فُجعت كما فجع غيري من محبيك، وما أكثر محبيك (أهلك، أصحابك، جيرانك، أهل مسجدك، زملاؤك في العمل،)، وإن شئت فقل كل من عرفك!
شهاب (أبو أحمد)..
العبد الصالح، البار، الإنسان، التقي، نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله فهو حسيبه وهو أرحم الراحمين.
خمسون سنة مضت منذ عرفته في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، عرفته في الحضر والسفر في الأفراح والأتراح، وهو هو كالمعدن النفيس الذي لا يتغير.
أما عن صلاحه، فلا أعني فقط إقامته لشعائر الإسلام كالصلاة وغيرها فالحمد لله، فهو يؤديها على أكمل وجه، وأما الذي أعنيه، الذي كان موضع عناية شهاب فهو العبادات التي يتعدى نفعه للغير كالدعاء والصدقة والسعي في حاجة الملهوف وتفريج الكربات عن الفقراء والمساكين، هذه كانت همه رحمه الله، وكان لها النصيب الأوفر منها في حياته العامرة بالخير.
أما بره بوالديه وأهله فقد بلغ الذروة.
ومن ذلك كان من بره بوالدته، رحمها الله تعالى عندما تخصص في طب العيون ولما تحتم عليه السفر للخارج ورأى في ذلك مفارقة لوالدته وهي تعاني من المرض الذي يلزمه تواجده بقربها غيَّر تخصصه واختار تخصصاً يسمح له بالبقاء بجانبها للعناية بها؛ فاختار طب الأمراض المعدية.
أما بره بوالده العم أحمد شهاب، رحمه الله تعالى، فقد كان شهاب ولده البكر، فكان له الابن الوفي والرفيق الأنيس، يبدأ يومه وينتهي معه، لم يكن بره به فقط الحب والطاعة والخدمة والصلة، بل تعدى ذلك إلا معنى دقيق؛ أحب ما يحب والده، بل طوَّع رأيه ليكون قريباً من رأي والده في كل شيء، فهو قبل أن يبدي رأياً بحضور والده ينظر في عينيه ويستشف مكنونات نفسه ليكون رأيه قريباً منه غير مخالف له، في شتى مناحي الحياة، أما في أمور الدين فكان العم بو شهاب سمحاً هيناً ليناً يدور مع الحق حيث كان، ولعل من أبلغ صور هذا البر أنه أحب ما يحب والده، فإذا علمت أن والده نوخذة ابن نوخذة يحب البحر وأهله، وهكذا كان شهاب، فكان يصحب والده فجراً في أيام الصيف للسباحة معاً يتذاكر معه الماضي الجميل، كما أحب وأكرم أصحاب أبيه من نواخذة البحر وداوم على زيارتهم، بل أكثر من ذلك؛ أدمن قراءة كتب التراث البحري، وكثيراً ما كان يوصينا بكتابي “أبناء السندباد: ترجمة نايف خرما”، و”الفلكلور البحري” للدكتور يعقوب الحجي.
ولعل من أبرز صور بره بأبيه أن شهاب لما علم بمرضه قبل 9 سنوات تقريباً، وذلك في حياة والده، كان شغله الشاغل الذي يقلقه كيف يخبر والده بذلك، وكيف يفاتحه بموعد سفره للعلاج، وهو يعلم مقدار حزنه وألمه، فكان يبدأ بمقدمات وعلى فترات متباعدة، حتى يجد المسوغ والعبارة اللطيفة على قلب والده، وكان في أيام مرضه الأخيرة واشتداد الآلام عليه كان الذي يخفف عليه أن والده لم يكن حاضراً ليشهد هذا الفصل الأخير الحزين من حياته.
أما عن أولاده، حفظهم الله، فقد أنبتهم نباتاً حسناً على الدين والخلق وحب الخير للناس، نالوا أرفع الشهادات وتبوؤا المكانة اللائقة بهم في المجتمع، وكان مما يتعاهده بهم والدهم رحمه الله أن يخطط لهم في العطل الصيفية برامج تصقل هواياتهم وتربطهم بمجتمعهم، يصحبهم لزيارة المتاحف والمراكز الثقافية، وقد رافقته مرة في زيارة لصندوق التنمية العربي في الشويخ.
وأما شهاب الداعية، فإنه قد أحب الدعوة ومارسها وأحب الدعاة وشاركهم على اختلاف مشاربهم، وإن ترجح لديه اجتهاد بعضهم، إلا أنه كان على صلة مع الجميع، وقد نال ثقة وحب الجميع.
أما شهاب الإنسان، فكل من عرفه عن قرب لمس فيه هذا الجانب واضحاً، فبالرغم من تفوقه في مجال تخصصه وبروزه في عمله، فإنه كان يرفض المناصب الإدارية، كما أنه عزف عن العمل في مراكز الطب الخاصة تحرزاً عن البعد المادي وتمسكاً بالجانب الإنساني للمهنة، وكذلك كان نعم الصديق لمرضاه؛ فيعامل الجميع دون النظر لمنصب أو جنسية، فالكل في مستشفى الأمراض السارية؛ الإداري والطبيب والعامل، ما إن يسمع أنك من طرف شهاب حتى يسرع لخدمتك دون توصية منه.
إنه الطبيب الإنسان، سافر إلى باكستان في الثمانينيات من القرن الماضي لعلاج جرحى المجاهدين الأفغان، وكذلك رافق د. عبدالرحمن الصميط في سفراته إلى أفريقيا لعلاج الفقراء، وهنا في الكويت كان لديه قائمة بكبار السن من الرجال والنساء يمر عليهم بعد انتهاء عمله في المستشفى لعلاجهم في منازلهم.
لن أتكلم عن معروفه عليَّ وعلى أسرتي، فإن أياديه البيضاء قد غمرتنا بعطفه ولا يمكن حصرها، ولن أوفيه حقه مهما قلت، ولكن عهداً ووفاءً أن يكون لك النصيب الأوفر من الدعاء صباح مساء وفي مواطن الخير إن شاء الله ما حييت.
رحمك الله يا أبا أحمد وأسكنك، الفردوس الأعلى بمنه وكرمه مع من تحب، وإنا لله وإنا إليه راجعون.