تشير التقديرات إلى أن 90% من التجارة العالمية يتم نقلها عن طريق البحر، المستهلكين، نادرًا ما يفكرون في كيفية وصول الأشياء التي يشترونها عبر الكوكب إليهم، وتكشف حادثة الجنوح الأخير لسفينة الحاويات الضخمة “إيفر جيفن”، في قناة السويس، نقاط الضعف في نظام التجارة العالمي.
يقال: إن الرياح العاتية هي المسؤولة عن جنوح سفينة الحاويات في هذا الممر الضيق، الذي يعمل بمثابة شريان تجاري يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ولكن مع اعتماد الشحن بشكل كبير على مثل هذه القنوات الضيقة، فإن احتمال وقوع هذه الحوادث موجود دائمًا.
وبصفتنا باحثين في مجال الأمن البحري، فإننا غالبًا ما نستغل حوادث مثل جنوح “إيفر جيفن” لفهم العواقب المحتملة طويلة وقصيرة المدى، الواقع أن الحدث الأخير مطابق تقريبًا لشيء كنا نناقشه في الشهر الماضي، لأنه يمثل أسوأ سيناريو تقريبًا لقناة السويس وللتأثيرات غير المباشرة على التجارة العالمية.
تعد قناة السويس بوابة لحركة البضائع بين أوروبا وآسيا، ومسؤولة عن عبور أكثر من 19 ألف سفينة في عام 2019، أي ما يعادل 1.25 مليار طن من البضائع، ويُعتقد أن هذا يمثل حوالي 13% من التجارة العالمية، لذلك من المحتمل أن يكون لأي انسداد فيها تأثير كبير.
بدأت هيئة قناة السويس في توسيع المضيق في عام 2014 لرفع طاقتها اليومية من 49 سفينة في الوقت الحالي إلى 97 سفينة بحلول عام 2023، وهذا يعطي مؤشرا على عدد السفن التي من المحتمل أن تتأثر بالوضع الحالي، وتشير تقارير إلى أن الحادث أوقف بالفعل مرور 10 ناقلات نفط تحمل 13 مليون برميل من النفط، وأن أي سفن يتم تغيير مسارها ستتكبد 15 يومًا مضافة إلى رحلتها.
وترجع خطورة الحادث إلى أبعاد السفن التي تستخدم القناة، حيث يبلغ طول حاملة الحاويات “إيفر جيفن” 400 متر، وعرضها 59 مترًا وعمقها (الغاطس) 16 مترًا تحت سطح الماء، وهذا يجعلها واحدة من أكبر سفن الحاويات في العالم، وهي قادرة على حمل أكثر من 18 ألف حاوية، وعلى حسب شدة الجنوح، تعد عملية إنقاذ وإعادة تعويم هذا النوع من السفن عملية معقدة تتطلب معدات متخصصة وربما الكثير من الوقت.
ورغم أن العدد الدقيق لسفن الحاويات بهذا الحجم التي تعبر القناة غير معروف، فإن سفن الحاويات تمثل ما يقرب من ثلث حركة مرور القناة، ويؤدي عمق غاطسها ومحيطها إلى صعوبة الملاحة داخل القناة، وعند العمل ضمن مثل هذه الهوامش الضيقة، يتعين على السفن بهذا الحجم الحفاظ على سرعة معينة للحفاظ على فعالية توجيهها.
ومع قدرتها على حمل أكثر من 150 ألف طن من البضائع، لا يمكن لهذه السفن التوقف فجأة، فإذا حدث خطأ ما، فإن الأطقم لديها القليل من الوقت للتفاعل قبل أن تجنح السفينة.
وهذا يجعل انسداداً من هذا النوع أمرًا لا مفر منه تقريبًا، ولا سيما بالنظر إلى أن طول هذه السفن يتجاوز عرض القناة بكثير، لكن ما يجعل هذا الحادث مدمرًا بشكل خاص هو موقع الجنوح، فمنذ أن تم توسيع القناة، أصبح لدى نهاية البحر المتوسط للقناة الآن قناتان لأخذ السفن، مما يسمح بالعبور السلس حتى إذا تم غلق إحداهما.
ولكن، جنوح “إيفر جيفن” في موقعها الحالي عند نهاية قناة السويس، يقوم بسد القناة الوحيدة التي تمر بها السفن، ولأن السفن تمر عبر القناة بمسافة يبلغ طولها 193 كيلومترًا في قوافل ذات فتحات مجدولة بإحكام، يحتمل للسفن التي تقود هذه المجموعات أن تسد القناة، مما يؤدي إلى تراكم السفن أو حتى الاصطدامات، ومن غير الواضح ما إذا كانت السلع المتأخرة حساسة للوقت (مثل الأدوية أو الطعام)، ولكن فهم آثار هذه الحوادث على التجارة يمكن أن يساعدنا في استباق الحلول الفعالة.
هل يمكن أن يكون الأمر أسوأ؟
نحن مهتمون أيضًا بالعوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر على حدث مثل هذا الجنوح الخطر، العنصر الأول هو وقت الحدوث، فتقليدياً، في الفترة التي تسبق عيد الميلاد، تكون شهور أكتوبر ونوفمبر أوقاتًا مزدحمة للتجارة البحرية، عندها سيكون للاضطراب في سلسلة التوريد العالمية خلال هذه الفترة تأثير أكبر بكثير، ويمكن أن يتزامن مع الظروف الجوية الصعبة التي من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الأمور، مثل الضباب الذي يقلل الرؤية.
العنصر الآخر هو تفاوت ضفاف القناة، فلو وقع الحادث على بعد بضعة كيلومترات فقط باتجاه ميناء السويس حيث ينتهي الممر المائي الضيق، لكانت السفينة قد جنحت على ضفاف مكونة من الصخور لا من الرمال، وحينها قد يتسبب الاصطدام في أضرار جسيمة لجسم السفينة، مما يجعل عمليات الإنقاذ أكثر صعوبة.
على الرغم من أنه ليس مطابقًا لسيناريو المحاكاة التي قام بها فريقنا، فإن الحادث الأخير يسلط الضوء على أنه مع زيادة حجم السفن وتعقيدها، فإن اعتمادها على طرق الشحن الضيقة التي تم إنشاؤها في عصور سابقة يبدو محفوفًا بالمخاطر بشكل متزايد، قد يكون لهذا الانسداد آثار محدودة على المدى الطويل، ولكن تكرار وقوع مثل هذه الحوادث سيكون ضاراً، وقد يتسبب في تأثيرات مستهدفة أو واسعة النطاق على التجارة العالمية والمحلية، نحن بحاجة إلى أن نكون أكثر وعيًا بنقاط الضعف هذه في عالمنا الذي صار أكثر ارتباطًا.
____________________________
المصدر: “the conversation”.