أوصى العلاَّمة الشيخ يوسف القرضاوي، رحمه الله تعالى، علماء الأمة بعدة وصايا في آخر ما كتبه في مقدمة أعماله الكاملة.
وقال الشيخ القرضاوي: أوصي إخواني العلماء والدعاة بهذه الوصايا حتى يستطيعوا القيام بواجبهم نحو ربهم ودينهم، وتجاه أمتهم.
ووفاء بالشيخ الراحل، ينشر موقع مجلة “المجتمع” وصيته لعلماء الأمة والدعاة نقلاً عن موقعه الرسمي على الإنترنت.
1- أن يكون ولاؤهم لله سبحانه ولدينه وحده، لا لقومية ولا لوطنية، ولا لأنظمة ولا لأحزاب ولا لأشخاص، إلا بمقدار اتصالها بالإسلام وقربها منه.
2- أن يجعلوا مستندهم في كلِّ قضية الرجوع إلى كتاب الله وما صحَّ من سُنة رسوله، مهتدين بهدي السلف الصالح لهذه الأمة في فَهمهم لرُوح الإسلام، واتباعهم لمناهجه، عاملين على تحرير الإسلام مما شابه وابتدع فيه على مرِّ القرون من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
3- أن يجهروا بكلمة الحقِّ في وجوه الطغاة والمتألِّهين، وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، لا يخافون في الله لومة لائم، ولا سطوة ظالم، كالذين وصفهم الله بقوله: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب:39).
4- أن يضعوا نُصب أعينهم وصية النبي صلى الله عليه وسلم، لمعاذ بن جبل، وأبي موسى الأشعري حين بعثهما إلى اليمن وقال لهما: “يسِّرا ولا تُعسِّرا، وبشِّرا ولا تُنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا”، فما أحوج العلماء والدعاة إلى هذه الوصية في كلِّ وقت! وما أشد حاجتهم إليها في عصرنا خاصة!
ومعنى هذا، أن يكون شعارهم الرفق لا العنف، والتساهل لا التشدُّد، فإن الله يحبُّ الرفق في الأمر كلِّه، وقد قال الله لخير خلقه: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران:159).
والتساهل الذي أعنيه هو التساهل في الفروع والوسائل، لا في الأصول والأهداف، وعلى هذا الأساس يجب أن نعامل الناس.
يجب أن نعدَّ كلَّ مسلم أدَّى الفرائض واجتنب الكبائر في هذا العصر صديقًا لنا، ونُشعره بأنه منَّا، وإن كان على بعض المكروهات والشبهات والصغائر التي لا يصرُّ عليها، مع دعوتنا له بالحكمة والموعظة الحسنة: أن يرتقي إلى ما هو أفضل.
ومن الخطأ والخطر أن نعادي هذا الصنف ونعتبره ضدَّ الدين، فيختطفه عدو للإسلام، ويحتضنه ويجعل منه معولًا لهدم دينه وأمته.
5- أن يعرفوا عصرهم وعدوَّهم ومعركة وقتهم، فلا يشغلوا أنفسهم وطلَّابهم وجمهورهم بمعارك جانبية أو فرعية أو تاريخية، غافلين عن معركة الوقت ومعركة المصير، أعني معركة الإسلام والتيارات الغازية من الشرق والغرب، تحمل إلى أبنائنا الإلحاد، والتحلُّل، والاستخفاف بقيمنا وشرائعنا، فهذه التيارات الهدَّامة هي العدو الأكبر الذي ينبغي أن نوجِّه إليه جلَّ اهتمامنا، وجلَّ تفكيرنا، وجلَّ سعينا، لنحفظ على أمتنا شخصيتها وأصالتها، ونحميها من الذوبان والفناء في غيرها.
6- أن يتَّخذوا من قاعدة المنار الذهبية شعارًا لهم ودستورًا يتعاملون به فيما بينهم: “نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه”.
7- أن يتسلَّحوا بما استطاعوا من معارف العصر، فالإمام الغزالي ما استطاع أن يهزم الفلسفة، ويُحيي علوم الدين، ويبين تهافت الفلاسفة، إلا بعد أن هضم الفلسفة، وأصبح فيها كأحد أساطينها.
وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، ما ردَّ على كلِّ الفئات المنحرفة وبيَّن عوارها، إلا بعد دراسة عقائدها وتعاليمها من كتبها، دراسة واعية فاحصة، حتى اليهودية والنصرانية، ولهذا لم يكن إمامًا في الشرعيات فحسب، بل في العقليات أيضًا، كما يدلُّ على ذلك تراثه الغني.
فلا غنى للعالِم في عصرنا عن دراسة الثقافة الحديثة قدر الاستطاعة، كعلوم النفس، والاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، والأخلاق، والفلسفة ومذاهبها وتاريخها.
8- على أن هذا كلَّه لا يتمُّ إلا بتحرُّرهم من الشعور بأنهم مجرَّد موظفين رسميِّين في معاهد الدولة ومدارسها وجوامعها، وأن يشعروا بأنهم أصحاب دعوة، ورجال فكرة، ففرق بين الموظفين والدعاة، فالأولون يتعيَّشون بالإسلام، يأكلون به، والآخرون يعيشون للإسلام، ويموتون في سبيله.
9- أن يترابطوا ويتواصلوا فيما بينهم على مستوى العالم الإسلامي، فعلماء المسلمين قوَّة كبيرة لها جمهورها وأتباعها وتأثيرها، لو أنهم اتَّحدوا داخل كلّ بلد، ثم حاولوا التنسيق والتعاون على المستوى الإسلامي العام.
إن أعداء الإسلام يعرفون الخلافات الصغيرة التي تفرِّق بين علماء المسلمين، فهم لهذا يقوُّونها ويضخِّمونها، ويعملون على إبقائها حيَّة بارزة، ويستخدمونها عند اللزوم لضرب بعضهم ببعض، موهمين فريقًا منهم أنهم معهم ضدَّ خصومهم في الفكر، والحقيقة أنهم ضد الجميع، وعدو الجميع، وإنما هو التكتيك القذر الملعون، وعلينا نحن المسلمين أن نكون أبصر منهم وأوعى، وأن نردَّ كيدهم في نحورهم.
10- أن يقفوا إلى جانب كلِّ دعوة إسلامية سليمة الاتجاه، تعمل على العودة بالإسلام إلى قيادة الحياة من جديد، وصبغ المجتمع بصبغة الإسلام، على علماء الإسلام أن يشدُّوا أزرها، ويأخذوا بأيديها، ويسدِّدوا خطاها، ويمدُّوها بكل ما استطاعوا من قوة، إن لم يكونوا هم في مقدمة صفوفها توجيهًا وعملًا وتضحية وبذلًا، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت:33).