وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في مذكرة خاصة أصدرها، الجمعة الماضية، الممثل التجاري للولايات المتحدة العمل على دفع منظمة التجارة العالمية لإجراء إصلاحات فيما يخص الدول النامية، وذلك بمنع تلك الدول من التمتع بـميزات غير عادلة -حسب قوله- في الساحة التجارية الدولية التي تحصل عليها بسبب مرونة قواعد المنظمة.
وذكر ترمب أن مجموعة من الأعضاء في المنظمة، وهي الإمارات وقطر والكويت وتركيا والصين وهونج كونج وبروناي وماكاو وسنغافورة والمكسيك وكوريا الجنوبية، تصف نفسها بالنامية رغم أنها غنية.
وتوعد ترمب بأنه في حال عدم تحقيق منظمة التجارة العالمية تقدماً جوهرياً في إجراء الإصلاح الخاص بهذا المجال في غضون 90 يوماً، ستوقف الولايات المتحدة تعاملها مع تلك الدول المذكورة باعتبارها نامية، موضحاً أن الولايات المتحدة لن تدعم أياً من هذه البلدان في إطار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ولم يكتف ترمب بذلك، بل –كعادته- غرد في مساء نفس اليوم على حسابه في موقع “تويتر” قائلاً: “منظمة التجارة العالمية تتعرض للإفلاس بينما تزعم أغنى دول العالم أنها نامية من أجل الالتفاف على قواعد المنظمة والحصول على تعامل خاص”، وأضاف: “يكفي!”.
وتابع ترمب: “وجهت اليوم الممثل التجاري للولايات المتحدة لاتخاذ إجراء لوقف مخادعة تلك البلدان للنظام على حساب الولايات المتحدة”.
والناظر لهذا القرار يجد أن به ثلاث دول عربية خليجية؛ هي الإمارات وقطر والكويت، واستثنى السعودية رغم عضويتها لمنظمة التجارة العالمية، وهذا القرار يطرح العديد من التساؤلات بدوافعه وتأثيره على الدول العربية سالفة الذكر.
بداية ينبغي معرفة وضع الامتيازات التي تأخذها الدول الثلاث وغيرها من الدول النامية من منظمة التجارة العالمية، فمن المبادئ التي أقرتها اتفاقية “الجات” لتحكم مسيرتها تجاه تحقيق أهدافها: مبدأ المعاملة التفضيلية في العلاقات التجارية للشمال والجنوب: ومضمون هذا المبدأ أن يتكفل النظام التجاري الدولي الذي أقامته “الجات” بتقديم معاملة تجارية تفضيلية للدول الآخذة في النمو كأحد الأعمدة التي ترتكز عليها الإستراتيجية الدولية للتنمية الاقتصادية، وتهدف هذه المعاملة التفضيلية إلى فتح أسواق الدول الصناعية المتقدمة أمام منتجات الدول الأخذة في النمو، وبالتالي زيادة حصيلتها من الصرف الأجنبي اللازم لتمويل برامج التنمية الاقتصادية بها.
كما تهدف إلى تعزيز حماية أسواق الدول النامية، بالسماح لها باعتماد مستويات نسبية أعلى للتعريفة الجمركية مقارنة مع الدول المتقدمة، إضافة إلى اتخاذ إجراءات للحد من الواردات التي تحمل تهديدات بالنسبة للمنتجين الداخليين أو لميزان المدفوعات في تلك البلدان، فضلاً عن تقديم بعض أنواع الإعانات المالية من قبل الحكومة في ظروف خاصة تتعلق بكون هذا الإجراء ضرورياً لضمان خلق الظروف الملائمة للتنمية.
ولكن هل العلاقات التجارية بين دول الخليج الثلاث لها تأثير ملحوظ على التجارة الأمريكية والعكس؟ إن هذا الأمر يتطلب الوقوف على التجارة البينية بينهما، فمن خلال بيانات المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي عن التجارة الخارجية السلعية لدول المجلس لعام 2017م، نجد أنه على صعيد التركيب السلعي لأبرز السلع المصدرة والمستوردة، أنه على مستوى الصادرات الوطنية السلعية: شكل النفط ومنتجاته نسبة 79.6% من قيمة الصادرات السلعية وطنية المنشأ لتبلغ نحو 344.3 مليار دولار أمريكي، يليها البلاستك ومصنوعاته بنسبة 5.3%، ثم الذهب والأحجار الكريمة والمواد الكيماوية، والألومنيوم ومصنوعاته، والأسمدة بنسبة 3.4%، و3.0%، و2.6%، و0.7% على التوالي.
وعلى مستوى الشركاء التجاريين لإجمالي الصادرات السلعية: احتلت اليابان المرتبة الأولى من بين أهم الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون من حيث إجمالي الصادرات السلعية، حيث شكلت ما نسبته 12.8% من إجمالي الصادرات السلعية لمجلس التعاون إلى الأسواق العالمية بقيمة بلغت نحو 68.8 مليار دولار أمريكي، فيما جاءت الصين المرتبة الثانية بنسبة 12.5%، تليها الهند وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وسنغافورة بنسبة 11.3%، 9.6%، 6.0%، و5.5% على التوالي.
وتعتبر هذه الدول أكبر الدول المستوردة للنفط الخام والغاز الطبيعي من دول مجلس التعاون.
وعلى مستوى الواردات السلعية: استأثرت الآلات والأجهزة الكهربائية على نسبة 15.4% من قيمة إجمالي واردات مجلس التعاون السلعية؛ أي ما يقارب 69.5 مليار دولار أمريكي، ويليها في المرتبة الثانية الآلات والمعدات الآلية بنسبة 13.8% من إجمالي قيمة واردات دول مجلس التعاون السلعية، ثم الذهب والأحجار الكريمة، والسيارات ، والطائرات وأجزاؤها، ومصنوعات الحديد والصلب بنسبة 12.7%، 10.0%، 3.2%، 2.6% على التوالي.
وعلى مستوى الشركاء التجاريين في الواردات السلعية: احتلت الصين المرتبة الأولى من بين أهم الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون من حيث إجمالي الواردات السلعية، حيث شكلت ما نسبته 18.0% من إجمالي الواردات السلعية لدول مجلس التعاون بقيمة بلغت نحو 80.9 مليار دولار أمريكي، فيما جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بنسبة بلغت 11.7%، تليها الهند وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية بنسبة 6.9%، 5.6%، 5.4%، 3.6% على التوالي من قيمة إجمالي الواردات السلعية لدول مجلس التعاون من الأسواق العالمية.
ومن خلال هذه البيانات، يتبين أن التبادل مع الصين واليابان والهند مثَّل ما نسبته 33.8% من تجارة دول مجلس التعاون الخليجي، وأن النفط والغاز هما أهم الصادرات لدول المجلس ذات الاقتصاد الريعي، وهما في خارج إطار عمل اتفاقية “الجات”، كما يتبين أن الولايات المتحدة تأتي في سلم الأولويات المتأخرة من الصادرات السلعية للدول الخليجية، وفي الواردات السلعية تأتي في المرتبة الثانية، ولما كانت الدول الخليجية بما فيها الإمارات والكويت وقطر لا تمثل الضرائب الجمركية عندها أهمية كبرى، فإن ضرر السلع الأمريكية من التعريفة الجمركية أمر ليس من الأهمية بمكان.
وكل هذا يعكس أن القرار الأمريكي لن يكون ذا تأثير اقتصادي كبير بصورة مباشرة على الإمارات والكويت وقطر بقدر ما هو وسيلة من وسائل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ورسالة كذلك إلى تركيا وغيرها، وفي الوقت نفسه هو وسيلة ابتزاز للدول الخليجية الثلاث.
أما التهديد الأمريكي بتنفيذ السياسة التي يريدها منفرداً مع تلك الدول في غضون 90 يوماً، فهو أمر مخالف للقوانين الدولية وترسيخ للفوضى ولغة القوة وإهدار لمنظمة التجارة العالمية ونظامها وأهدافها التي في مقدمتها نشوء عالم اقتصادي مزدهر يتمتع بالسلام ومسؤول بصورة أكبر، من خلال نموذجية اتخاذ القرارات في المنظمة بإجماع الدول الأعضاء والتصديق عليها بواسطة برلمانات الدول الأعضاء، والاعتراض بخصوص الخلافات التجارية عن طريق آلية فض المنازعات الخاصة بالمنظمة.