ثلاثة أيام تفصلنا عن الأول من سبتمبر موعد تقديم حكومة هشام المشيشي إلى البرلمان للتصويت عليها، وسط جدل لا يزال متواصلا حول طبيعة الحكومة وانتماءات وزرائها والأطراف التي تقف وراء ترشيحهم للحقائب التي أسندت إليهم.
علاوة على أخطاء في الأسماء المقدمة إلى البرلمان ضمن تشكيلة الحكومة، ممّا استدعى لقاء بين الرئيس قيس سعيّد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، الذي قبل بمراجعة القائمة المقدمة للبرلمان للتصويت عليها. وأحاديث لا تنتهي عن دور الدوائر المحيطة بالرئيس التونسي قيس سعيّد في تحديد المرشحين الذين قيل أن بعضهم من زملاء سعيّد وبعضهم من تلامذته، فضلا عن خلافات أطلت برأسها من أول المشوار بين سعيّد والمشيشي، حول بعض الشخصيات المرشحة، وحول المرشح لحقيبة الشؤون الثقافية المثير للجدل، فبعد أن أعلن تعففه عن المنصب وقبول المشيشي رفضه، وتعيين شخصية أخرى مكانه، أصر سعيّد على بقائه ضمن التشكيلة الحكومية واستقبله في قصر قرطاج.
خلافات بين المشيشي وقصر الرئاسة
يرجح كثيرون وفي مقدمتهم بعض من أعلنوا تأييدهم لحكومة المشيشي، أنها لن تستمر، حتى لو منحت ثقة البرلمان يوم الأول من سبتمبر، بتعبير الأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي. وذلك للّون الفاقع لحكومة المشيشي، ودور اللوبيات سواء التابعة للنظام القديم، وأحزابه في تشكيلها، أو للأوساط المقربة من قيس سعيّد والتي يقول مراقبون أنها فرضت اسم توفيق شرف الدين وزيرا للداخلية، على المشيشي الذي تمسك في البداية بالرفض، لكن إرادة القصر كانت أقوى منه.
وأن مجموعة داخل القصر أشرفت على اختيار ثُلثي التشكيلة الحكومية والباقي عينهم المشيشي في سياق إرضاء للكتل التي ستصوت له في جلسة منح الثقة.
وتذكر بعض المصادر أن أغلب الشخصيات الموجودة في التشكيلة الحكومية ولاءها الخالص للوبيات داخل القصر الرئاسي وليس للمشيشي.
وبالتالي كما يقول البعض، سيكون وزيرا من جملة الوزراء ولن يكون رئيسا للحكومة، فلا سلطة له على أغلب التشكيلة الحكومية، وأن أمامه فرصة التدارك، لكن بعد نيل الثقة.
وكان قد سبق الإشارة إلى أن وليد الزيدي الذي تم اختياره وزيرا للثقافة، واعتذر واستبدله المشيشي لكن القصر أصر عليه، وهو ما تم له كما حدث عند الخلاف حول اسم وزير التجهيز.
حيث المكلف بتشكيل الحكومة اختار كمال الدوخ ليكون وزيرا للتجهيز، لكن القصر قرر تغيير الاسم، واختار كمال أم الزين، ثم رفض القصر تعديل الاسم حتى بعد اتصال البرلمان بعد التضارب بين القصر الرئاسي ورئيس الحكومة.
ولأن البرلمان يعتمد على الوثائق فقط، قام الرئيس قيس سعيّد باستدعاء رئيس البرلمان راشد الغنوشي لتصحيح القائمة وفق خيارات الرئاسة، وقال الغنوشي عقب اللقاء: إن من جملة ما تطرق إليه الطرفان الاضطراب الذي حصل في قائمة الوزراء المقترحين وتم تصحيح الأمر، وأشار إلى أن الخطأ بشري ومن شأن التصحيح، والكلام للغنوشي، المساهمة في تطوير العلاقة بين مؤسسات الدولة بما يخدم استقرار البلاد والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، واصفا اللقاء بـ” المثمر والجيّد”.
لاسيما وأن الحديث خلال اللقاء تطرق إلى الأوضاع الدستورية وضرورة توسيع المشاورات خاصة في ما يتعلق بتطوير القانون الانتخابي وتركيز المحكمة الدستورية
دعاية لحكومة المشيشي
يدرك أنصار حكومة المشيشي أنها غير محصنة ضد الإسقاط حتى وإن تمكنوا من جمع 109 أصوات من أصل 217 مقعدا داخل البرلمان التونسي، فبنفس العدد يمكن أن تسقط وهو رقم ضئيل إذا عرفنا حجم المعارضة داخل البرلمان والتي تضم الحزب الأول (حركة النهضة 54 نائبا) والحزب الثاني ( حزب قلب تونس 27 نائبا) والحزب الثالث (التيار الديمقراطي 22 نائبا) والحزب الرابع (ائتلاف الكرامة 19 نائبا) علاوة على أحزاب أخرى صغيرة ممثلة في البرلمان ومستقلين.
وقد بدأ حزب حركة الشعب، (16 نائبا) يدعو لهدنة سياسية واجتماعية وبرلمانية لمدة سنة يتم فيها ارساء المحكمة الدستورية وتعديل القانون الانتخابي كما طالب بذاك زعيم حركة النهضة أثناء اجتماعه بقواعد الحركة في صفاقس يوم الاحد الماضي، وقد لاقى اقتراحه المقتبس من الغنوشي كما قال أحد نواب الحركة لـ”المجتمع” قبولا لدى البعض، وتشكيكا لدى البعض الآخر نظرا لمنسوب المصداقية المتدني وفق معلقين للمغزاوي وحركته التي لا ترى نفسها خصما للاستبداد والديكتاتورية بل مبررة لها ومتماهية معها وبالتالي فإن ثقافتها الديمقراطية شبه معدومة.
محاولة للخروج من العزلة
وفي تعليقه على تصريحات المغزاوي التي لاقت تفاعلا (سلبا وايجابا) من قبل مواقع التواصل الاجتماعي وفي الوسط السياسي قال النائب عن حركة النهضة السيد الفرجاني لـ”المجتمع”: “لا يستعمر شعب الا اذا كانت لديه قابلية للاستعمار”. وتابع: المغزاوي أعلن أن حزبه سيصوت لحكومة الرئيس. ثم أضاف كلام رئيس حركة النهضة في صفاقس حول إرساء المحكمة الدستورية، وتحوير القانون الانتخابي، دون أن ينتقد تجاوزات الرئيس الدستورية .
وأضاف: لقد طلب أن تمر الحكومة مقابل الحوار بين رئيس الحكومة الجديدة مع الأحزاب بعد ذلك.. وكأن الأحزاب والبرلمان في أزمة مع المشيشي، والحال أن قيس بارتجاله حتى في كيفية تجاوز الدستور عند تشكيل هذه الحكومة يجد نفسه في مأزق حقيقي من صنع يديه ضد إرادة المكلف، وبالتالي كما والكلام للفرجاني، فإن المغزاوي بصدد إخراج حزبه من العزلة والظهور بمظهر إسداء خدمة للسيد المشيشي مع إبقاء قيس دائما في قيادة الحكومة فعليا مع رئاسة الجمهورية دون إدانة استمرار ركوب قيس بدون وجه حق على كل مؤسسات الدولة مستغلا غياب المحكمة الدستورية.
وأردف الفرجاني: إن الفرصة الذهبية لإنقاذ البلاد من براثن تغول رئيس الجمهورية، واستغلاله دور الحكم الذي يعطيه اياه. وأوضح بأن هشام المشيشي في مأزق مع رئيس الجمهورية الذي يعمل على افتراس الدولة، وفق تعبيره.
وأشار الفرجاني إلى أن المشيشي يجب دعمه والتفاعل معه من قبل الأحزاب والبرلمان في هذه الظروف الحساسة والخطيرة جدا على البلاد ونظامها السياسي واقتصادها و وضعها الاجتماعي. وذلك كما قال الفرجاني، بالتصويت لصالح حكومته مع التفاهم المسبق والبعدي لإصلاح تشكيلة الحكومة.
ودعاه لأن يكون رئيس حكومة بصلاحية دستورية كاملة تحترم رئيس الجمهورية، والبرلمان، والأحزاب طبقا للدستور.
وختم قائلا: نريد حكومة تحقق التوازن السياسي بين مؤسسات الدولة طبقا للدستور، وتقوم بعلاج المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الحارقة والاستراتيجية.
استعداد داخل البرلمان
وفي انتظار عرض حكومة المشيشي المثيرة للجدل على البرلمان، أعلن البرلمان التونسي عن إجراءات استثنائية للجلسة العامة المقرر عقدها يوم 1 سبتمبر المقبل، وذلك بالنظر للوضع الصحي وبناء على مراسلات من الجهات الرسمية المعنية بتنفيذ الخطة الاستراتيجية لمجابهة وباء كورونا.
وأعلمت الإدارة العامة للإعلام والاتصال بالبرلمان كافة الصحفيّين ووسائل الإعلام أنّه تمّ اتخاذ جملة من الإجراءات الوقائية تتمثل في إجبارية حمل الكمّامات الواقية وإلزاميّة الخضوع إلى آلات قيس الحرارة عند الدخول والتأكيد على التباعد الاجتماعي وتفادي كلّ مظاهر التجمّعات والاكتظاظ إضافة الى محاولة التخفيض في عدد الوافدين على المجلس قدر المستطاع، وذلك بالاكتفاء بممثل أو اثنين فقط عن كلّ وسيلة إعلاميّة، واعتماد التداول.