بدعوى ممارسة “الانفصالية”، أغلقت السلطات الفرنسية المدرسة الوحيدة بالعاصمة باريس التي تسمح للطلاب من جميع الأديان بحرية ارتداء الرموز الدينية.
وتسمح المدرسة لطلابها بارتداء الحجاب للمسلمين، والكيباه (غطاء للرأس صغير ومستدير) لليهود، والصلبان للمسيحيين، وغيرها من الملابس الدينية.
وفي 23 نوفمبر الماضي، أغلقت سلطات باريس مدرسة “ميو” الثانوية الخاصة، في إطار حملتها المستمرة لمحاربة ما تسميه بـ”الإسلام الراديكالي”، لتهدد المستقبل التعليمي لـ110 طلاب في منتصف العام الدراسي.
وجاء القرار بعد أيام من خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في أكتوبر الماضي، حول ما أسماه بـ”النزعة الانفصالية الإسلامية”.
وخلال الخطاب، وعد ماكرون بمزيد من الإشراف على المدارس، بدعوى انتشار مشروع سياسي ديني ينحرف عن قيم الجمهورية من خلال التلقين العقائدي.
وأدت إستراتيجية الحكومة لمكافحة “الإسلاموية” منذ عام 2017، التي تسمح للقضاء والمخابرات وأجهزة الدولة الأخرى بممارسة الرقابة، إلى إغلاق 212 مقهى وحانة، و15 مكانًا للعبادة، و4 مدارس، و13 مؤسسة خيرية وثقافية.
وكجزء من هذه الإستراتيجية، أغلقت السلطات مدرسة “ميو” الثانوية، التي قررت الاستئناف والطعن في “الادعاءات الكاذبة” ضدها، أمام المحكمة.
وتعليقاً على القرار، قالت مديرة المدرسة، حنان لوكيلي، في حديثها لـ”الأناضول”: إن اتهامهم بالانفصالية لمجرد السماح للطلاب بإظهار الرموز الدينية هو أمر “غير معقول” ويمثل “تمييزاً صريحاً”.
مزاعم ممارسة “الانفصالية”
المدرسة خضعت للتفتيش ثلاث مرات، منذ يناير الماضي، بحجة ضمان معايير السلامة في مبانيها وأعمالها الإدارية.
وبعد كل زيارة، قدمت السلطات تقارير إلى محكمة جنائية في باريس، وادعت وجود مدرسين أجانب ليس لديهم تصريح لمزاولة المهنة.
ونفت لوكيلي هذه المزاعم قائلة: إن المدرسة تضم مدرسين جزائريين وتونسيين مارسوا مهنتهم لأكثر من ثلاث سنوات في فرنسا، وتم إبلاغ السلطات بمعلوماتهم.
إلا أنه في 9 ديسمبر الجاري، أصدرت وزارة العدل وشرطة باريس بياناً مشتركاً يزعم أنه تم إغلاق المدرسة بناءً على “مكافحة الإسلام الراديكالي والانطواء المجتمعي في باريس (..) بهدف حماية الأطفال والشباب”.
وحول ادعاءات البيان، أفادت لوكيلي: اتضح لي بعد ذلك أن مدرستنا كانت مستهدفة بمزاعم الانفصالية وليس لأسباب تتعلق بالسلامة أو لأسباب فنية إدارية، لأننا سمحنا للطلاب بارتداء الحجاب وباقي الرموز الدينية.
وأوضحت أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة، اتبعت المدرسة معايير الاعتماد العلمانية بتدريس منهج تعليمي معتمد من الحكومة.
لكن قرارها بالسماح لأعضاء هيئة التدريس والطلاب بارتداء الرموز الدينية أسيء فهمه من قبل البعض، الذين اعتبروها “مدرسة إسلامية”.
ورغم أن غالبية الطلاب بالمدرسة مسلمون، فإنه تم السماح للطلاب الآخرين من مختلف الأديان بحرية ارتداء الرموز الدينية لعدم قبولهم بأي مدرسة في باريس وتعرضهم للمضايقات، بهدف مساعدتهم ودعمهم لاستكمال دراستهم.
ردود فعل الطلاب
إحسان (17 عاماً)، من بين الطالبات المسلمات، التي جذبتها طبيعة المدرسة الفريدة وسماحها بارتداء الحجاب.
وتتخصص الطالبة، في الجغرافيا السياسية، وتطمح للحصول على دراسات عليا في التنمية الدولية والعمل بالأمم المتحدة مستقبلاً.
وقالت إحسان: إن الطلاب الطموحين مثلها في فرنسا لديهم خياران؛ إما الدراسة في مدرسة عامة لا يُسمح فيها بارتداء الحجاب، أو الالتحاق بمدرسة دينية خاصة لا تقدم مواد متخصصة مثل الجغرافيا السياسية، أي الاختيار بين جودة التعليم أو اتباع التعاليم الدينية.
وأضافت أن مدرسة “ميو” كانت استثناءً لأنها تتسم بالتسامح والانفتاح الذهني وتقدم برامج قائمة على التعليم الوطني.
وأسفر قرار السلطات بإغلاق المدرسة عن حالة من الصدمة والخوف والغضب والحزن بين طلابها.
لكن إحسان قررت الرد على “الظلم” الذي تعرضت له، بإطلاق عريضة عبر الإنترنت، تطالب ماكرون بإعادة فتح المدرسة على الفور وإنقاذ مستقبل 110 طلاب.
وجاء في العريضة: إغلاق مدرستنا هو تقويض لحرية التعليم، وقبل كل شيء تدمير لسنوات من السعي والتضحية.
فيما قال فرنسيس بودفيلين، والد أحد طلاب المدرسة: إن القرار “غير مقبول وعنصري بطبيعته”.
وأضاف بودفيلين أن مدارس الجماعات الدينية الأخرى، بما في ذلك الكاثوليك والبروتستانت واليهود، تتبع أيضاً قواعد الملبس، لكن كان هناك تركيز غير مبرر على المسلمين فقط.
وأفاد بأنه إذا كان الهدف هو بالفعل الحماية من الإرهاب، فإن استهداف مدرسة بهذه الطريقة محاولة خاطئة.
ومنذ عدة أشهر، تشن السلطات الفرنسية حملة واسعة ضد كل ما هو إسلامي بالبلاد، وتقوم بإغلاق المدارس والمساجد والجمعيات الخيرية الإسلامية.
وتقول باريس: إن هذه الإجراءات تهدف لمحاربة ما تسميه بـ”الإسلام الراديكالي”، إلا أن مسلمي فرنسا (يقدر عددهم بنحو 6 ملايين)، يعتبرونها استهدافاً لدينهم الإسلامي.