مع استمرار السلطات الصينية ممارساتها القمعية بحق الأويغور في تركستان الشرقية أو شينجيانغ كما تطلق عليها بكين، يسعى مواطنو الأويغور في تركيا لإيجاد سبل لمعرفة أوضاع أقاربهم هناك والاطمئنان على سلامتهم.
في هذا السياق، أجرت الاناضول مقابلات مع أشخاص من الأويغور الذين تربطهم مع تركيا روابط عرقية وثقافية ودينية، حيث سردوا جانب من حياتهم وتجاربهم في الصين.
قرر أليمجان توردينياز أن يغادر موطنه، بعد أن احتجزت السلطات الصينية ابنته البالغة من العمر خمس سنوات.
بدأ توردينياز في سرد حكايته قائلا: “كانت ابنتي الكبرى تبلغ 5 سنوات فقط عندما احتجزت من قبل السلطات الصينية في صيف 2012 بسبب حضورها مدرسة صيفية دينية”.
وبالرغم من ذلك، يشعر توردينياز بأنه محظوظ حيث تمكن من استعادة ابنته من السلطات الصينية مقابل رشوة.
يعيش توردينياز (45 عاما) في مدينة إسطنبول منذ أكثر من 8 سنوات مع زوجته وبناته الثلاث، لكن قلبه مثقل بالاشتياق لعائلته وأقاربه في إقليم شينجيانغ غربي الصين، والمعروف أيضا باسم تركستان الشرقية.
الإقليم هو موطن لأكثر من 10 ملايين أويغوري، ولطالما وجهت المجموعة المسلمة، التي تشكل حوالي 45% من سكان شينجيانغ، الاتهامات إلى السلطات الصينية بالتمييز الثقافي والديني والاقتصادي.
في 22 ديسمبر/ كانون الأول، تجمع ما يقرب من 100 شخص بشكل سلمي أمام القنصلية الصينية في إسطنبول، واحتجوا لمدة 18 يوما مطالبين التأكد من سلامة عائلاتهم الذين لم يتمكنوا من التواصل معهم منذ 2017.
قال توردينياز للأناضول: “أخي الكبير، وأختي الكبرى وزوجها وطفليهما، وصهر أختي الكبرى الأخرى، بالإضافة إلى صديق لي، موجودون جميعا في معسكرات الصين التي تعرف باسم معسكرات إعادة التثقيف السياسي”.
وأضاف أن السلطات الصينية زارت منازل جميع عائلات الأويغور في شينجيانغ عام 2016، ونصحتهم بالحصول على جواز سفر وزيارة عائلاتهم في الخارج.
وتابع قائلا: “لم نكن نعلم أن ذلك كان فخا، فكل من سافر للخارج هذا العام وما بعده، موجود الآن في المعسكرات أو مكان آخر لا نعرفه”.
وبحسب توردينياز، تم تجنيد بعض الأويغور لعمل في المصانع الصينية قسرا.
** التشبث بأمل
في محاولات لمعرفة أي شئ عن عائلاتهم، قال توردينياز إنهم يتصفحون منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك” و”فيسبوك” لمعرفة إذا كان بإمكانهم “لمح” عائلاتهم في تسجيلات الفيديو.
وفي حديثه عن أخيه الأكبر، قال “تلقى أخي الأكبر نورميميت تعليمه في الصين، وعمل هناك أيضا، ولم يكن بحاجة أن تمنحه الحكومة وظيفة أو تعليم، ومع ذلك اكتشفنا لاحقا أنه احتجز بسبب لحيته”.
وتم نقل شقيقة تورديناز، حليمة، وزوج أخته، عثمان روزي، وطفليهما إلى المعسكرات، بينما بقى شقيقه الأصغر، إلزات علي، مجهول المصير.
وبصفته رجل أعمال في تركيا، عمل تورديناز في التجارة بين الصين وتركيا حتى عام 2017.
قال تورديناز “عمل معي أخي إلزات محاسبا من عام 2013 وحتى 2017، ولكنه عاد إلى بلدنا بعد أن علمنا بمرض والدتنا، وبمجرد وصوله تم اعتقاله، ولا نعرف ما إذا كان في معسكر أو سجن، أو مكان آخر”.
وأكمل وهو غير قادر على كبح أنينه: “لا يمكنني حتى الاتصال بهم، فلا أريد أن أضع أقاربي الباقين في مأزق، حتى أنني اكتشفت وفاة والدتي من الآخرين، ولا أعرف ما إذا كان إخوتي أو أخواتي أو أقاربي الآخرين أحياء أم أموات”.
** غير قادرين على الاتصال بعائلاتهم
وصلت أمينة وحيت، (39) عاما، إلى تركيا في مارس/ آذار 2015 مع طفليها، ومثل توردينياز، عملت أمينة أيضا في تصدير واستيراد البضائع من وإلى الصين حتى عام 2017.
وذات صباح تحطم عالم أمينة عندما لم تتمكن من الوصول إلى أفراد أسرتها عبر تطبيق المراسلة الشهير “وي تشات” الصيني، وقالت إنها لم تعد قادرة على استخدامه لأن كل من تعرفهم أزالوا التطبيق، ولم يتواصلوا مع أي شخص بالخارج.
وقالت أمينة للأناضول: “في يوليو/ تموز 2016، اكتشفت أن السلطات الصينية احتجزت أخي الأكبر، وبعد فترة قصيرة تم احتجاز أختي الكبرى وأخي الآخر أيضا”.
وبعد أن ذكرت زيارتها الأخيرة إلى موطنها شينجيانغ، وصفت أمينة عودتها إلى تركيا بأنها “معجزة مطلقة”.
وقالت: “كان علي أن أذهب إذ كان لدي عمل هناك، وبيت أردت بيعه، لكن لم أتمكن من فعل ذلك”.
وتم نقل شقيقة أمينة في البداية إلى المخيمات عام 2016، واحتجزت هناك لمدة 3 أشهر، ثم أطلق سراحها بسبب تدهور حالتها الصحية.
وأضافت: “عندما كنت هناك، قابلت أختي سرا في المستشفى، وأخبرتني أن أغادر البلاد فورا قبل أن تحتجزني السلطات الصينية أيضا، وبذلك قمت بجمع كل أشيائي في ليلة واحدة، وغادرت في أول طائرة إلى تركيا”.
وفي حديثها عن المعسكرات، قالت أمينة إن شقيقتها وصفتها بأنها “كابوس”، حيث يتم احتجاز نساء تتراوح أعمارهن بين 16 و 70 عاما.
وتابعت أمينة نقلا عن أختها: “كانوا يجبرونا كل صباح على الركض لمدة ساعة، بما في ذلك نساء مسنات لم يكن بمقدورهن حتى المشي”.
وأضافت: “يقدم لهم خبزا في الصباح، وحساء في الظهيرة، وخبزا مرة أخرى في الليل”.
وأردفت: “على الشخص أن يركع ويشكر حكومة الصين ويغني أغنية الحزب الشيوعي للحصول على هذا الطعام غير الكافي”.
وبحسب أمينة، تتلقى النساء في المخيمات معاملة سيئة، ويجبرن على النظر إلى حياتهن السابقة “كأنها خطيئة ويجب التوبة عنها”.
واحتجزت شقيقتها مرة أخرى في 2017، ومنذ ذلك لم تتمكن أمينة من معرفة ما حدث لشقيقتها أو شقيقيها.
وتم توجيه الاتهامات إلى الصين على نطاق واسع بوضع الإيغور في معسكرات، وأفادت تقارير أن السلطات الصينية تقوم بعمليات “تعقيم قسري” لنساء الأويغور.
وتعرضت سياسة بكين في شينجيانغ لانتقادات واسعة النطاق من جماعات حقوقية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية و منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية، ووجهت اتهامات إليهم بنبذ 12 مليون من الإيغور في الصين، معظمهم من المسلمين.
يعيش ميرزا أحمد إلياس أوغلو (39 عاما) في تركيا منذ 2007، وحصل لاحقا على الجنسية.. وتلبية لتطلعات أبيه الراحل حصل على شهادته الجامعية في الصين، ثم أكمل دراساته العليا في تركيا.
عام 2014، دعا إلياس أوغلو أخيه ووالدته للقدوم إلى تركيا، حيث زاروا الأماكن السياحية في اسطنبول، لكن فيما بعد أصبحت هذه الزيارة كابوسا على عائلته، عندما احتجزت السلطات الصينية أخيه في 2017 بسبب سفره إلى تركيا.
قال إلياس أوغلو وهو غارق في دموعه “أخبرونا أن المعسكرات هي مدارس مهنية، لم نعرف أي شئ عن عائلاتنا منذ 3 سنوات، أو إذا كانوا أحياء أم أموات، أدركنا حينها أن هذه كانت بعيدة كل البعد عن كونها مدارس”.
اكتشف إلياس أوغلو لاحقا أن صهره عبد الرحمن كويروانجين تم احتجازه أيضا في المعسكرات مع 4 أصدقاء آخرين.
وقال بينما يحاول التماسك: “أنا لست مسجونا، ولكني أشعر بما يشعرون به، فمن خلال هذه المعسكرات ترتكب الصين جرائم شنيعة”، ثم انفجر في البكاء.
وأكمل: “على الرغم من ادعاء الحكومة الصينية دائما بأن إقليم شينجيانغ هو جزء من الصين، إلا أنها لا تتعامل مع من هناك كأنهم مواطنون لها”.
وقال إلياس أوغلو وهو يرتجف من الأسى: “مات صديق لي تخرج من جامعة في تركيا في تلك المعسكرات”، وأعرب عن خوفه على حياة أفراد أسرته وأصدقائه.
** استغاثة دولية
طالب كل من توردينياز وأمينة وإلياس أوغلو المجتمع الدولي ودول العالم والمنظمات الإنسانية بالتحدث عن الظلم والمعاملة اللاإنسانية التي يتلقاها مسلمي شينجيانغ من الحكومة الصينية.
وأكد إلياس أوغلو على أن :”الصمت ضد الاضطهاد هو ببساطة دليل على الموافقة عليه”.
وأعرب عن ترحيبه بالتقرير السنوي لعام 2020 للجنة التنفيذية بالكونغرس المختصة بالشأن الصيني، إلا أنه قال إن البيان جاء متأخرا.
وذكر التقرير الأخير الصادر عن اللجنة أن الصين ارتكبت “جرائم ضد الإنسانية وربما إبادة جماعية” ضد الأيغور والأقليات المسلمة الأخرى في إقليم شينجيانغ.
كما أفاد التقرير أن: “الحكومة الصينية تعمل عن قصد على تدمير عائلات والثقافة الدينية للأويغور والأقليات الأخرى”.
ووفقا للجنة التنفيذية بالكونغرس المختصة بالشأن الصيني، هناك أدلة جديدة على سياسة منهجية واسعة النطاق للتعقيم القسري وقمع المواليد من الأويغور وغيرهم من الأقليات، كما أن هناك أكثر من نصف مليون طفل في سن المدرسة، والذين تم فصل العديد منهم قسريا عن عائلاتهم.
كما ذكر التقرير أن: “كل هذا يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند تحديد ما إذا كانت الحكومة الصينية مسؤولة عن ارتكاب جرائم مروعة، بما في ذلك الإبادة الجماعية، ضد الأويغور والكازاخيين وغيرهم من الأقليات العرقية ذات الغالبية المسلمة في الصين”.
وتنضم ميديني نظيمي (37 عاما) إلى توردينياز وأمينة وإلياس أوغلو، وتحكي قصتها المليئة بالخوف على عائلتها وخاصة أختها مولودي هلال (34 عاما).
تعيش ميديني في تركيا منذ عام 2009، وحصلت على الجنسية التركية، لكنها لا تعرف أي شيئ عن أختها منذ أكثر من عامين.
درست مولودي في تركيا وتحمل الجنسية التركية أيضا، ورغم ذلك لم تسلم من الاعتقال، إذ احتجزتها السلطات الصينية عام 2017 وتم إطلاق سراحها في 2019، ولكن بعد فترة وجيزة من إطلاق سراحها، تم إجبارها على ترك ابنتها التي كانت تبلغ من العمر عامين تقريبا آنذاك، وتم أخذها إلى المعسكرات مرة أخرى في 2019.
وقالت ميديني إنهم لا يعرفون منذ ذلك الحين ما حدث لأختها، وأكملت وهي غارقة في دموعها: “ابنة مولودي تبلغ من العمر أربع سنوات الآن ولا تعرف والدتها ولا تتذكر رائحتها”.
وفقدت الأختان والدتهما في 2019، بعد فترة قصيرة من اعتقال مولودي.
وتتوسل ميديني للحكومة التركية ووزارة الخارجية لمعرفة مصير أختها ولم شملها مع ابنتها في تركيا التي يحملون جنسيتها.
وأضافت: “لم تعد المواساة كافية لنا، وكل ما أريده هو عودة أختي إلى تركيا مع ابنتها”.
وتابعت: “رغم أنني أعيش في بلد حر، إلا أنني لا أشعر بالحرية، فمع مرور الأيام دون معرفة حالة أختي، لا أشعر أنني حرة”.
وقدم تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية 2018 تفاصيل حملات الحكومة الصينية “للاعتقال التعسفي الجماعي والتعذيب والتلقين السياسي القسري والمراقبة الجماعية لمسلمي شينجيانغ”.
وبالرغم من ذلك، نفت الصين مرارا وتكرارا أنها تدير معسكرات اعتقال، وبدلا من ذلك تدعي أنها “تعيد تعليم” الأويغور.