الشعور بالاستعلاء واحتقار العالم
الشعور بالاستعلاء والاستكبار على جميع الخلق داء مستحكم ومزمن عند يهود، هذا ما ورد في توراتهم المحرفة: «لأنك شعب مقدس للرب إلهك، وقد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض»(1).
ويقول الرب: بنو إسرائيل أحباء الله؛ لأنهم يدعون أبناءه، بل هناك برهان أعظم على هذا الحب، وهو أن الله نفسه قد سماهم بهذا الاسم في قوله في التوراة: «أنتم أولاد للرب إلهكم»(2).
وفي كتبهم نجدهم يخلعون على أنفسهم صفات المدح والتعظيم فيسمون أنفسهم بـ«الشعب الأزلي»، و«الشعب الأبدي»، و«شعب الله المختار».
وترتب على هذا التعالي احتقارهم لغيرهم من البشر وتسميتهم بألفاظ السباب والشتائم مثل «الجوييم»(3).
ولم يكتف اليهود في شغفهم باحتقار الأمم الأخرى ومسبَّتها بتسميتها «الجوييم»، بل ظهر إلى جانبها عددٌ من ألفاظ السُّباب، أشهرها «عاريل»؛ ومعناها «الأقاسف» الذين لم تُجر لهم عملية الختان أو الطهارة، بل بقي بدائياً فطرياً، وهو بهذه الحالة قذر وكافر في آن واحد.
وهناك أيضاً من ألفاظ السُّباب «حمزير»؛ ومعناها «ابن الزنى»، التي استُعملت نَعْتاً للفلسطينيين من أهل أشدود، كما دلَّت على كل شعب حقير مختلط الأنساب في مواضع كثيرة من النصوص المقدَّسة!
القرآن الكريم يبطل هذه الفِرية
هذه الروح الاستعلائية لدى يهود تصدى لها القرآن الكريم في أكثر من آية فقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير) (المائدة: 18).
قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: خوَّف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قوماً من اليهود العقاب فقالوا: لا نخاف فإنا أبناء الله وأحباؤه، فنزلت الآية، وقال ابن إسحاق: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضا، وبحري بن عمرو، وشأس بن عدي فكلموه وكلمهم، ودعاهم إلى الله عز وجل وحذَّرهم نقمته فقالوا: ما تخوفنا يا محمد؟ نحن أبناء الله وأحباؤه، كقول النصارى، فأنزل الله عز وجل فيهم: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم)، إلى آخر الآية.
وقال لهم معاذ بن جبل، وسعد بن عبادة، وعقبة بن وهب: يا معشر يهود، اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله، ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه، وتصفونه لنا بصفته، فقال رافع بن حريملة، ووهب بن يهوذا: ما قلنا هذا لكم، ولا أنزل الله من كتاب بعد موسى، ولا أرسل بشيراً ولا نذيراً من بعده، فأنزل الله عز وجل: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ۖ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة: 19)(4).
والآية الكريمة تؤكد كذب يهود في ادعائهم الأفضلية على غيرهم من البشر فقال تعالى: (بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء)؛ أي: ليس الأمر كما زعمتم أيها اليهود، بل الحق أنكم كسائر البشر من خلق الله، إن آمنتم وأصلحتم أعمالكم نالكم الثواب، وإن بقيتم على كفركم وجحودكم نالكم العقاب، لا فضل لأحد على أحد عند الله إلا بالإيمان والعمل الصالح.
وعلى سبيل التحدي، يقول الله تعالى لهم: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {6} وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ {7} قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (الجمعة)، ويقول تعالى: (قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين) (البقرة: 94).
وقد أكد القرآن الكريم في أكثر من آية لعن الله تعالى لليهود، وغضبه عليهم فقال تعالى: (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُون) (البقرة: 88)، وقال تعالى: (وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِين) (البقرة: 89)، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُون) (البقرة: 159)، وقال تعالى: (أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين) (عمران: 87)، وقال تعالى: (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلا) (النساء: 46)، وقال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين) (المائدة: 13)، وقال تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) (المائدة: 60).
احتكار السامية والعداء مع البشرية
احتكر اليهود «السامية» لأنفسهم، وادعوا أنهم وحدهم أبناء سام بن نوح عليه السلام، ومعلوم أن الله تعالى لما نجى نوحاً عليه السلام كان معه أبناؤه الثلاثة؛ سام، وحام، ويافث، وقد تفرقوا بعد ذلك في الأرض، وكل الموجودين الآن من البشر هم من نسل هؤلاء الثلاثة، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) (الصافات: 77)، وقد تم تقسيم هذا النسل بحسب المؤرخين وعلماء البشر إلى ثلاثة أقسام؛ وهم: الحاميون نسل حام بن نوح، أصحاب البشرة السوداء شعوب أفريقيا، أما اليافثيون نسل يافث بن نوح، أصحاب البشرة البيضاء والصفراء الأوروبيون، أما الساميون نسل سام بن نوح، أصحاب البشرة المتوسطة بين اللون الأبيض والأصفر.
روى الإمام أحمد بسنده عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم»، وذكر ابن كثير عن سعيد بن المسيب: وَلَدُ نُوحٍ عليه السلام ثَلَاثَةٌ: سام وحام ويافث، وَوَلَدَ كُلُّ واحد من هذه الثلاثة ثلاثة، فولد سام العرب وفارس والروم، وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج، وولد حام القبط والسودان والبربر(5).
وبناء على تلك المعطيات نقول: إن السامية ليست حكراً على اليهود، بل إن العرب والفرس والروم هم كذلك من أبناء سام بن نوح عليه السلام.
لقد استغلت الصهيونية العالمية ما شُرِّع من قوانين في الغرب ضد مُعادي السامية أسوأ استغلال فجعلوا كل من ليس موالياً لهم ولاء مطلقاً ومجارياً لهم في كل تصرفاتهم القذرة يعتبر معادياً للسامية، والحقيقة هي أن اليهود هم أكبر أعداء السامية؛ لأنهم يعادون العرب عداءً سافراً، ويحقدون على بقية السامين الآخرين ويكيدون لهم في الخفاء؛ بل يكيدون لجميع البشرية، فهم ألد أعداء السامية وأخطرهم، بل هم أعداء البشرية كلها.
ونشير هنا إلى أن الإسلام لا ينظر إلى الأنساب ولا يعلق عليها أحكام التفاضل بين الخلائق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي، وفاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم خلق من تراب»(6)، وأكرم الناس عند الله تعالى أتقاهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13).
_____________________
(1) سفر التثنية (14: 2).
(2) المشنا (وصايا الآباء 3/ 18).
(3) الجوييم أو الغُوييم: كلمة قديمة استخدمها اليهود في العصور القديمة بمعنى الهوام والحشرات التي تزحف في جموع كبيرة.
(4) تفسير القرطبي (6/ 120).
(5) تفسير ابن كثير (7/ 22 – 23).
(6) أخرجه الترمذي (3955).