الحج فريضة عظيمة من فرائض الدين ، وأحد أركان الإسلام الخمسة التي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف : ” بُنِي الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ” ( رواه الشيخان ) . ويجب الحج مرة في العمر ، فمن زاد فهو تطوع . والأفضل تعجيل أداء هذه الفريضة العظيمة لمن تهيأت له الأسباب ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : تعجلوا الحج ، فإن أحدكم لا يدري ما يَعْرِض له من مرض أو حاجة ” . ( رواه أحمد ) .
وفي اصطلاح الفقهاء فإن الحج هو قصد مكة المكرمة ، في وقت مخصوص ، لأداء عبادة الطواف بالكعبة المشرفة ، والسعي بين الصفا والمروة ، والوقوف بجبل عرفة وسائر المناسك ، استجابة لأمر الله تبارك وتعالى وابتغاء مرضاته . قال الله تبارك وتعالى : ” إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ” . ( سورة آل عمران ، الآيتان 96 ، 97 ) .
فضل الحج:
في كل فريضة فرضها الله تعالى تبارك الله وتعالى على عباده المؤمنين فوائدُ جليلة ونعمٌ عظيمة . وفريضة الحج لا تقل شأنا في ذلك عن باقي فرائض الإسلام . وقد ورد في فضل الحج وما فيه من الفوائد والنعم أحاديثُ كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نختار بعضا منها فيما يلي :
الحج من أفضل الأعمال:
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أفضل ؟ قال : ” إيمان بالله ورسوله ” ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : ” ثم جهاد في سبيل الله ” ، قيل ثم ماذا ؟ قال : ” حج مبرور ” ( رواه البخاري ومسلم ) . والحج المبرور هو الحج الذي لا يخالطه إثم .
الحج جهاد:
عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت : يا رسول الله ، ترى الجهاد أفضل العمل ، أفلا نجاهد ؟ قال صلى الله عليه وسلم : ” لَكُنَّ أفضلُ الجهاد : حج مبرور ” ( رواه البخاري ومسلم ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” جهاد الكبير والضعيف والمرأة : الحج ” ( رواه النسائي ) .
الحج يمحو الذنوب:
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، قال : ” لمّا جعل الله الإسلامَ في قلبي أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ : اُبْسط يدك فلأبايعـك . قال : فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده ، فَقَبَضْتُ يدي . فقال : مالك يا عمرو ؟ قلت : أشترط . قال : تشترط مـــاذا ؟! قلت : أن يُغْفَر لي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَمَا علمتَ أنّ الإسلام يهدم ما قبله ، وأن الهجرة تهدم ما قبلها ، وأن الحج يهدم ما قبله ” ( رواه مسلم ) .
الحجاج وفد الله:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” الحجاج والعُمَّار وفد الله ، إنْ دَعَوْه أجابهم ، وإنْ استغفروا غفر لهم ” ( رواه النسائي وابن مــاجــة ) .
الحج ثوابه الجنة:
عن جـــابـــر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلـــى الله عليــــه وسلم قـــال : ” هذا البيتُ دعامة الإسلام . فمن خرج يَؤمُّ هذا البيتَ إمّا حاج أو معتمر كان مضمونا على الله إنْ قبضه أن يدخله الجنة ، وإنْ ردَّه ، رده بأجر وغنيمة ” ( رواه الطبراني ) .
النفقة في الحج بسبعمائة ضعف:
عن بريدة قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : ” النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله : الدرهم بسبعمائة ضعف ” ( رواه البيهقي ) .
أركان الحج:
تنقسم أعمال الحج إلى أركان يجب الإتيان بها جميعا ، ولا يصح الحج بترك شيء منها ، ولا يقوم غيرُها مقامَها ، وإلى واجبات يصح الحج بترك شيء منها ويجبر المتروك بدم ، وإلى سنن ومستحبات يكمل بها أجر الحاج وثوابه عند الله .
والركن هو ما يتوقف عليه صحة الحج ، ولا يُجْـبَـرُ تَرْكُهُ بدم ولا بغيره . وأركان الحج أربعة هي : الإحرام ، الوقوف بعرفة ، طواف الإفاضة ، السعي بين الصفا والمروة .
الإحرام:
هو التجرد من الملابس المخيطة ولبس ثَوْبِي الإحرام ، بنِيَّة الحج أو العمرة ، أو الاثنين معا . وله زمان محدد وهي أشهر الحج التي ورد ذكرُها في قوله تعالى { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } (سورة البقرة الآية 197) ومكان محدد وهي المواقيت التي يحرم الحاج منها .
وثوب الإحرام يتكون من ردائين لونهما أبيض ، أحدهما يلف النصف العلوي من الجسم دون الرأس ، والثاني يلف النصف السفلي من الجسم . ولا تلبس المرأة ثوب إحرام ولكنْ تحج في ملا بسها .
يكون الإحرام بالحج في أشهر الحج ، وهي شوال وذو القعدة والأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة . كذلك يكون الإحرام بالحج قبل المواقيت المكانية ، وهي الأماكن التي حددها رسول الله صلــــى الله عليه وسلم ، ولا ينبغي لحاج أو معتمر أن يتجــــاوزها دون أن يُحــرِم .
وتُشْرَع التلبية للحاج والمعتمر من وقت الإحرام . ولفظُها ـــ كما رواه نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ـــ ” لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ” (رواه الترمذي والحاكم ) . [ معنى لبيك : أيْ دواما على طاعتك ] . ويُستحب أن يرفع الرجال أصواتَهم بالتلبية . أما المرأة فتُسْمِعُ نفسَها ولا ترفع صوتها .
الوقوف بعرفة:
بعد طلوع شمس اليوم التاسع من ذي الحجة ، يتوجه الحجاج إلى عرفات ، مع التكبير والتهليل و التلبية ، للوقوف على جبل عرفة . والمقصودُ بالوقوفِ الحضورُ والوجودُ في أي جزء من عرفة ، ولو كان قاعدا أو مضطجعا أو ماشيا .
والوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم ، ِلمَا رواه أحمد وأصحاب السنن عن عبد الرحمن بن يعمر ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” الحج عرفة ” .
ويوم عرفة من أعظم الأيام وأفضلِها عند الله تبارك وتعالى ، فيه يغفر الله الذنوب ويعـفـو عن السيئات . فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، يَنْـزِل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا ، فيباهي بأهلِ الأرضِ أهلَ السماء ” . ( رواه ابن خزيمة وابن حِبَّان ) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات ، فقال : ” يا بلال أَنصِت لي الناس ” . فقام بلالٌ فقال : أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنصت الناس . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” معشرَ الناس : أتاني جبريلُ عليه السلام آنفا ، فأقرأني من ربـــي السلام وقال : إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات وأهل المَشْعر الحرام ، وضَمِنَ عنهم التَّبِعَات ” . فقـام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : يا رسول الله ، هذا لنا خاصة ؟ قال : ” هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة ” . فقال عمر رضي الله عنه : كَثُر خير الله وطاب ( رواه مسلم ) .] معنى ” ضمن عنهم التبعات ” أيْ تكفَّل بقضاء ما عليهم من حقوق للعباد [ . ويُسَنُّ صومُ يوم عرفة لغير الحاج .