رغم أنه سعى للتقرب من المسلمين الأمريكيين الذين أعطى أغلبهم (70%) أصواتهم له في الانتخابات، واستشهد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد “جو بايدن” لم تضم حتى الآن أياً من المواطنين المسلمين في مناصبها الرفيعة.
بايدن لم يكتف بتعيين 11 يهوديا حتى الآن في إدارته لكنه لفت الأنظار باتباع طقوس مسيحية عتيقة في حفل تنصيبه مثل القسم على الإنجيل، وزيارة كنيسة، وبدء ولايته بالصلاة، وإحضار قس يصلي بعائلته، وفي خطاباته تحدث عن القيم المسيحية، ولا يرى أحد في ذلك تدخلا للدين في السياسة.
11 يهوديا في إدارته
صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” العبرية، قالت في تقرير نشرته 21 يناير 2021، إن بايدن عين 11 يهودياً وإن الكثير من وزراء الحكومة والمساعدين والمستشارين من اليهود، وبعضهم في مناصب مهمة جدا مثل وزير الخارجية الذي افتتح ولايته بالتأكيد أن “القدس ستبقى عاصمة لإسرائيل” كما فعل ترمب!
التكهنات تشير إلى أن هؤلاء الوزراء اليهود سيكونون في خدمة “إسرائيل”؛ فأنتوني بلينكن وزير الخارجية هو يهودي ربيب أحد الناجين من المحرقة النازية التي شكلت قصصها نظرة بلينكن للعالم؛ وبالتالي ستؤثر في قراراته السياسية، وضمن ذلك تجاه الشرق الأوسط.
وهو يحمل وجهات نظر الديمقراطيين السائدة حول “إسرائيل”، والتي تؤكد الحفاظ على أمنها، وتفوقها على العرب، وقال خلال جلسة التصديق على تعيينه 19 يناير 2021: إن “القدس عاصمة لإسرائيل”، وإنه سيتشاور مع “إسرائيل” بشأن سياسة إيران النووية، ويتوقع أن يكون هو عين “إسرائيل” المدافعة عن بعض الأنظمة الديكتاتورية في العالم التي تصادقها تل أبيب وتدافع عنها.
التكهنات تشير إلى أن هؤلاء الوزراء اليهود سيكونون في خدمة “إسرائيل”
أيضا “ديفيد كوهين” نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، منخرط منذ فترة طويلة في القضايا والمسائل اليهودية، وداعم قوي لـ”إسرائيل”؛ ما يعني أن وكالة الاستخبارات المركزية التابعة لإدارة بايدن قد تعمل لصالح “إسرائيل” وخدمة قضاياها.
وهناك “ميريك غارلاند” وزير العدل الذي حرص في خطاب ترشيحه أمام الكونجرس على نسب الفضل إلى “أجداده اليهود الذين فروا من معاداة السامية في أوروبا قبل مجيئهم إلى الولايات المتحدة”.
و”أفريل هاينز” مديرة المخابرات الوطنية، التي كانت نائبة مدير وكالة الاستخبارات المركزية في عهد أوباما، وكانت والدتها هي الرسامة اليهودي أدريان رابين وكتب والدها غير اليهودي ذات مرة في رواية، عن رحلة مع ابنته إلى “إسرائيل” التي علم خلالها أنها يهودية.
أما “رونالد كلاين” كبير موظفي البيت الأبيض فهو مساعد بايدن منذ فترة طويلة ويحافظ على علاقاته مع المعبد اليهودي في منطقته منذ طفولته في إنديانابوليس، وتعلم أجزاء متعددة من التوراة من أجل احتفال بار متسفا (حفل يهودي يقام عند البلوغ)، وتحدث عن التزامه بتربية أطفاله على أصول الديانة اليهودية.
وهناك أيضا “إريك لاندر” مدير مكتب سياسات العلوم والتكنولوجيا، وهو مدافع عن “إسرائيل”، وما يقول بأنه العداء للسامية الموجه لها، و”راشيل ليفين” مساعدة وزير الصحة التي نشأت بمنزل يهودي محافظ في ماساتشوستس.
و”أليخاندرو مايوركاس” وزير الأمن الداخلي، وهو من مواليد كوبا لأب يهودي كوبي وأم يهودية رومانية نجت من الهولوكوست، وعمِل من كثب مع الجماعات اليهودية، وتحدث كثيراً عن التهديدات المحددة التي تواجه اليهود الأمريكيين.
أيضا من أعضاء إدارة بادين “آن نيوبرغر” مديرة الأمن السيبراني بوكالة الأمن القومي، وهي يهودية أرثوذكسية تنحدر من بروكلين، وتلقت تعليمها الجامعي بالمدارس الأرثوذكسية، و”ويندي شيرمان” نائبة وزير الخارجية التي تدعو إلى الاتفاق مع المجتمعات اليهودية والمؤيدة لـ”إسرائيل” فيما يخص أي قضايا أمريكية مثل الاتفاق النووي مع إيران، و”جانيت يلين” وزيرة الخزانة التي لا تقل عنهم يهودية وتفتخر بأصولها.
لماذا لم يعين مسلمين؟
خلال حملته الانتخابية، تحدث بايدن لمسلمي أميركا -في رسالة مصورة إلى منظمة الحقوق المدنية (Muslim Advocates) –تعهد فيها بالعمل معهم “لنزع سم الكراهية من مجتمعنا، ولتكريم مساهماتكم ودعم أفكاركم”، وأضاف “ستبدو إدارتي مثل أميركا، حيث يُمثل الأميركيون المسلمون في كافة المستويات”، لكنه لم يفعل حتى الآن!
والغريب أن يتجاهل بادين تعيين أي مسلم حتى الآن رغم فوز 5 مسلمين في انتخابات الكونجرس، وفوز 22 نائبا منهم على مستوى الولايات، و6 على مستوى المقاطعات، وفاز 13 مسلما بمقاعد بلدية، وترشح 6 منهم لمناصب قضائية فاز منهم 4 قضاة.
وأثناء الانتخابات، وفي 20 يوليه 2020، ظهر بادين في فيديو موجه لمسلمي أمريكا يطلب دعمهم، ويستشهد فيه بحديث للرسول صلى الله عليه وسلم، وخلال مناظرة مع ترمب ظل يسخر منه مستخدما عبارة “إن شاء الله”، كنوع من السخرية أن ترمب لن يفعل عندما كان الأخير يعد بالكشف عن سجلاته الضريبية.
جو بايدن اختار حينئذ حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “مَن رأى منكم منكراً فليغيره”، ليخاطب المسلمين كي يغيروا معه حكم ترمب باعتباره منكرا، وخاطب الأمريكيين المسلمين من أبناء البلد والمهاجرين خلال أيام الحملة، واعداً بدعمهم، وإلغاء قرارات فرضتها إدارة ترمب الجمهوري على المسلمين في اليوم الأول لإدارته.
وقال بایدن في مقطع الفیدیو: “سأدرج الأصوات الأمريكية المسلمة كجزء من إدارتي، إذا كان لي الشرف بأن أكون رئيسا؛ فسوف أنھي الحظر المفروض على المسلمين من اليوم الأول”، وتابع قائلا: “الجالیات المسلمة ھي أول من شعر بهجوم دونالد ترمب على جالیات السود والسمر في ھذه الدولة من خلال حظره السيئ للمسلمين.. تلك المعركة ھي افتتاحية لأربع سنوات من الضغوطات والإهانات المستمرة والھجمات ضد الجالیات الأمريكية المسلمة”.
وخلال خطابه الخاص للمسلمين الذي نُشر على موقع حملته على الإنترنت تحت عنوان “قمة مليون صوت مسلم”، استضافتها منظمة الدعوة “Emgage Action” لتعبئة الناخبين المسلمين، وعدهم بإلغاء كل القيود التي فرضها ترمب، وإعطاء المسلمين حقهم الطبيعي في العيش في كل الولايات الأمريكية، ما وفر فرصة قوية للتصويت القياسي في الانتخابات، أغلبها لصالح بايدن لتغيير الواقع البائس لهم الذي حاول فرضه ترمب عليهم.
ووعدهم جو بايدن بالاهتمام بحقوقهم وإيلاء الأهمية لظاهرة الإسلاموفوبيا “التي ساهم في صعودها سياسات ومواقف الرئيس دونالد ترمب”، حسبما قال، كما وعدهم بإلغاء حظر السفر، وتحقيق العدل للمسلمين الأمريكيين، الذين عانوا من خطاب الكراهية لمدة 4 سنوات، خلال حكم ترمب.
وعلى مستوى “الحكام الديكتاتوريين” في العالم العربي والإسلامي، وعد بايدن مسلمي أمريكا أيضا “ألا يكتب خطابات للدكتاتوريين، وسيسعى إلى وضع القيم الديمقراطية والدبلوماسية الأمريكية عبر العالم، والحديث بصوت عال عن انتهاكات حقوق الإنسان والاستهداف العنيف والملاحقة للأقليات المسلمة عبر العالم”، بل وسيحل الأزمات في سوريا وغزة واليمن.
ويخشى المسلمون أن يكون بادين نسخة باهتة من أوباما الذي وعد في حملته الانتخابية بنفس الوعود تقريبا
واعتاد الأمريكيون المسلمون على سماع الخطب والوعود من المرشحين للانتخابات الأمريكية، باعتبارهم كتلة انتخابية، دون أن يتحقق الكثير من هذه الوعود، بسبب اعتبارات عديدة تتحكم في القرار الأمريكي الداخلي.
ويخشى المسلمون أن يكون بادين نسخة باهتة من أوباما الذي وعد –مثل بايدن– في حملته الانتخابية بنفس الوعود تقريبا، ولم ينفذ أغلبها، ويقولون إن مرشحي الحزب الديمقراطي كثيرا ما يعدون وعودا براقة لجذب تصويت الأقليات في أمريكا، ولكن المرشح الديمقراطي يظل يعد على مدار فترة رئاسته دون تنفيذ.
وتلخص صحيفة لوس أنجلوس تايمز مطالب المسلمين من بادين في عنوان لتقرير لها 8 نوفمبر 2020 قائله: “يريد الناخبون المسلمون أكثر من مجرد “مقعد” على طاولة الرئيس المنتخب جو بايدن”، وتنقل عن يوسف شهود -الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة كريستوفر نيوبورت بولاية فرجينيا- قوله إن أنشطة التوعية للمنظمات الأمريكية المسلمة أدى إلى إقبال تاريخي، و”الآن يتوقعون نوعًا من الصوت لهم، نوعًا ما من التمثيل، ومراعاتهم ليس فقط في القرارات المتعلقة بالمكان الذي يعيش فيه المسلمون ولكن أيضًا فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية ككل”.
لا يبدو بالتالي هناك شيء مضمون فيما يخص تعهدات بايدن سوى أن يستمر تحالف المسلمين مع باقي الأعراق والأديان الذي لعب دورا كبيرا في حسم الانتخابات، في فترة ما بعد الانتخابات وتولي بايدن، والضغط عليه لتحقيق مطالب جماعية للأقليات يستفيد منها المسلمون، وأن يلعب مسلمو الكونجرس بالتعاون مع مرشحي الأقليات الآخرين والمناصرين لقضاياهم في تقديم القوانين التي تحقق مصالحهم، وممارسة ضغوط مستمرة على إدارة بايدن لتنفيذ تعهداتها.