على الرغم من فوز إيمانويل ماكرون بولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، فإن النتيجة التي حققتها منافسته زعيمة حزب اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان أظهرت تعزيز اليمين المتطرف في فرنسا مكانته، وأثارت مخاوف المسلمين.
وذهب متابعون للشأن الفرنسي إلى أن إعادة انتخاب ماكرون يمثل بالنسبة للقاعدة الانتخابية المسلمة في فرنسا أخف الضررين رغم التخوف مما سيحمله المستقبل من مواقف وقرارات.
ورغم حصول ماكرون على 85% من أصوات الناخبين المسلمين بحسب استطلاع للرأي العام أجرته مؤسستا “بيلران” و”لا كراو” الفرنسيتان، أكدت الصحفية الفرنسية صفية خان في “الأوبزرفر”، في 24 أبريل 2022، أن العديد من المسلمين لم يصوتوا لماكرون أو لوبان.
وقد ألمح ماكرون إلى أن هذا التصويت من جانب المسلمين له هو سلوك عقابي رافض للأحزاب اليمينة المتطرفة أكثر منه حباً في ماكرون الذي أصدر سلسلة قوانين عنصرية ضد المسلمين وأغلق مساجدهم وجمعياتهم.
فقد اعترف ماكرون أن العديد من الفرنسيين صوتوا لصالحه فقط لمنع اليمين المتطرف من حكم البلاد وليس لدعم برنامجه، وقال في خطاب النصر الذي ألقاه: إنهم اختاروه كرهاً في اليمين المتطرف، ولأن بلادنا غارقة في الكثير من الشكوك والانقسامات.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أكدت أن اختيار ماكرون هو “أقل الشرور في التصويت الرئاسي”، وأن ماكرون وزعيمة اليمين المتطرف لوبان تقاتلا على 7.7 ملايين ناخب دعموا جان لوك ميلينشون، الزعيم اليساري الذي حصل على المركز الثالث في الجولة الأولى من الانتخابات، وأغلبهم من المسلمين.
فوفقاً لتقرير “نيويورك تايمز”، صوت ما يقرب من 70% من المسلمين لصالح ميلينشون، المرشح الرئيس الوحيد الذي أدان باستمرار التمييز ضد المسلمين، وطبيعي أن تذهب أصوات هؤلاء المسلمين لماكرون ضد لوبان أو يقاطعوا.
وبلغت نسبة الامتناع عن التصويت في الجولة الثانية والحاسمة 28%، وهي ثاني أعلى نسبة امتناع تشهد جولة إعادة في تاريخ الانتخابات الفرنسية، وفقاً لموقع “يورو نيوز” الذي أكد أن التحدي الآن أمامه هو الانتخابات التشريعية يومي 12 و19 يونيو المقبل، التي يسعى اليمين لتثبيت تقدمه فيها، ويسعى خصوم ماكرون لشله في البرلمان بأغلبية تخلق توازن سياسي.
مخاطر فوز أعداء المسلمين
هزم ماكرون، لوبان، في عام 2017 بفارق 30 نقطة، لكنه في هذه الجولة لم يهزمها إلا بفارق 17 نقطة، فأظهرت النتيجة بذلك أن قرابة 4 أو 5 من كل 10 فرنسيين يدعمون أفكار اليمين المتطرف العنصري ضد المسلمين.
وفاز ماكرون بنسبة 58% على لوبان في انتخابات عام 2022 وهي نسبة أقل من فوزه عليها في عام 2017 بنسبة 66%، وشكل فوز اليمين المتطرف بنسبة 42% من أصوات الفرنسيين نتيجة تاريخيه لم يحققها أعداء المسلمين من قبل في أي انتخابات.
وقد أشارت لهذا صحيفة “لوموند” الفرنسية، في 25 أبريل 2022، التي تحدثت عن “نتيجة تاريخية لليمين المتطرف، والخوف من جولة ثالثة منافسة ثالثة يشارك فيها اليمين المتطرف ولكنها جولة “سياسية واجتماعية”، و”فوز من دون انتصار” لماكرون.
ووصفت “لوموند” النتيجة بأنها دليل فشل لإيمانويل ماكرون الذي أكد عشية فوزه السابق بالرئاسة، في 7 مايو 2017، أنه يريد التأكد من أن الفرنسيين “لم يعد لديهم أي سبب للتصويت لصالح المتطرفين”.
وتحدثت صحيفة “لو باريزيان” عن “احتفال بلا ابتهاج”، وأن اليمين المتطرف أصبح “في القمة”، فلم يحصل يوماً على هذه النتيجة الجيدة في الجولة الثانية من الانتخابات، وهي 41.45% من الأصوات.
ونقلت عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة “أنتيل” جوستان دانيال، أن هذا التصويت ضد ماكرون، وليس لصالح لوبان، وأفضل دليل على ذلك هي النتيجة المتقدمة التي حصل عليها مرشح اليسار الراديكالي للرئاسة في فرنسا ميلينشون في الجولة الأولى.
ووصفت لوبان حصولها على أصوات أكثر مقارنة بانتخابات العام 2017 بـ”النصر مدوي” بعد فوزها بـ 42% من الأصوات ففي انتخابات عام 2017، حصلت لوبان على 33.9% من الأصوات وعندما ترشحت في العام 2012، فازت بنسبة 17.9% في الجولة الأولى.
وقالت لوبان: إن “النتيجة التاريخية” ستسمح لحزبها بزيادة عدد أعضاء هم في مجلس النواب في البرلمان الفرنسي.
وستكون الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في 12 و19 يونيو بمثابة ما أطلق عليه المرشح الرئاسي اليساري ميلينشون “الجولة الثالثة” من الانتخابات الرئاسية، إذ تأمل أحزاب المعارضة من جميع الأطياف أن تتمكن من الفوز هذه المرة.
سجلت صحيفة “لو باريزيان” بضعة دروس يجب استخلاصها من نتائج الانتخابات الرئاسية، أبرزها أن اليمين المتطرف أصبح “في القمة”، مشيرة إلى أنه لم يحصل يوماً على هذه النتيجة الجيدة في الجولة الثانية من الانتخابات، بحصوله على 41.45% من الأصوات.
وسجلت “لو باريزيان” كذلك ملاحظات على نتائج بعض المناطق، إذ حصلت لوبان على ما يقرب من 61% من الأصوات في كلّ من مارتينيك وغينيا الفرنسية، وحتّى تقريباً 70% في غوادالوب، وهذا أكثر بمرتين إلى 3 مرات مما حققته قبل 5 سنوات، عندما هزمها ماكرون.
وشكلت انتخابات الدور الثاني لحظة فارقة في حياة الكثير من الفرنسيين والمهاجرين المسلمين الذين تخوفوا من وصول اليمين المتطرف إلى رئاسة الإليزيه، سيما بعد أن خصصت لوبان جزءاً كبيراً من حملتها الانتخابية لمواضيع الهجرة والإدماج الاجتماعي للمهاجرين والمسلمين.
معركة البرلمان حاسمة
تمثل الانتخابات التشريعية الفرنسية، في يونيو المقبل، تحدياً كبيراً لإيمانويل ماكرون، بعد فوزه في ولايته الثانية، وذلك بعد أن تمتع خلال فترته الرئاسية الأولى بأغلبية مريحة جداً مكنته من تمرير غالبية قوانينه بكل أريحية.
كما تمثل نتائجها تحدياً للمسلمين في فرنسا في ضوء تعاظم مقاعد اليمين المتطرف في البرلمان ومن ثم سعيهم لاستصدار قوانين عنصرية ضد المسلمين أو دعم قوانين ماكرون العنصرية ضدهم.
وإذا جاءت النتيجة مختلفة هذه المرة، ونجح اليسار أو اليمين في تحقيق نتائج جيدة فلن يكون أمام ماكرون خيار سوى تعيين رئيس وزراء من حزب آخر، مما قد يؤدي إلى فترة تعايش متوترة يتم خلالها تقييد السلطات الرئاسية بشدة.
وفي أثناء فترة التعايش، يظل الرئيس قائداً للقوات المسلحة ويحتفظ ببعض نفوذ السياسة الخارجية، لكن الحكومة تكون مسؤولة عن معظم الأمور اليومية المتعلقة بالدولة والسياسة. ولذلك يحاول خصومه رصّ صفوفهم من أجل حرمانه من الحصول على أغلبية برلمانية، بل إن بعضهم على غرار ميلينشون يسعى إلى أن يصبح رئيساً للوزراء، بعد الحصول على أغلبية برلمانية.