خلق الله الإنسان لمهمة عظيمة في الحياة، وهي خلافته في الأرض وعبادته، (ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، والعبادة بمفهومها الشامل، ليست فقط المحصورة في أركان الإسلام (الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج)، كما قال ابن تيمية: “العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله، ويرضاه من الأقوال، والأعمال الباطنة والظاهرة”.
ولهذا فُضّل الإنسان على سائر المخلوقات بهذه المهمة الكبيرة، ولكن الإنسان في غالب الأحيان غابت عنه طبيعة هذه المهمة، فانصرف إلى ما دون ذلك بغواية الشيطان، ولم يقم بالمهمة المنوطة به على خير وجه، وترك شرف العبودية الحقّة، وأبدلها بصفة البهيمية التي تسعى لأجل ملأ بطنه فقط.
والإنسان السويّ هو الذي يسعى لنيل شرف تحقيق مراد الله من هذا الخلق، فتكون له غاية أساسية في حياته لإرضاء الله، والسعي للتعمير لا التخريب، وهذه الغاية لها متطلبات لا بد أن يفي بها كل إنسان يريد أن يسلك هذا الطريق، وينال شرف السير فيه.
ولتسهيل هذا الاستخلاف سخر الله له ما في السماوات وما في الأرض، (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ) (الجاثية:13)؛ ليكون في خدمته انتفاعًا واعتبارًا واختبارًا، وليكون عونًا له في خلافة الأرض وعمارتها بأمر الله تعالى وعلى مراده، والإصلاح فيها ونشر الخير، والعدل، والأمن، والطمأنينة.
ومن أهم الوسائل المعينة على ذلك أن ينظر الإنسان في سيرة من سبقوه ونالوا هذا الشرف، وضحوا من أجله، وبذلوا من أنفسهم وأوقاتهم لتحقيقه، وترفعوا عن السفاسف، وسعوا إلى المعالي بكل الوسائل المتاحة، ولم يهتموا بمن انحرف، أو حاد عن الطريق.
ومدخل السعادة للإنسان أن يحقق أهدافه، ويعرفه مهمته الحقيقية، أما الذي يعيش من أجل أن يقتات ويأكل فقط، فهذا منقوص الأهلية، ولم يفهم طبيعة المهمة التي خلقه الله من أجلها.
والمتأمل في حال الناس في أيامنا هذه يجد أن الكثير منهم، إلا من رحم، لا هدف له في الحياة إلا أن يستمتع بملذاتها من الطعام والشراب، وصرف الأوقات في غير فائدة، ونسي مهمته الأساسية وهي التعمير في الأرض، ونفع الناس.
ولذلك ورد أنَّ رجلًا جاء إلى رسولِ اللهِ، صلّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: “يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله فقال: “أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ ، تَكشِفُ عنه كُربةً ، أو تقضِي عنه دَيْنًا ، أو تَطرُدُ عنه جوعًا ، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا ، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه ؛ ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا ، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له ؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ”.
وأحوال المسلمين اليوم تحتاج منّا جميعًا أن نسعى بكل الإمكانيات والوسائل المتاحة لتضميد الجراح، والنُصرة بالقول والفعل، لأن التحديات كبيرة، والمؤامرات التي تحاك كثيرة، وكل فرد يمكن أن يضع اللبنة الحسنة، والفعل المُؤثر الذي يفيد الآخرين، ويجب ألّا يستقلّ الإنسان أي فعل يقوم به، طالما أن هذا هو ما يستطيعه.
أمّا أن ينصرف كل مِنّا إلى ذاته فقط، ولا يهتم بأمور المسلمين، فتلك مصيبة، ولذا ورد في الأثر أنه “مَن أصبح وهَمُّه الدنيا، فليس من اللهِ في شيءٍ، ومَن لم يَهْتَمَّ بأمرِ المسلمينَ فليس منهم، ومَن أَعْطى الذِّلَّةَ من نفسِه طائعًا غيرَ مُكْرَهٍ، فليس منا”.
وعلى ذلك يكون من النبل والشرف الاهتمام بأمر أهلنا في غزة بشكل خاص، وفلسطين بشكل عام، ونصرتهم ودعمهم بالمال والدعاء، ونشر قضيتهم العادلة، في مواجهة جبروت الصهاينة المدعومين من الغرب بكل أشكاله.
ولأن النصرة من حقوق الأخوة، كما ورد في الحديث: ” المسلمُ أخو المسلمِ لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه مَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجتِه….”.
اللهم انصر أهلنا في فلسطين، وافتح لهم فتحًا مبينًا، وكن لهم عونًا ونصيرًا، وسندًا وظهيرًا، وانصرهم نصرًا عزيزًا مؤزرًا، وتقبل شهداءهم، واشف جرحاهم، وأطعم جائعهم، وأبدلهم بخوفهم أمنًا، وقو شوكتهم، واشحذ عزيمتهم، واكتب لهم السلامة أجمعين.
ــــــــــــــــــ
نقلاً عن “الشرق”