بعد لحظات من وصوله إلى البيت الأبيض جو بايدن دعا الرئيس الأمريكي الجديد لفرض حصول القادمين إلى بلاده على شهادة الخلو من فيروس كورونا المستجد قبل خروجهم من بلادهم ثم الخضوع للحجر الصحي لدى وصولهم إلى بلاده. كما تدرس بريطانيا أيضا تشديد الإجراءات على الدخول إلى أراضيها.
وتقول المحللة الاقتصادية كلارا فيريرا ماركيز في تقرير نشرته “بلومبيرج” إنه رغم أن مثل هذه الإجراءات الوقائية طال انتظارها فإنها في الوقت نفسه تعتبر إقرارا بأن عودة رحلات السفر الخالية من المشكلات مازالت على بعد عدة أشهر من الآن. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن فيروس كورونا المستجد لا يزال ينتشر بسرعة مع ظهور سلالة جديدة أسرع انتقالا وقد تكون أشد فتكا في حين لا يواكبها تقدم في توفير اللقاحات المضادة.
وإلى جانب ذلك فإنه في حين تتعلق آمال كبيرة بوجود ما يسمى بجواز سفر التطعيم أو المناعة الذي يدل على أن حامله إما حصل على تطعيم ضد الفيروس أو لديه مناعة بفضل تعافيه من المرض فما زالت الأبحاث والدراسات غير قادرة على تحديد شكل هذا الجواز الذي يمكن الاعتماد عليه. ويرى كثيرون أن هذا الجواز يمكن أن يكون نسخة رقمية من شهادة التطعيم القديمة ضد الحمى الصفراء التي كان يتم تدبيسها في وثائق السفر. وهذا التصور يعتبر حلا مألوفا وبسيطا لكنه ليس الحل الأفضل.
وتضيف ماركيز أن مثل هذا النوع من التصاريح أو جوازات المرور الصحية سيصبح جزءا من حياتنا في السنوات القادمة لسبب بسيط هو أنه لن يكون هناك عودة إلى الوضع السابق على تفشي الجائحة وإن حدثت العودة فلن تكون في وقت قريب.
وهناك بالطبع اعتراضات صحيحة على فرض مثل هذا النوع من جوازات المرور تتعلق بحماية خصوصية المواطنين واحتمالات ممارسة التمييز ضد فئات معينة على أساس بيانات هذا الجواز ولحسن الحظ فإن التكنولوجيا الجيدة والسياسة السليمة قادرة على التغلب على كلا التخوفين.
كما لاحظت مجموعة من الباحثين في دراسة نشرتها مجلة لانسيت الطبية المرموقة في نوفمبر الماضي فنادرا ما يعد تباين الخبرات والتجارب سببا وجيها لمنع الحصول على الرعاية الصحية. ولا يجب أن يزيد عدد المتضررين من التدابير السليمة لحماية الصحة العامة عن الحد الأدنى التي تفرضه هذه التدابير،بحسب ماركيز.
ولحسن الحظ أيضا فإنه لدى الحكومات الآن الوقت الكافي للتركيز على سبيل المثال على تلبية احتياجات الفئات التي غالبا ما تكون مهمشة أولا وليس أخيرا وتسريع حصول هذه الفئات على جرعات اللقاح وضمان أن المبادرات تسهل ولا تصعب الحصول على هذه اللقاحات.
وعلى صعيد البيانات الشخصية هناك بالفعل تطورات مشجعة. ويمكن اعتبار تكنولوجيا “كومن باس” التي يدعم تطويرها المنتدى الاقتصادي العالمي ومبادرة كومنز بورجيكتس غير الهادفة للربح من أجل تطوير تكنولوجيا للاستخدام العام أداة تسمح لأي شخص معرفة ما إذا كان يلبي كل الاشتراطات الخاصة بالسفر إلى البلد الذي يريده أما لا.
في الوقت نفسه فإن هذه التكنولوجيا تقلل بشدة المعلومات الشخصية المطلوبة ويتم تخزينها على الهاتف الخاص بالشخص أو لدى مصدر هذه المعلومات. ولا يعني وجود “جواز السفر التطعيم” هذا أننا أصبحنا على وشك العودة إلى حركة السفر الطبيعية عبر حدود الدول. أن جوازات المرور هذه على وشك دفعنا جميعا إلى التحرك مرة أخرى.
فالمشكلة الأولى كما يقول ليونيل لوران الكاتب والمحلل في “بلومبيرج” تكمن في أنه مازال عدد الأشخاص المؤهلين للحصول على هذا الجواز سواء ممن حصلوا على التطعيم أو على المناعة بعد تعافيهم من المرض قليلا. وتوفير جرعات اللقاح يتم ببطء شديد.
والمشكلة الأولى هنا كما أوضح لوران أنه ببساطة لا يوجد عدد كاف من الأشخاص الذين جرى منحهم اللقاح على نحو يسوغ هذا الجهد وجعله مهما. فالجرعات تأتي ببطء شديد. لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أننا نفتقر إلى الكثير من المعلومات المطلوبة لكي تكون هذه الجوازات بديلا للحجر الصحي وحظر السفر.
إذ مازلنا لا نعرف ما يكفي عن فعالية جميع اللقاحات التي سيتم توفيرها على نطاق واسع ولا نعرف بالضبط إلى متى تستمر الحماية التي يوفرها اللقاح. كما أنه ليس لدينا معلومات كافية حول ما إذا كان التطعيم يحد من انتقال العدوى أو يقضي عليها تماما. في المقابل فإن “جواز سفر التطعيم” سيساعد بشكل ما في نهاية المطاف على إعادة فتح الاقتصادات وعودة حركة السفر والحد من لعنة الإغلاق والحجر الصحي.
ورغم أن التطعيم قد يكون هو المعيار العالمي لتحديد الأشخاص المسموح لهم بالسفر والحركة ورغم أن حصول الشخص على المناعة ستكون الحل الأمثل فإنه ستظل هناك الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات لتجنب خلق شعور زائف بالأمان والعواقب غير المقصودة.
وإلى أن نفعل ذلك من المتوقع أن نواصل في القرن 21 محاولة السيطرة على حركة الفيروس بطرق مختلفة قليلا عن الطريقة التي استخدمها أهل فينيسيا في القرن 14. وقد نجد أنه يمكن تمديد فترة الحجر الصحي للوافدين الجدد كما حدث في هونج كونج ويتم دراسته في نيوزيلندا لمنع دخول الحالات التي تستغرق فترة حضانة أطول للفيروس. وعلى الأقل أصبحنا نعرف أن العزلة فعالة في الحد من انتشار المرض.