في شوارع دولة قطر وخارج مدرجات كرة القدم، بدا الصحفي “الإسرائيلي” “ايهود بن حمو”، معزولاً وسط أمواج كبيرة من المشجعين العرب، فمجرد معرفة هويته “الإسرائيلية” وسماع لكنته العربية العرجاء يحتشد حوله العشرات حاملين الأعلام الفلسطينية.
“بن حمو” مراسل القناة 12 “الإسرائيلية” فقد في مقابلة مع مشجع سعودي هدوءه وخرج عن حدود مهنته، وصرخ بأن “إسرائيل باقية ليوم القيامة”، في محاولة منه للتغطية على الضيق والغضب الذي هو فيه.
أما مراسل صحيفة يديعوت أحرنوت “الإسرائيلية” “راز شيشنيك” فاضطر لإخفاء جنسيته “الإسرائيلية” والإدعاء بأنه من الأكوادور بعض رفض المشجعين التعاطي معه والتحدث إليه.
بينما كشف الصحفي “الإسرائيلي” “دور هوفمان” وهو أحد أعضاء وفد هيئة البث الإذاعي والتلفزيوني الحكومية- كان 11، عن طرده من أحد المطاعم وإنزاله من سيارة أجرة عندما علم القطريون أنه إسرائيلي.
في حين لقنت الجماهير اليمنية والسعودية والتونسية الصحفي “الإسرائيلي” “جاي هوخمان” درساً قاسياً حينما اندس بين جموعهم في محاولة لفرض نفسه بينهم، وهتفوا لفلسطين.
كره كبير لـ”إسرائيل”
صحيفة “يديعوت أحرنوت” قالت إن تغطية الصحفيين “الإسرائيليين” لكأس العالم في قطر أظهرت حجم كراهية العالم العربي لـ “إسرائيل”، مشيرة إلى أن مشجعين فلسطينيين وإيرانيين وقطريين وأردنيين ومغاربة وسوريين ولبنانيين ومصريين يلاحقونهم بـ “نظرات مليئة كراهية”، على حد وصفها.
وأعربت الصحيفة عن استيائها من حجم الدعم والتأييد للقضية الفلسطينية في مونديال قطر، سواء داخل أو خارج الملاعب.
وبموازاة هذا النبذ للإعلام “الإسرائيلي” ودولة الاحتلال، ظهر حجم التأييد العربي بل وحتى الغربي للقضية الفلسطينية، حيث بقي العلم الفلسطيني حاضراً في غالبية المباريات بأحجام وأشكال مختلفة، وصدحت مكبرات الصوت بالأغاني الفلسطينية في الميادين العامة.
تحريض “إسرائيلي”
الاحتفال الواسع بالعلم الفلسطيني في مونديال كأس العالم، دفع الإعلام الإسرائيلي لإطلاق حملة تحريض ضد دولة قطر المضيفة لمونديال 2022.
حيث أشارت صحيفة “إسرائيل اليوم” إلى أن رفع العلم الفلسطيني بكثرة في المدرجات ورفع لافتات داعمة للقضية الفلسطينية مثل “فلسطين حرة”، يعتبر جزءاً من الاحتجاج السياسي الذي تمنعه قوانين “الفيفا”.
وذكرت الصحيفة أن الأمن القطري لا يمنع المشجعين من إدخال أعلام فلسطين والشعارات المناهضة لـ “إسرائيل”، معتبرةً ذلك بأنه جزء من حملة ضد “الإسرائيليين” سواء كانوا مشجعين أو صحفيين.
ومساء أمس تحدثت قناة 13 الإسرائيلية أن “إسرائيل” بعثت برسالة إلى قطر والفيفا؛ احتجاجًا على “تصرفات المشجعين العرب ضد طواقم الصحافة والمشجعين “الإسرائيليين”.
وذكرت القناة الإسرائيلية أن الطاقم الدبلوماسي “الإسرائيلي” المؤقت في قطر احتج لدى السلطات القطرية والفيفا على ما وصفه بالتعامل “العدائي” للجمهور والصحفيين “الإسرائيليين”، لافتةً إلى أن الوفد طالب بضمان حرية العمل الصحفي للصحفيين “الإسرائيليين”، والحركة الآمنة لهم.
وأشارت إلى أن “مجلس الأمن القومي “الإسرائيلي” يعقد مشاورات لاحتمال إصدار تحذير من السفر لقطر”.
إحباط من التطبيع
المختص في الشأن “الإسرائيلية” عماد أبو عواد يرى أن نبذ المشاركين في المونديال للإعلام “الإسرائيلي”، يدلل على أن “الإسرائيلي” مكروه عند العرب والمسلمين وحتى عند بعض الغربيين وأن القضية الفلسطينية لا تزال محورية ومركزية في ذهن الشعوب.
ويُضيف “أبو عواد” أن “هذه الحقيقة يعرفها “الإسرائيلي” قبل غيره، وهو يعلم أن حجم الكراهية له في أوساط العرب تتراوح بين 75-99%”.
ويُشير إلى أن “الإحباط “الإسرائيلي” مبني بالأساس على أن مسيرة التطبيع مع الأنظمة العربية لم تحقق سوى بعض الأهداف الثانوية كمجاملة الولايات المتحدة الأمريكية.
ويستدرك: “بالرغم من الحالة العدائية لـ “إسرائيل” في المونديال فإن ذلك لن يدفعها لتغيير سياساتها، فهي تعمل بنفس طويل ولديها تفكير استراتيجي بعيد المدى؛ من أجل محاولة التغيير، فهي تدرك أن العلاقة مع 1% من العرب أفضل من القطيعة التامة”.
ويُشدد على أن “دولة الاحتلال معنية باستمرار التطبيع مع الدول العربية بصرف النظر عن تقبل الشعوب له””.
ويلفت “أبو عواد” إلى أن “إسرائيل” هي الجهة المستفيدة على المستوى الدعائي والإعلامي والخطاب الدولي، وترى فيه فرصة من أجل تحسين صورتها عالمياً.
ويُكمل: “الدول العربية المطبعة ليست معنية أن تطبع شعوبها وغير مهتمة بذلك أصلاً، فهي ترى في التطبيع وسيلة للتقرب من الولايات المتحدة ولتمرير مرحلة حرجة حفاظاً على مصالحها”.
يُذكر أنه في 2020، وقّعت 4 دول عربية، هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب (استئناف)، اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، بينما أعلنت السعودية في منتصف العام الجاري عن فتح مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية.
رد طبيعي ومؤشر مهم
بدوره، يشير منسق حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، محمود نواجعة، إلى أن حالة النبذ والمقاطعة للصحفيين “الإسرائيليين” في المونديال هو رد طبيعي من الشعوب العربية المناهضة للتطبيع ومؤشر مهم وضروري.
ويردف نواجعة أن هذه المقاطعة والرفض سبقها انسحاب عشرات اللاعبين العرب خلال العاميين الماضيين من بطولات دولية؛ لعدم ملاقاة لاعبين “إسرائيليين” في الملعب ذاته.
ويرى أن “إسرائيل” بنت استراتيجيها على تطويع الشعوب العربية واختراقها استباقاً لتوقيع اتفاقيات السلام والتطبيع مع الدول العربية، من خلال تغيير المناهج وإقامة علاقات طبيعية مع أندية وجمعيات عربية، لكن كل ذلك “فشل على أرض الواقع”.
وتبعًا لنواجعة، فإن مقاطعة العرب للصحافة “الإسرائيلية” مرتبط بوعي الشعوب أولاً ثم بالنشاطات والحملات، التي أطلقتها حركة المقاطعة بالتنسيق مع مجموعة “شباب قطر ضد التطبيع”.
ويُتابع: “مونديال قطر كان فرصة مهمة ومناسبة عالمية لإعادة إحياء القضية الفلسطينية في وجدان الشعوب العربية كقضية مركزية خاصة، بعد اتفاقيات التطبيع الأخيرة التي أبرمتها دول عربية مع دولة الاحتلال”.
ويوضح أن “توقيت بروز ظاهرة مقاطعة العرب للإعلام “الإسرائيلي” مهم، فهو يأتي عشية عودة بنيامين نتنياهو لرئاسة الوزراء الذي أعلن في حملته الانتخابية عن نيته استكمال مشوار التطبيع مع دول عربية جديدة”.
تغطية كأس العالم
واستعرض مراسلا صحيفة “يديعوت أحرونوت” انطباعاتهما بعدما تجولا في الدوحة وحاولا تبادل أطراف الحديث مع الجماهير العربية.
يقول شاشنيك ومعلم في مقدمة التقرير “عندما وصلنا إلى قطر توقعنا معاملة عادية كصحفيين يغطون حدثا دوليا، لكن بدلا من ذلك نشعر بالعداء ونواجَه ونُستقبل بالشتائم ونظرات الكراهية من المشجعين من الدول العربية”.
وقال أحد المواطنين القطريين للصحفييْن “الإسرائيليين” “أود أن أقول مرحبا بكما، لكن غير مرحب بكما حقا، ارحلا من هنا..”.
وقال معدا التقرير “أنت تتحدث عن قطري يستضيف المونديال وليس مجرد شاب لبناني عابر سبيل في مونديال قطر”.
وأضافا “في مونديال قطر أدركنا أن الكراهية لـ “إسرائيل” ليست من الحكام والأنظمة والحكومات وإنما من الشعوب والناس والجماهير في الشارع..”.
وفي رسالة بعث بها التقرير إلى المجتمع “الإسرائيلي” كتب شاشنيك ومعلم “اسمعوا، لم نرغب في كتابة هذه الأشياء، كنا نظن دائما أننا لسنا نحن -الصحفيين- في دائرة الاستهداف والانتقاد في أكبر حدث رياضي عالمي”، لكن بعد 10 أيام في الدوحة “من المستحيل عدم إطلاعكم على ما نمر به هنا، نحن لا نقصد تجميل صورة الواقع، نشعر بأننا مكروهون ويكتنفنا العداء، نحن غير مرغوب بنا”.
وعبر الصحفيان عن أيامهما في الدوحة ومونديال قطر بالقول “الآن دعونا لا نتظاهر، كأس العالم تجربة ضخمة، تشرفنا بوجودنا هنا وتغطية كرة القدم، الشيء الذي نحبه أكثر في هذا الكون، كلانا يتنفس كرة القدم منذ سن مبكرة”.
وقال تقريرهما إن “تغطية كأس العالم هي تحقيق حلم شخصي تماما مثل الاجتماع لإجراء محادثة مع بول مكارتني أو بول سيمو أو تصوير ليونيل ميسي وهو يلعب في “إسرائيل”. نعم، عمل مرهق، لكن على أي حال نوافق أيضا على النوم على الرصيف واحتضان المشجعين المكسيكيين إذا سمح القانون في قطر بذلك”.
ليست أوقاتاً ممتعة
ويقارن الصحفيان “الإسرائيليان” مونديال قطر بتجربة تغطيتهما بطولات مماثلة في أوروبا، سواء كأس العالم أو الألعاب الأولمبية، ويقولان “نحن لا نمرح ولا نقضي أوقاتا ممتعة في مونديال قطر بسبب كوننا من إسرائيل”.
وأضاف شاشنيك ومعلم “في الشارع وفي كل مكان وقبالة الملاعب يرافقنا فلسطينيون وإيرانيون وقطريون ومغاربة وأردنيون وسوريون ومصريون ولبنانيون بنظرات مليئة بالكراهية”.
ويروي الصحفيان أنه “في الأيام الأولى للمونديال كان في الإمكان تبادل التحيات وأن نقول مرحبا ونمد يديْنا للمصافحة، عرفنا أنفسنا على أننا “إسرائيليون”، لكن عندما رأينا أن ذلك يؤدي دائما إلى مواجهة صعبة وصدام واحتكاك مع العرب وصولا إلى الشتائم الصارخة بلغة يمكن فهمها قررنا تعريف أنفسنا كصحفيين من الإكوادور”.
التنكر بجنسية أخرى
وبحسب مراسلي “يديعوت أحرونوت”، فقد قررا التكتم على جنسيتهما “الإسرائيلية” والتعريف بنفسيهما كصحفييْن من الإكوادور “هكذا تمكنا من مرافقة الإيرانيات لمدة أسبوع وتحضير مقال نشر في ملحق الصحيفة في نهاية الأسبوع”.
ويقول الصحفيان إنهما حاولا في البداية التعريف بنفسيهما “كإسرائيلييْن”، لكنهما لم يجدا سبيلا لمجرد الحديث “وعندما رأينا أن الوضع أصبح خطيرا وأن النساء الإيرانيات بدأن يفهمن أننا ربما كنا إسرائيلييْن عرفنا على نفسيْنا مرة أخرى على أننا صحفيان من الإكوادور حتى لا ندخل في مواجهة جسدية”.
وتطرق الصحفيان إلى ملاحظاتهما بعد مباراة بين البرازيل وصربيا الخميس الماضي، ووصفا المباراة بأنها “لم تكن ممتعة بصورة خاصة”، فقد “اتضح أن هناك الكثير من المسلمين من عشاق منتخب البرازيل، تماما كما هو الحال مع الكثير من الإسرائيليين”.
وبعد المباراة -يقول الصحفيان- “ذهبنا لالتقاط بعض صور الفرح من البرازيليين، في كل مرة كان الفلسطينيون يقفون حولنا بالأعلام ويصيحون ويتحرشون بنا ويضايقوننا، وفي إحدى المرات تم تطويق أحد المشجعين من كفر قاسم (مدينة فلسطينية محتلة عام 1948 ويحمل سكانها الهوية “الإسرائيلية”)، والذي تجرأ على المجيء وإجراء المقابلات مع الإعلام “الإسرائيلي”.
من الناس والحكومات
في مشهد المونديال -يقول الصحفيان- “وقف الفلسطينيون أو القطريون والتقطوا الصور ليسخروا منا، ولوّح المشجعون التونسيون بلافتة ضخمة كتب عليها “فلسطين حرة” خلال المباراة ضد أستراليا وتم رفعها في الدقيقة الـ48″، في إشارة إلى نكبة فلسطين في 1948.
ويضيف التقرير “انتشر المقطع الذي صوره أحدهم على نطاق واسع ونحن ننكر الجنسية “الإسرائيلية” وندعي إننا من الأكوادور، حيث حاولت وسائل الإعلام العربية إظهار أن الإسرائيليين جبناء”.
وقال شاشنيك ومعلم لكن لسوء الحظ إن “عناصر باليمين “الإسرائيلي” انضموا إلى أعدائنا وشارك البعض منهم المقطع لإظهار مدى أننا أبناء شعب إسرائيل نحاول خائفين الابتعاد عن المواجهة، هذا سيئ للغاية، لكنه الواقع”.
وقال الصحفي شاشنيك عبر صحيفة يديعوت أحرونوت “لطالما اعتقدت أن المشكلة كانت مع الحكومات العربية وأيضا حكومات “إسرائيل”، لكن في قطر عرفت مدى الكراهية “للإسرائيليين” و”إسرائيل” بين الناس في الشارع، كم يريدون مسحنا من على وجه الأرض، وإلى أي مدى يثير كل ما يتعلق بـ “إسرائيل” حقدا شديدا في نفوسهم”.