جاء دين الإسلام موافقاً لفطرة البشر، فلم يمنع من المباحات لا سيما ما تميل إليه النفس، ومنها مفاكهة الأهل والتبسط معهم.
وقد روت لنا السُّنة حديثاً جميلاً روت فيه أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها حكاية إحدى عشرة امرأة تعاهدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، واشتهر هذا الحديث بحديث أم زرع، وقد تعاقب عليه العلماء شرحاً إما في شروحهم للبخاري أو شروح لهذا الحديث بعينه.
روى البخاري في صحيحه في كتاب النكاح فقال: «باب: حسن المعاشرة مع الأهل»، ثم ساق بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت: جلست إحدى عشرة امرأة فتعاهدن، وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً.
فقالت الأولى: زوجي لحم جمل غَثّ، على رأس جبل، لا سهل فيرتقي، ولا سمين فينتقل.
قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف ألا أَذَرَه، إن أَذْكُرْهُ، أَذْكُرْ عُجَرَه وبُجَرَه.
قالت الثالثة: زوجي العَشَنَّق، إن أنطقْ أُطَلَّق، وإن أسكت أُعَلَّق.
قالت الرابعة: زوجي كليل تِهامة، لا حَرٌّ ولا قُرٌ ولا مخافة ولا سآمة.
قالت الخامسة: زوجي إن دخل فَهِدَ، وإن خرج أسد، ولا يَسأل عما عَهِدَ.
قالت السادسة: زوجي إن أكل لفَّ، وإن شرب اشتفَّ، وإن اضطجع التفَّ، ولا يولج الكفَّ ليعلم البَثّ.
قالت السابعة: زوجي غياياء أو عياياء طباقاء، كل داء له داء، شجّكِ أو فَلَّكِ أو جمع كلا لك.
قالت الثامنة: زوجي، المسُّ مسُّ أرنب، والريح ريح زَرْنَب.
قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النِّجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من النَّاد.
قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارِح، وإذا سمعن صوت المِزْهَر أيقن أنهن هوالك.
قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع فما أبو زرع؟ أَنَاسَ من حلي أذني، وملأ من شحم عَضُدَي، وبَجَّحَنِي فبجحت إلى نفسي، وجدني في أهل غُنيمة بشق، فجعلني في أهل صَهِيلٍ وأَطِيطٍ، ودائس ومُنَق، فعنده أقول فلا أُقبَّح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقنَّح، أم أبي زرع، فما أم أبي زرع؟ عُكُومُها رَدَاح، وبيتُها فَسَاح، ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كَمَسَلِّ شَطْبَة، ويشبعه ذراع الْجَفْرَة، بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طَوْعُ أبيها، وطوع أمها، ومِلءُ كسائها، وغيظُ جارتها، جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تَبُثُّ حديثنا تبثيثاً، ولا تنقِّث ميرتنا تنقيثاً، ولا تملأ بيتنا تعشيشاً.
قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تُمْخَض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهْدين يلعبان من تحت خَصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلاً سَرِيّاً، رَكِبَ شَرِيّاً، وأخذ خَطِّياً، وأراح عليَّ نعماً ثَرِيَّاً، وأعطاني من كل رائحة زوجاً، وقال: كلي أم زرع، ومِيري أهلك، قالت: فلو جمعتُ كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.
قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت لك كأبي زرع لأم زرع».