قص الوحي الشريف؛ قرآناً وسُنة، الكثير من القصص عن الأمم قبلنا لا سيما بني إسرائيل، كقصة البقرة وحكاية مؤمن آل فرعون ومن أوتي آيات الله فانسلخ منها وغيرهم، ومن ذلك قصة جريج الراهب التي روتها السُّنة المطهرة، وهي قصة فيها الحث على بر الوالدة ولطف الله بعباده ونصرته المظلوم.
قال الإمام أحمد: حدثنا وهب بن جرير، حدثني أبي، سمعت محمد بن سيرين يحدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم..».
قال: وكان في بني إسرائيل رجل عابد يقال له: جريج، فابتنى صومعة وتعبد فيها، قال: فذكر بنو إسرائيل عبادة جريج، فقالت بغي منهم: لئن شئتم لأفتننه.
فقالوا: قد شئنا ذاك.
قال: فأتته فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأمكنت نفسها من راع كان يؤوي غنمه إلى أصل صومعة جريج، فحملت فولدت غلاماً.
فقالوا: ممن؟
قالت: من جريج، فأتوه فاستنزلوه، فشتموه، وضربوه، وهدموا صومعته، فقال: ما شأنكم؟
قالوا: إنك زنيت بهذه البغي، فولدت غلاماً فقال: وأين هو؟
قالوا: هو هذا.
قال: فقام فصلى ودعا، ثم انصرف إلى الغلام فطعنه بإصبعه، فقال: بالله يا غلام، من أبوك؟
فقال: أنا ابن الراعي، فوثبوا إلى جريج فجعلوا يقبّلونه، وقالوا: نبني صومعتك من ذهب، قال: لا حاجة لي في ذلك، ابنوها من طين كما كانت.
قال: وبينما امرأة في حجرها ابن لها ترضعه، إذ مر بها راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثل هذا.
قال: فترك ثديها، وأقبل على الراكب فقال: اللهم لا تجعلني مثله.
قال: ثم عاد إلى ثديها فمصه.
قال أبو هريرة: فكأني أنظر إلى رسول الله ﷺ يحكي صنيع الصبي، ووضع إصبعه في فيه يمصه.
ثم مرت بأمة تضرب فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثلها.
قال: فترك ثديها، وأقبل على الأمة فقال: اللهم اجعلني مثلها.
قال: فذاك حين تراجعا الحديث.
فقالت: خلفي مر الراكب ذو الشارة، فقلت: اللهم اجعل ابني مثله، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، ومررت بهذه الأمة فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهم اجعلني مثلها، فقال: يا أمتاه إن الراكب ذا الشارة جبار من الجبابرة، وإن هذه الأمة يقولون: زنت ولم تزن، وسرقت ولم تسرق، وهي تقول: حسبي الله.
وهكذا رواه البخاري في أحاديث الأنبياء، وفي المظالم، عن مسلم بن إبراهيم، ومسلم في كتاب الأدب، عن زهير بن حرب، عن يزيد بن هرون كلاهما عن جرير بن حازم به، طريق أخرى وسياق آخر.
قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد بن هلال، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: «كان جريج يتعبد في صومعته قال: فأتته أمه فقالت: يا جريج أنا أمك وكلمني.
قال: وكان أبو هريرة يصف كيف كان رسول الله ﷺ وضع يده على حاجبه الأيمن.
قال: وصادفته يصلي، قال: يا رب، أمي وصلاتي.. فاختار صلاته، فرجعت ثم أتته، فصادفته يصلي.
فقالت: يا جريج أنا أمك فكلمني.
فقال: يا رب أمي وصلاتي فاختار صلاته.
فقالت:
اللهم هذا جريج وإنه ابني، وإني كلمته فأبى أن يكلمني، اللهم فلا تمته حتى تريه المومسات.
ولو دعت عليه أن يفتتن لافتتن.