قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن: إن بلاده تستحق دستورًا أفضل لكل المواطنين، يكون منارة تحقق القضاء على جميع محاولات التدخل غير الديمقراطية في الحياة السياسية وعلى رأسها الانقلابات العسكرية.
جاء ذلك في مقابلة لقالن، بمناسبة حلول الذكرى السنوية الـ 24 لانقلاب 28 فبراير 1997 (انقلاب ما بعد الحداثة) في تركيا، الذي أدى لإجبار رئيس الوزراء آنذاك نجم الدين أربكان على الاستقالة من حزب الرفاه وإنهاء حكومته الائتلافية.
ومؤخراً، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الوقت حان من أجل دراسة دستور جديد لتركيا، وفي أعقاب ذلك أيد زعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي الخطوة، مؤكدا حاجة تركيا لدستور جديد.
وأشار قالن إلى أهمية أن يكون الدستور الجديد الذي ستجري مناقشته في البرلمان بمثابة سد منيع أمام الانقلابات العسكرية التقليدية أو انقلابات ما بعد الحداثة، وغيرها من محاولات التدخل بالحياة السياسية من خلال وسائل غير ديمقراطية.
وشدد على أن كل انقلاب عسكري شهدته تركيا ساهم بشكل ملحوظ في تراجع البلاد عن ركب الحضارة، وهدر الطاقات الاقتصادية والسياسية، إلا أن الشعب التركي في الوقت نفسه، تمكن بدراية وبصيرة وعزم من رد الصاع صاعين للانقلابيين وتجاوز تلك المراحل خلال فترة قصيرة، رغم تبجح الانقلابيين بأنها “ستدوم ألف عام”.
وأوضح قالن أن التحول الذي شهدته تركيا لنظام الحكم الرئاسي ساهم بشكل فعال في القضاء على الهياكل التي كانت تعتبر نفسها وصية على الحياة السياسية في البلاد، وكذلك القضاء على الطبقات ومجموعات المصالح الوسيطة بين الأمة والدولة.
وتابع: “من خلال النظام الرئاسي، تحول الشعب إلى صاحب القرار المباشر (في اختيار رئيس الجمهورية)، وتعززت مكانة كل مواطن في الجمهورية التركية كفرد في هذا النظام.. إن هذا الوضع بحد ذاته يعتبر إضافة مهمة، مكسبًا مهمًا للغاية”.
ولفت قالن إلى أن تشويه سمعة السياسيين الذين نالوا احترامًا يشار إليه بالبنان في الحياة السياسية المدنية، أي لدى الشعب، كان في مقدمة الطرق العديدة التي استخدمها ذوي العقلية الانقلابية في تركيا.
وتابع أن تأليف الحكومات الضعيفة وإثارة الأزمات الاقتصادية التي ظهرت بشكل عام خلال فترة الحكومات الائتلافية كانت في الواقع جزء من المظاهر الملموسة التي عكستها العقلية الانقلابية على الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد.
وأكمل: “إن ما سبق، كان بين أبرز الأسباب التي دفعت نحو إطلاق تسمية “انقلاب ما بعد الحداثة” على انقلاب 28 فبراير العسكري (1997)، لقد كان الانقلاب المذكور عبارة عن حملة تشويه واسعة النطاق وشيطنة ضد شريحة معينة باستخدام وسائل الإعلام وقوّة الدولة، وسلطات الجهاز القضائي، وقوة رأس المال ومجموعات المصالح المختلفة والمؤسسات”.
وأشار قالن إلى أن مراكز الوصاية على الحياة السياسية عملت على تجميد وتعليق الديمقراطية التركية من خلال تنظيم انقلاب عسكري مرة واحدة كل 10 سنوات تقريبًا، لافتًا إلى “بيان المذكرة الإلكترونية” (2007) (بيان صدر من قبل رئاسة أركان الجيش بخصوص الانتخابات الرئاسية التركية عام 2007) والمحاولة الانقلابية الفاشلة التي نفذها تنظيم غولن الإرهابي في 15 يوليو 2016.
وفي هذا السياق، أشار المتحدث باسم الرئاسة التركية، إلى أن بلاده تستحق دستورًا أفضل لكل المواطنين، وعلى الدستور الجديد أن يكون مصدر فخر لجميع المواطنين وأن يكون منسجمًا مع روح القرن الحادي والعشرين.
وتابع: “كل مواطني الجمهورية التركية وأبناء الشعب التركي يستحقون دستورًا أفضل، البرلمان التركي اليوم يمتلك الأرضية المناسبة لمناقشة دستور جديد يحقق القضاء على جميع محاولات التدخل غير الديمقراطية في الحياة السياسية وعلى رأسها الانقلابات، هذه فرصة تاريخية مهمة جدًا”.
وأضاف قائلًا: صحيح أن الحقوقيين هم من يكتبون الدستور، إلا أن الإرادة التي تضعها الأمة هي التي تبني روح الدستور، الذي يعبر عن تاريخ تلك الروح وتصورها للزمان والمكان، وهو نظرة الأمة لشخصيتها وموقعها في العالم”.
وقال: عندما يتم تحقيق ذلك (الدستور)، عندها يكون من الممكن القضاء على مشاكل مثل الانقلابات التقليدية وانقلابات “ما بعد الحداثة” أو أنواع التدخل الأخرى التي تنال من الحياة السياسية وتوقف عجلة الديمقراطية وتجمّد إرادة الأمة وتشوه سمعة السياسة المدنية وتدفع نحو تآكل المؤسسات، دعونا نكتب مثل هذا الدستور حتى نتمكن من بناء الديمقراطية مرة أخرى”.
ولفت قالن إلى أن الانقلابات العسكرية في أي مكان في العالم، لا تحدث بفعل ديناميات داخلية لبلد ما وحسب، بل بالتأكيد تمتلك فرعًا يمتد إلى القوى العالمية التي تحكم النظام الدولي.
وقال: “بالطبع، قد تكون هناك معلومات ووثائق جديدة حول انقلاب 28 فبراير، إذا أجريت أبحاث جديدة حول تلك الأحداث التي خلفت آلاف الضحايا ولا تزال آثارها السلبية ماثلة حتى اليوم وكذلك الصدمة التي عانى منها الضحايا لم يتم علاجها تمامًا”.
وحول إعلان مجلس الأمن القومي التركي الصادر بتاريخ 28 فبراير 1997 (يوم الانقلاب)، أوضح قالن أن ذلك الإعلان الذي صدر بحجة حماية قيم الجمهورية، كان مثالًا على استغلال تلك القيم لصالح تحقيق المصالح الطبقية للانقلابيين، وإضفاء الشرعية على عقلية الوصاية.
وفي 28 فبراير 1997، عقدت قيادة مجلس الأمن القومي التركي اجتماعاً مهد لبداية ما بات يشار إليه في التاريخ السياسي باسم “انقلاب ما بعد الحداثة”.
وواجهت الحكومة الائتلافية التي تأسست في 28 يونيو 1996، والمكونة من حزبي “الرفاه” و”الطريق القويم”، برئاسة رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان، اتهامات بـ “تشكيل خطر على النظام” و”دعم الرجعية”، بعد فترة وجيزة من تسلمها مهام عملها، فاستقال أربكان من حزب الرفاه وانتهت حكومته الائتلافية.
تبع ذلك في 16 يناير 1998، إصدار المحكمة الدستورية قرارًا بإغلاق حزب “الرفاه”، وفرض حظر سياسي لمدة 5 سنوات على أربكان، وعدد من قيادات الحزب.