تصدى الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف اليوم لدعاة هدم التراث باسم “تجديد الخطاب الديني”، وذلك خلال «مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي”، الذي افتتح أمس الإثنين، ويستمر حتى مساء اليوم، بمشاركة نخبة من كبار القيادات والشخصيات السياسية والدينية البارزة على مستوى العالم، وممثلين من وزارات الأوقاف ودور الإفتاء والمجالس الإسلامية من 46 دولة من دول العالم الإسلامي.
وقال شيخ الأزهر الشريف في كلمته: إن “موضوع تجديد الفكر الإسلامي أو الخطاب الديني أصبح مفهومًا غامضًا وملتبسًا، لكثرة تناوله في برامج الفضائيات، من الموهوبين في التحدث بأي موضوع دون دراسة كافية أو إعداد علمي سابق”، وأن “الإسلام والتجديد وجهان لعملة واحدة وهما قادران على تحقيق مصالح العباد”.
وتناول بالنقد الشديد كلمة الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة التي دعا فيها إلى نبذ التراث ومذهب الأشاعرة، ورد عليه الشيخ “الطيب” قائلاً: “إن إهمال التراث بأكمله ليس تجديداً وإنما إهمالاً”، مشيرًا إلى أن “الأشاعرة لا يبنون منهجهم على أحاديث الآحاد، وأنهم يعتمدون على الأحاديث المتواترة”.
وقال شيخ الأزهر: “الكلام عن التراث (عجيب)، كثير ما يقال عن نقد التراث، هذا مزايدة على التراث، هذا التراث الذي نهون من شأنه اليوم خلق أمة كاملة وتعايش مع التاريخ، وتصوير التراث بأنه يورث الضعف والتراجع هذا مزايدة عليه، ونحن نحفظ من الإمام أحمد بن حنبل ما يؤكد أن التجديد مقولة تراثية وليست حداثية، والحداثيون حين يصدعوننا بهذا الكلام هم يزايدون على التراث ومزايدين على قضية الأمة المعاصرة الآن، والتراث ليس فيه تقديس، وهذا ما تعلمناه من التراث وليس من الحداثة”.
موضوع واسع الأرجاء
وقال شيخ الأزهر في كلمته الهجومية: “إنَّ موضوع تجديد الفكر الإسلامي، أو الخطاب الدِّيني، موضوعٌ واسع الأرجاء مترامي الأطراف، وقد بات في الآونة الأخيرة مفهومًا غامضًا وملتبسًا؛ لكثرة تناوله في الصُّحُف وبرامج الفضاء، دون دراسة كافية أو إعداد علمي سابق، مشيرًا إلى أنَّ العلاقةَ بين «التجديد» وبين بقاء الإسلام دينًا حيًّا يقدِّم الخير للبشرية جمعاء -هي علاقة التطابق طردًا وعكسًا وهما أشبه بعلاقــة الوجهين في العُملةِ الواحدة، لا ينفصم أحدهما عن الآخر إلَّا ريثما تفسد العُملة بوجهيها وتصبح شيئًا أقرب إلى سقط المتاع.
وأضاف “الطيب” خلال كلمته بمؤتمر الأزهر العالمي حول “التجديد في الفكر الإسلامي”، أن أحكام الدِّين الإسلامي تنقسم إلى ثوابت لا تتغيَّر ولا تتجدَّد، وهي الأحكام القطعية الثبوت والدِّلالة، وسببُ ثباتها في وجه رياح التغيير، هي أنها قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، وهذه الأحكام معظمها مما يدخل في باب العقائد والعبادات والأخلاق.
وأوضح أن النوع الثاني من أحكام الدين الإسلامي قابلة للتبدُّل والتغيير، وهي الأحكام المختصة بمجالات الحياة الإنسانيَّة الأخرى، مثل الأحكام المدنيَّة والدستوريَّة والجنائيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة والسيرة الاجتماعية والبيع والشراء، وأنظمة الحُكم والعلاقات الدوليَّة والآداب العامَّة، وعادات الناس في المسكن والمأكل والملبس، وفي هذه المجالات ترد أحكام الشريعة الإسلاميَّة في صورة أُطُر كليَّةٍ ومبادئَ عامةٍ، تتَّسِع لتطبيقاتٍ عِدَّة وصيغٍ مختلفة، كلها مشروع ما دام يحقِّق مصلحة معتبرةً في الشَّرع.
فتنة سياسية وليست تراثية
وأضاف شيخ الأزهر ردًا على كلمة الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة والتي هاجم فيها مذهب الأشاعرة، أن توصيف التراث بأنه يورث الضعف والتراجع “مزايدة على التراث، وأن مقولة التجديد مقولة تراثية وليست حداثية”.
وردا على دعوة رئيس جامعة القاهرة إلى “تجديد علم أصول الدين والبعد عن فتن التراث”، قال شيخ الأزهر: “الفتنة الكبرى من عهد عثمان، هي فتنة سياسية وليست تراثية، وأنت كرئيس للجامعة يقتدي بك ويستمع لك طلاب، والسياسة تختطف الدين اختطافًا في الشرق والغرب، حين يريدون تحقيق غرض لا يرضاه الدين”.
وأوضح أن “الفتنة التي نعيشها الآن هي فتنة سياسية وليست تراثية، لافتًا إلى أن السياسة تخطف الدين اختطافًا حينما يريد أهلها أن يحققوا هدفا مخالفا للدين كما حصل في الحروب الصليبية وغيرها”.
وتابع: ماهي مبررات الكيان الصهيوني في أن يستعمروا دولاً غير تابعة لهم إلا من خلال الاستناد إلى نصوص في التوراة لكي يحققوا أهدافا تخالف تعاليم الدين؟
وقال شيخ الأزهر الشريف الدكتور موجها حديثه لرئيس جامعة القاهرة: “كنت أود أن كلمة تلقى في مؤتمر عالمي دولي وفي موضوع دقيق وهو التجديد، أن تكون معدة سابقًا ومدروسة، وليس نتيجة تداعي الأفكار والخواطر”.
وعن مطالبة رئيس الجامعة بترك مذهب الأشاعرة قال له: “الأشاعرة لا يقيمون فقههم على أحاديث الآحاد، ودرست ذلك في المرحلة الثانوية في الستينيات، وهم لا يقيمون مسألة واحدة في أصول العقائد إلا على حديث متواتر”.
وتابع: “قلت كرئيس للجامعة إن التجديد هو مثل أن تُجدد منزل والدك دون أن تسكن فيه، ولكن هذا ليس تجديدًا هذا إهمال وترك وإعلان الفُرقة لبيت الوالد”، موضحا: “التجديد في بيت الوالد يكون في بيته، ولكن أعيده مرة أخرى بما يناسب أنماط العصر”.
وأشار الطيب خلال مؤتمر الأزهر الشريف اليوم، إلى أن التراث حمله مجموعة من القبائل العربية القديمة الذين وضعوا أيديهم على مواطن القوة والتاريخ، وأن العالم الإسلامي كانت تسيره تشاريع العلوم الإسلامية قبل الحملات الفرنسية.
الخشت والتطوير
وكان الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة قال في كلمته إن القرآن به ما هو قطعي الدلالة وما هو ظني الدلالة، وظني الدلالة أكثر حتى تتعدد المعاني، لذا فالصواب ليس واحدًا، وأن واقع العلوم الدينية حاليًا، هو واقع استاتيكي ثابت، يعتمد على النقل والاستنساخ، والرسائل العلمية تؤكد ذلك، بلا تحليل نقدي ولا علمي، بل استعادة كل المعارك القديمة، لا زلنا نعيش عصر الفتنة الكبرى”.
ودعا الخشت إلى تطوير العلوم الدينية وليس إحياءها، وقال: “لو عاد الشافعي لأتى بفقه جديد”.
وعقب هجوم شيخ الأزهر عليه ومطالبة أن يدرس ما يقوله أولا، تراجع الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة وقال إن حديثه عن الأشاعرة تم فهمه بشكل خاطئ، وأنه يعي تمامًا كل ما يقوله، مؤكدا أن له مؤلفات وكتبا تُدرس في الجامعات منذ قديم الزمن.
وأشار إلى أنه أراد من كلمته تصحيح معنى المفاهيم المهمة التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية، موضحًا أنه قصد بتجاوز التراث أي يحمل معنى النسخ بمعنى استيعاب التراث في شكل جديد.
وأضاف “الخشت” في تعليقه على رد شيخ الأزهر على كلمته، أنه ليس من دُعاة هدم التراث أو حذفه، وإنما يجب مراعاة عدد من المقومات الهامة عند الأخذ بالتراث، مؤكدًا أن من يعتقد بعصمة التراث فعليه أن يُراجع نفسه جيدًا.
وأوضح رئيس جامعة القاهرة أن الجميع يُصيب ويُخطئ قائلاً: “أنا مسلم ولست أشاعري أو اتبع أي تيار آخر”، موضحًا أنه يحترم الأزهر بشدة، ويتفق معه في بعض الأمور، ويختلف في أخرى ووجه رسالة لشيخ الأزهر “احترم رأيك بشدة ولست معك في كل شيء ولست ضدك في كل شيء”.