قضيتان تشغلان الساحة السياسية المحلية والدولية في السودان، فكلاهما أخذا حيزاً كبيراً في الواقع السياسي والاجتماعي ولم تكن إحداهما أخف قدراً من الأخرى.
فالفيضانات التي اجتاحت هذا البلد المنكوب أدت إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة، يحتاج الدمار الذي خلفته الفيضانات إلى ملايين من الدولارات لا تستطيع الحكومة السودانية الحالية في معالجته، في ظل ما تعانيه من أزمة اقتصادية كبيرة وتقاعس المجتمع الدولي وانشغاله في الوقت الحالي بقضايا أخرى يراها أكثر أهمية من الآثار التي خلفتها تلك الفيضانات.
وإن المعالجات الإغاثية التي تقوم بها بعض الدول قد تسد جوع أولئك المتضررين، ولكنها لن تعالج قضاياهم الأساسية وما ينتظرهم من آثار صحية أكبر مما خلفه الفيضان من دمار، فقد تؤدي تلك الآثار الصحية إلى وفيات أكثر مما خلفه الفيضان الذي كان بمثابة اختبار حقيقي لقدرة الحكومة في مواجهة الكوارث.
اللهث وراء التطبيع
حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك يبدو أنها أكثر انشغالاً بقضايا أخرى، وتركت المتضررين الذين يعانون الوبائيات وانتشار النواقل وفقدان المأوى، وذهبت للبحث عن قضية غير مخولين للبت بشأنها باعتبار أنها حكومة فترة انتقالية مهمتها مرسومة وفق وثيقة دستورية قامت بإعدادها بنفسها، وصارت تلهث وراء التطبيع المشروط والبحث عن وسيلة لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الإدارة الأمريكية التي لا ترغب واشنطن في رفعها ما لم يدفع السودان الثمن.
والثمن الذي تريده إدارة الرئيس ترمب قبل انتخابات نوفمبر المقبل الذي يبدو أشد قسوة من تلك العقوبات المفروضة على السودان.
ووفقاً لتسريبات صحفية، تريد الولايات المتحدة أن تنتهك السيادة الوطنية، وتجعل من السودان مستعمرة جديدة في زمن التحرر، تريد واشنطن و”إسرائيل” السيطرة على مياه السودان وعلى البحر الأحمر، وأن يكون السودان وطناً بديلاً لمن لا ترغب فيه “إسرائيل”.
وحسب التسريبات الصحفية، فإن ثمن التطبيع الذي سيحصل عليه السودان مادياً لن يحل مشكلة واحدة مثل مشكلات الخبز أو الوقود أو الكهرباء.
والقوى السياسية أصبحت الآن مصابة بداء الضعف السياسي، وانتقال العدوى إلى حكومة حمدوك التي جربت كل الطرق لمعالجة الأزمات دون الوصول إلى حلول؛ مما وضع البلاد بين كارثة الفيضانات وهواجس التطبيع، أملاً في الوصول إلى سودان مستقر اقتصادياً يعالج الانهيار في عملته وخفض حالة التضخم الذي أصبحت كل مؤشراته في تصاعد مستمر.