت قوات الأمن القبض على عدد من أهالي المنطقة على ذمة قضية متصلة برفضهم الاخلاء القسري والترحيل حملت رقم ٤٤٢٣ لسنه ٢٠١٩ جنح مصر القديمة وهم حافظ إسماعيل فهمي، مصطفي سيد بيومي، حمدي زغلول، أنور عبد المنعم، شريف مراد سيبيه، عنتر صالح، هاني محسن سيد، إيهاب شريف مراد، مراد شريف مراد، ولازالت النيابة تجدد حبسهم.
وطالبت “المفوضية المصرية” التي تتبني الملف في مصر، الحكومة بوقف أعمال هدم وإزالة مباني المنطقة وإيقاف عمليات الإخلاء القسري لأهالي المنطقة وعدم استخدام القوة في مواجهة الأهالي، والالتزام الكامل بمعاهدات مصر الدولية بشأن الحق في السكن الملائم والحماية من الإخلاء القسري كجزء من “الحق في مستوى معيشي كاف” كما جاء في المادة 11(1) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966.
وأوضحت المفوضية أنها تقف بجانب عمليات التطوير والتنمية إلا أنها ترفض تماما انتهاك السلطات المصرية للقانون الداخلي والمعاهدات الدولية، واستخدام العنف والقوة بديلا عن التشاور وتوفير سبل الانتصاف القانونية العادلة، الأمر الذي مازال يتكرر في طريقة ونهج السلطات التنفيذية في التعامل مع المناطق العشوائية مؤكدة أهمية مشاركة الأهالي قرارات التنمية والتطوير وعرض المخطط الاستراتيجي على الأهالي، وإعطائهم فرصة كافية للخروج من المنطقة وتوفير سبل الانتصاف القانونية.
الأزمة سبق وأن عرضها الإعلامي المقرب من السلطة أسامة كمال، في تقرير تلفزيوني في وقت سابق، حيث أبرز قرار الحكومة بنقل القاطنين بالمنطقة لحي الأسمرات فجأة ودون سابق إنذار وفق تأكيده بجانب تصريحات من الأهالي عن رفض النقل من المنطقة ورغبتهم في الاستمرار فيها بعد التطوير.
ولم تتوقف أبعاد الأزمة عند ذلك، حيث يعاني الأهالي من تكرار الحصر من جهات عدة، وسطو أهالي من خارج المنطقة على الشقق المدرجة للبعض، وحذف بعض الأسماء من الحصر وهو ما برره صادق علي عبد المقصود، رئيس حى الخليفة بمحافظة القاهرة في تصريحات متداولة بوسائل إعلامية محلية بتعدد جهات الحصر.
واعترف المسئول المحلي بتضارب التقارير، موضحا أن حى مصر القديمة كان قد أعد حصرا لسكان المنطقة ولكن لم يتم الأخذ به؛ لأن المنطقة تتبع حى الخليفة، فتم عمل حصر جديد من حى الخليفة ويتم التسكين بناء عليه.
وأكد أن المنطقة سيتم إزالتها بالكامل لإعادة تخطيطها مرة أخرى ضمن خطة الدولة لتطوير المناطق العشوائية، وأن أغلب سكانها لا يستحقون وحدات سكنية طبقا لنتائج الحصر واللجان المختصة مشيرا إلى أنه تم نقل وتسكين ما يقرب من 80 أسرة بحي الأسمرات، وبقية الأسر لا تستحق، وسيتم تنفيذ القانون، وإخلاء المكان طبقا للحصر الموجود وتحريات المباحث وشرطة المرافق.
“الشانزليزيه” المصري!!
وبحسب موقع الحرية والعدالة المصري المعارض فإن السبب فيما يجرى هو تحويل المنطقة بعد طرد سكانها إلى “شانزليزيه فرنسي في قلب القاهرة”، خاصةً أن منطقة عين الصيرة وسور مجرى العيون هي إحدى مناطق الآثار التاريخية المهمة التي تطلعت إليها أنظار المسئولين في محافظة القاهرة في الفترة الأخيرة، لإنشاء حي سياحي ثقافي ترفيهي بفنادقه ومطاعمه ومسارحه ومحاله التجارية، مثل شارع الشانزليزيه بباريس.
ووافقت لجنة الإدارة المحلية بالمنطقة الجنوبية على الدراسة، بحسب الموقع، بشرط طرد جميع السكان ونقلهم إلى “حى الأسمرات”، ووضع تخطيط جديد لمنطقة المدابغ بمصر القديمة بعد إخلائها ونقلها إلى منطقة الروبيكي بمدينة بدر.
ووضعت الدراسة تصورا عاما للمنطقة التي تبلغ مساحتها 109 أفدنة، وتقرر تنفيذ المشروع على 3 مراحل، ووضع اشتراطات للمشروعات الاستثمارية وحدود الارتفاع للمباني، بألا يتجاوز ارتفاع سور مجرى العيون، وأن يكون على بعد 50 مترًا من السور، وتخصيص 43% من المساحة للمشروعات و52% للمساحات الخضراء.
وأضاف الموقع أن الطرد هو ملخص منهج السلطة الحالية التي اتهمت بانها “تواصل إشباع رغباتها في إهانة المصريين، فلم تكد تمر أزمة “الحزام الأخضر” وطرد آلاف الأسر من منازلهم وأراضيهم ببرج العرب غرب الإسكندرية، إلا وتبعها تشريد الآلاف في “سهل الطينة” في منطقة بورسعيد، ثم فوجئ أهالي وسكان مساكن “عين الصيرة” وسور مجرى العيون، بإجبارهم على ترك منازلهم والمطالبة بإخلائها مقابل تسليمهم وحدات جديدة، على غرار “مثلث ماسبيرو” في إشارة إلى مناطق أخرى تعرضت لأزمة الإخلاء القسري والتهجير.
رسميا لم تختلف المبررات نوعا ما فيما يبدو، حيث صرح د. خالد العناني، وزير الآثار، إنه تم تخصيص مبلغ ضخم لتطوير منطقة عين الصيرة قبل افتتاح متحف الحضارة، لإحياء المتحف والمنطقة المحيطة به لضمه لمنطقة مجمع الأديان باعتبارها أهم منطقة أثرية في مصر القديمة.
ونقلت عنه بوابة أخبار اليوم المملوكة للدولة أنه من المقرر أن يصبح مشروعي تطوير منطقة الأهرامات ومتحف الحضارة هما الأهم في أجندة الحكومة المصرية خلال هذا العام ضمن تطوير الآثار في مصر، لاحتوائهم على الكنيسة المعلقة وأول مسجد بإفريقيا.