فيروس «كورونا» أرعب العالم بسرعة انتقاله وانتشاره من مكان ظهوره في مدينة «ووهان» بالصين منذ منتصف ديسمبر 2019م، التي يقطنها نحو 10 ملايين نسمة، وحوّلها إلى مدينة أشباح، وحصد عشرات الأرواح في الصين، وانتشر الفيروس في مقاطعات صينية ودول أخرى كاليابان وكوريا وتايلاند وفيتنام وأستراليا وسنغافورة وفرنسا ونيبال وماليزيا والولايات المتحدة الأمريكية، لأشخاص زاروا أو عادوا من ووهان الصينية، حسب التقرير الذي نشرته منظمة الصحة العالمية.
وتعتبر الأوبئة عاملاً مؤثراً في إعادة توازن الحياة البشرية؛ إذ إن طغيان الحياة المادية على الإنسان في كل عصر ينشئ أصناماً من اللذة التي تُنسيه حقيقة وجوده وما رسمه الخالق لمساره، فتأتي الكوارث الطبيعية منبهة للإنسان، ومن أجل إعادة التوازن في الحياة الإنسانية والبشرية، وليتعامل الإنسان مع ذاته الإنسانية وعلاقته بالأرض والكون والناس والأشياء بالعدل والحق وإرجاع مساره إلى ما هو صحيح، وإن ما جرى ويجري من نتائج كارثية إنما هو نتاج ما كسبته يداه.
إن ما كسبت يد الإنسان في صناعته وتطوير حياته وإقامته لشؤون الناس إما سبّب الدمار والهلاك، وإما أدى إلى الصعود والرقي في الحياة الإنسانية والبشرية.
فالتوجه البشري للخبائث التي نهى الله عنها وأمرنا أن نجتنبها والإمعان في صناعتها وتداولها ستسبب في نهاية المطاف كوارث إنسانية وأوبئة تدمر حياة الإنسان، فاليوم تعاني الإنسانية من سباق في تطوير أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة التي تدمر الحياة البشرية؛ حيث أصبح الحجر والمدر أهم من حياة الإنسان! فهذا بالطبع من صنع البشر.
وإن ما تعانيه البشرية اليوم من انتشار أمراض السرطان والأوبئة وأمراض لم يصل الإنسان لعلاج لها؛ هو بسبب نتائج استخدام تلك الأسلحة الفتاكة في حروب مدمرة، خذ على سبيل المثال حرب الخليج الثانية واحتلال العراق؛ حيث خلفت نحو 273 طناً من اليورانيوم المنضب المستخدم في القذائف ضد الدروع، وهذه بقعة جغرافية صغيرة في العالم، لكنها خلفت نسباً مرتفعة من أمراض السرطان في الكويت والعراق.
كما تعاني البيئة العالمية للأرض من آثار مدمرة وغازات وسوائل سامة تدمر النبات وتلوث الفضاء، وتخلق اختلالاً في توازن فصول السنة، وتهدد بارتفاع درجة حرارة الأرض إلى ما يتوقع منه الخطر على حياة وبقاء الإنسان، وإن مساحات هائلة من الأراضي الصالحة للزراعة قد دمرت بشكل كامل بسبب العوامل الكيميائية للتلوث، كما أن ذلك غيَّر الطبيعة الخاصة بفصول السنة، وندرة الأمطار؛ مما يؤثر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي، وكذلك على حياة الحيوان المنتج للحوم التي تحتاجها البشرية.
وقد ارتفعت معدلات تلوث الهواء في العالم بنسبة %8 بين عامي 2008 و2013م، وسجل أنه لا يتنفس %92 من سكان المدن هواء مأموناً، وأن مستويات تلوث الهواء تتجاوز الحدود التي وضعتها منظمة الصحة العالمية.
إن تلوث الهواء، وفق الإحصائيات العالمية، تسبب في 2.2 مليون إصابة بالسكتة الدماغية، ويتسبب الهواء الملوث في وفاة مليوني شخص سنوياً جراء الإصابة بأمراض القلب، وإصابة 1.7 مليون شخص بأمراض الرئة والسرطان.
وتأتي تلك النتائج بسبب الصراع بين قوى المال والسلطة في مجتمعنا الإنساني، فالشركات الكبرى المتنافسة على صناعة الأدوية سعت وتسعى للتسابق والتنافس على حساب الأرواح البشرية.
إن تطوير الأدوية اللازمة لعلاج فيروسات غامضة بسبب تدبير بشري خاطئ لإدارة الحياة خلفه شركات عالمية تدر من ورائه مليارات الدولارات، علماً بأن نسبة المصابين بهذا الفيروس لا تساوي شيئاً في المقاييس العالمية؛ فرغم أن عدد سكان الصين 1.386 مليار نسمة، وفق إحصائية عام 2017م، فإن الإحصاءات الرسمية الصادرة إلى يوم 27 يناير الماضي لا يتجاوز عدد الوفيات 80 شخصاً، وعدد المصابين 2700 شخص، وذلك بسبب استخدام محرمات غذائية يعتقد أنها تسببت في توالد فيروس «كورونا» القاتل، وانتقلت العدوى إلى مناطق عدة من العالم، ومع ذلك فإن حجم الخوف والذعر والهلع بين الناس كبير؛ مما سيدفع بكل الدول لشراء كل وسائل الوقاية والدواء لهذا الداء القاتل، لنعرف بعد ذلك أن هذا الفيروس لا يستحق كل هذه المعاناة والخوف والرعب لو أن الإنسان أدار حياته بالشكل الذي أراده الله من العدل والرحمة وكسب الخير والتوزيع العادل للثروات والاستخدام الصحيح للبيئة والموارد، لا الطغيان فيها، وإن لكل طغيان طوفاناً يتغير شكله بالزمان والمكان، اللهم الطف بالإنسان الذي كرمه القرآن؛ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء: 70)