في دراسته التحليلية المتميزة يطرح د. محمد عبدالله عيسى المطر «التحديات العقدية المعاصرة»، ويؤكد أن العقيدة ركيزة من ركائز الإنسان في حياته، فهي أساس تعامله مع خالقه سبحانه وتعالى ومعرفة سر وجوده ونهايته ومصيره.
مبيناً التحديات التي تعرضت لها العقيدة منذ بدايتها إلى يومنا هذا، مروراً بقرون كثيرة، منها ما هو مستمر ومنها ما خَفَتَ نجمه، ومن هذا المنطلق حرص المؤلف على بيان التحديات العقدية المعاصرة التي قام برصدها، ثم ذكر التحديات التي تواجه المتخصص في العقيدة.
وانطلق في بحثه ليبيَّن المراد بالتحديات المعاصرة، ويؤكد أنها «أزمة تنجم عن شيء جديد ويأخذ صفة المعاصرة إلى حين ظهور غيره، يولِّد الحاجة لدى المجتمع الذي يندفع بها نحو التغلب عليه، ويتطلب تغييراً شاملاً في شتى مناحي الحياة».
وقد وضَّح معنى العقيدة في اللغة والمراد بها في اصطلاح علماء العقيدة، وكذلك وضّح المراد بالمعاصرة؛ ليكون القارئ على بينة من الأمور الفكرية والعملية الجديدة في الوقت المعاصر التي تنازعُ الأفراد أو الأمم أو الجماعات في عقيدتهم، وتدفعهم للتغلب عليها، وإزالتها حماية لها.
التحديات الخارجية
وفي المبحث الأول، أفاض في بيان التحديات الخارجية التي تؤثر على عقائد المسلمين، وأكد أن هذه التحديات تتمثل في:
1- التنصير (الحركات التبشيرية): الذي يقوم به أصحابه لإبعاد دخول النصارى في الإسلام، ولإشغال المسلمين وإبعادهم عن دينهم الحق.
2- الاستشراق: الذي لا يستطيع أحد أن ينكر دوره الخبيث في مسيرة الفكر الإسلامي، وتأثر كثير من مفكري الإسلام بما يبثه المستشرقون في بطون كتبهم.
3- المذاهب الفلسفية اللادينية أو الإلحادية: التي انتشرت بين أبناء المجتمع الإسلامي نتيجة للعولمة الجديدة، ودخول وسائل التواصل الاجتماعي كل بيت.
4- فلسفة التعددية الدينية: التي يستخدمها الغرب في إبعاد المسلمين عن التمسك بعقائدهم من خلال تسويق أهمية الحوار، واحترام الأديان، وصولاً إلى عدم تكفير أصحاب الأديان والمعتقدات المنحرفة بحجة أنها مستمدة من الله تعالى.
5- تحدي الوسطية والإرهاب: حيث اتخذ الغرب الوسطية واستعملها في غير موضعها -خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001م- وطرح الغرب مصطلح الوسطية بأنه الحل لمواجهة الإرهاب، مما نتج عنه تغيير المناهج الدراسية في كثير من البلاد الإسلامية؛ لتتوافق مع ما يدعون إليه من تحجيم للإسلام ومحاربة معاني شموليته.
التحديات الداخلية
ثم بيَّن التحديات الداخلية في العالم الإسلامي وأكد أنها تتمثل في:
1- تحدي العلاقة بين السُّنة والشيعة: حيث كان لهذه العلاقة الدور الرئيس في الصراع الفكري، وقد أخذ هذا الصراع أبعاداً كبيرة بعد ثورة الخميني عام 1979م التي حرصت على تصدير الثورة والدعوة إلى التشيّع في كثير من الدول الإسلامية.
2- تحدي المدرسة العقلانية والحداثية: وهذه المدرسة تقوم على تقديم العقل على قطْعيَّة النص الشرعي ويقينه، وقد تسببت في معارضة بعض المسائل الشرعية بحجة تعارضها مع العقل.
3- تحدي الغُلوِّ بين التكفير والإرجاء: وهذه أزمة من الأزمات المعاصرة في الفكر الإسلامي، التي أدت إلى ظهور جماعات التكفير، ومن ثَم ظهرت في المقابل وبقرارات سياسية في بعض الدول قضية الإرجاء التي تقوم على اعتبار أن الإيمان اعتقاد بالقلب وقول باللسان فقط ولا دخل للعمل فيه.
4- تحدي الصراع الفلسفي الأشعري: وقد تبلور هذا الصراع من فتنة القُشيري كما يصفها بعض العلماء، وقد كان قبلها الوئام بين الحنابلة والأشعرية، وقد وصل الصراع ذروته في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وقد تطور الخلاف في العصر الحديث بعد تصدُّر التيار السلفي ورموزه بالخليج، ويتفاوت الصراع وأهميته وتنوع درجات الخصومة عند السلفيين والأشاعرة بكافة تنوعاتهم.
5- تحدي الصراع الإسلامي العلماني: هذا التحدي كان من أبرز التحديات التي أدت إلى سقوط الخلافة، وكانت بدايات هذا الصراع مع الحالة الثقافية والسياسية في بعض الدول الإسلامية، وفي مصر خاصة، بمواجهات فكرية بين بعض علماء الأزهر ومدرسة جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا، مروراً بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين وصراعها مع الأفكار والأحزاب التي تنادي بفصل الدين عن السياسة.
6- تحدي الصراع بين التيارات الإسلامية: وهذا يُمثِّل واحداً من أوجه الصراعات الكبيرة في العالم الإسلامي، وهذا الصراع كغيره من الصراعات تتزايد وتيرته وتنخفض، وكان هذا الصراع كغيره ضمن استخدامات الأنظمة في صراعاتها.
7- تحدي الصراع بين التصوف والسلفية: ومن أبرز القضايا في هذا الصراع قضايا مفهوم توحيد الألوهية، وما يتبعه من دعاء ونذر وذبح واستغاثة واستعانة وغير ذلك، وقد أخذ الصراع السلفي الصوفي مناحي كثيرة.
التحديات التي تتعلق بمتخصص العقيدة
وفي المبحث الثاني، تحدث المؤلف عن التحديات التي تتعلق بالمتخصص في العقيدة على مستوى مناهج التدريس وعلى مستوى الطالب نفسه، وأكد أن الخلل في مناهج التدريس يتمثل في:
1- الاعتماد على الكتب التراثية وشروحها القديمة والمعاصرة، مع بُعد هذه الشروح عن الوضع المعاصر، حيث إنها في مجملها تتناول مسائل متواكبة مع العصر الذي كُتبت فيه هذه الكتب العقدية.
2- عدم الرجوع لمصادر الفِرَق والجماعات الأصلية، ونتج عن ذلك تصورات خاطئة عن هذه الفِرَق وبناء قناعات على غير الحقيقة.
3- عدم التوازن في تدريس علم الكلام والمنطق، حيث ترى المدرسة السلفية منع الاشتغال بعلم الكلام ومحاربته، وترى المدرسة الكلامية (الأشاعرة، والماتريدية، والإباضية..) الغلو في تدريس المنطق وعلم الكلام وتسفيه أي طالب علم لم يتعلم هذه العلوم بتفاصيلها.
4- الدراسة السطحية للأديان والمذاهب الفكرية، حيث تقوم أغلب الجامعات وحلقات التدريس العقدي على التناول السطحي للمذاهب الفكرية والأديان دون الحث على مطالعة وبحث حقيقة هذه الأديان والمذاهب من مصادر محايدة ودراسات موضوعية.
5- ضعف الدراسات العميقة، حيث يغلب على الدراسات الجامعية المتعلقة بالعقائد والفِرَق والمذاهب والأديان التكرار في المواضيع، وقليلاً ما نجد دراسات مُعمقة وتفصيلية.
6- ضعف لغة الحوار والاستماع بين الطالب والمعلم، ويرجع ذلك إلى واقع سياسي في أغلب الدول يُمنع الطالب والمعلم من الصراحة في الآراء والأفكار، وواقع أكاديمي يمنع الطالب من مخالفة رأي المعلم.
أما التحديات التي تواجه طالب علم تخصص العقيدة فتتمثل في قلة عدد الراغبين بدراسة التخصص، وضعف المهارات والعلوم الأخرى المساندة لديهم.
سبل مواجهة التحديات العقدية
ثم تحدث المؤلف في المبحث الثالث عن سبل مواجهة هذه التحديات العقدية التي باتت تمثل أزمة وجرحاً في حياة المسلمين، وأكد أن العلاج الأمثل لهذه التحديات يتمثل في:
1- تقليل الصراع السلفي الأشعري.
2- التوعية بأخطار العلمانية والمذاهب الفلسفية المنحرفة.
3- التعامل مع القضية الشيعية بنشر العقيدة الصحيحة والرد على الشبهات، ونشر فضائل آل البيت، والفصل بين المشروع الإيراني والمذهب الشيعي.
4- نشر الوعي عند التيارات الإسلامية، وتوضيح خطورة التكفير وأعمال العنف، والحث على العمل ضمن مؤسسات الدولة.
وختم المؤلف الكتاب بمجموعة من النتائج والتوصيات التي من خلالها نستطيع أن نواجه هذه التحديات العقدية ونتغلب عليها، وننطلق من خلالها لخدمة الإسلام وجمع كلمة المسلمين.