إذا كنت تحلم بعالم يعمه السلام والمحبة والرخاء، خالٍ من الحروب والخصومات والصراعات؛ فأنت إنسان نبيل، لكن لمصلحتك عليك أن تُدرِك أن هذا مجرد حلم لا علاقة له بالواقع.
حلمك الجميل هذا الذي قد يشاركك فيه بعض الشعراء والفلاسفة والعاطفيين الحالمين، هو للأسف مجرد وهم لم يتحقق في الواقع طوال تاريخ البشرية منذ ابنيْ آدم “هابيل” و”قابيل” حتى الآن، ولو تحقق حلمك الجميل هذا، لما كان هناك حاجة للحكومات والمحاكم والجيوش وأجهزة الشرطة.
حقيقة الحياة أن حركتها وتقدمها قائمان على سنة التدافع بين البشر.
والتدافع الذي هو سنة الحياة ليس شرا كله، بل هو من عناصر دفع الحياة نحو الحركة والتنافس والتقدم؛ فالحروب التي تمثل قمة التدافع، رغم ما يصاحبها من دمار وآلام هي التي صنعت الدول وأبطال الشعوب، وطورت الصناعة والتكنولوجيا، ونقلت الثقافات بين الشعوب.
والتدافع السياسي والمجتمعي جزء من تقدم الشعوب في الدول المتقدمة في مقابل الركود في غيرها.
بل داخل كل إنسان صراع وتدافع داخلي بين الخير والشر، والإيثار والأثرة، والتجرد والأنانية، والعطاء والمنع؛ فالتكوين الإنساني من أصل خلقته مزيج بين عنصرين متضادين متصارعين: طين من الأرض، وروح من السماء.
والإسلام كرسالة سماوية خاتمة للبشر بدّد تلك الصورة الطوباوية الخيالية عن طبيعة الحياة، وتعامَل مع واقعها القائم على الصراع الدائم بين الخير والشر، ودعا أهل الخير لليقظة ودوام الإعداد والاستعداد والجهاد لدفع الباطل ورد الاعتداء وكبح الظلم.
فتعاليم الإسلام جاءت لتُرَشِد مجتمعا إنسانيا واقعيا وليس افتراضيا، حتى وإن لم تُرضِ تلك الواقعية أحلام العاطفيين الرومانسيين الحالمين.
تقول الأسطورة: “إن رجلاً قوياً لم يكن يؤثر فيه حتى ضربات السيوف، فكشف رجل حكيم أن سِرِّ قوة هذا الرجل تكمُنُ في أنه يثبت قدميه في الأرض جيداً عند النِزَال، وأرشد قومه أن يحتالوا عليه ليرتفع عن الأرض قليلاً، وبمجرد أن ارتفعت قدماه عن الأرض قليلاً طعنوه فأصابوا منه مقتلاً”.
تؤكِد الأسطورة على نقطة من نقاط الضعف الإنساني وهي التحليق بعيداً عن أرض الواقع.
فإذا أردت أن تحقق أحلامك النبيلة دون أن تنهزم في صراع الحياة، فعليك أن تُثَبِّت قدميك في الأرض جيدا.
ولا مانع من أن تعيش لحظات جميلة في رحاب حلم المدينة الفاضلة، بشرط أن تعلم أنه مجرد حُلُم ليس إلا.