عودة الوحدة الإسلامية حلم لم يغب يوماً عن المسلمين منذ سقطت أو أسقطت آخر خلافة لهم؛ أو آخر دولة جامعة لهم، الدولة العثمانية، فقد نادي جمال الدين الأفغاني بالجامعة الإسلامية كون الوحدة الإسلامية ضرورية لمواجهة الاستعمار الغربي، ونادى بها محمد عبده، ومن أجلها أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين.
وفي الهند التي لم تكن سياسياً ضمن الخلافة الإسلامية العثمانية، نادى كبار المفكرين المسلمين من أمثال أبو الحسن الندوي، وأبو الأعلى المودودي؛ بالوحدة، ومن إيران نادى المفكر الإسلامي البارز عليّ شريعتي بالوحدة الإسلامية لأمة إسلامية واحدة تتعالى على الخلافات المذهبية.
كل هؤلاء لم ينشغلوا بشكل الوحدة؛ هل هي خلافة جامعة، أم اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي أو مجرد اتحاد اقتصادي؟ كل ما همهم هو التكتل أو التوحد، في مقابل التشرذم والضياع.
محاولات توحيد المسلمين
لم تتوقف محاولات المسلمين لإيجاد أي صورة من صور الوحدة منذ سقوط أو إسقاط الخلافة العثمانية، آخر رمز وحدوي، والتاريخ يحفظ لنا العديد من المحاولات التي بذلت والمؤتمرات التي عقدت والمنظمات التي تكونت من أجل هذا الغرض.
من أبرز هذه المحاولات:
– مؤتمر الخلافة الإسلامية (القاهرة 1926م): دعا إليه الملك فؤاد الأول ملك مصر، وحضره ممثلو عن 22 دولة إسلامية، لكنه لم يُحقق نتائج ملموسة.
– المؤتمر الإسلامي الأول (1926م): عُقد في مكة المكرمة بمشاركة 22 دولة إسلامية، وهدف إلى مناقشة القضايا التي تواجه العالم الإسلامي، مثل الاستعمار الغربي والحركات التبشيرية.
– مؤتمر القدس (1931م): عُقد لمناقشة قضية فلسطين.
– جامعة الدول العربية (1945م): تأسست جامعة الدول العربية كمنظمة إقليمية تضم الدول العربية، بدعم من بريطانيا التي أدت دوراً مهماً في تأسيسها عام 1945م، وهذا يدلّ على أنّها كانت تسعى لخلق مؤسسة تمكنها من التحكم في الدول الناطقة بالعربية.
– مؤتمر القاهرة (1954م): ضمّ 7 دول عربية، وناقش قضايا الوحدة العربية والإسلامية.
– منظمة المؤتمر الإسلامي (1969م): تأسست بعد حادثة إحراق المسجد الأقصى، وتضم 57 دولة إسلامية، تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات.
– مجموعة الدول الثماني (1997م): وهي منظمة دولية تأسست من قبل 8 دول إسلامية، وكان الداعي لها نجم الدين أربكان، رئيس وزراء تركيا الراحل.
وسنتوقف هنا لنلقي الضوء على محاولتين فقط، هما منظمة التعاون الإسلامي، ومجموعة الدول الإسلامية الثماني:
أولاً: منظمة المؤتمر الإسلامي:
تأسست منظمة المؤتمر الإسلامي (التي تُعرف الآن باسم منظمة التعاون الإسلامي) في 25 سبتمبر 1969م في العاصمة المغربية الرباط، وذلك بعد انعقاد أول مؤتمر لقادة الدول الإسلامية، وقد جاءت الدعوة إلى تأسيسها رداً على حادثة إحراق المسجد الأقصى المبارك من قبل الصهاينة في 21 أغسطس 1969م، التي أثارت مشاعر الغضب والاستياء في العالم الإسلامي.
أهداف لم تتحقق
تهدف المنظمة إلى تعزيز التضامن والتعاون بين الدول الأعضاء في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، بالإضافة لحماية الأماكن المقدسة في الإسلام، ودعم كفاح جميع الشعوب الإسلامية في سبيل صيانة كرامتها واستقلالها وحقوقها الوطنية.
فما الذي حققته المنظمة حتى الآن؟ بل ما الذي حققته لوقف التطهير العرقي والإبادة الجماعية للمسلمين الفلسطينيين في غزة، أو في غير غزة؟ وما الذي حققته في سبيل تحرير المسجد الأقصى رغم أنه كان من أهم أسباب تأسيسها؟!
غياب الإرادة والآلية
الواقع أن المنظمة تجتمع وتنفض وتصدر البيانات، حيث نسمع ضجيجاً ولا نرى طحناً، والسبب عدم وجود إرادة الفعل بين أعضائها التي نتج عنها عدم وجود آلية فعّالة لتنفيذ قرارات المنظمة، إن وجدت.
ثانياً: مجموعة الثماني الاقتصادية الإسلامية:
تولى نجم الدين أربكان رئاسة وزراء تركيا لسنة واحدة من 28 يونيو 1996 إلى 30 يونيو 1997م، ولكنها كانت حافلة بالإنجازات، وكان من بين هذه الإنجازات الدعوة ومن ثم تأسيس مجموعة الثماني.
ومجموعة الدول الثماني منظمة دولية تأسست عام 1997م من قبل 8 دول إسلامية نامية، هي: تركيا ومصر ونيجيريا وباكستان وإندونيسيا وإيران وماليزيا وبنجلاديش.
وهذه كتلة سكانية واقتصادية جبارة، حيث قارب 14.7 مليون كيلومتر مربع، وهذا يمثل ما يقارب 10% من مساحة اليابسة في العالم، وعدد سكان دول مجموعة الثماني يبلغ 1.1 مليار نسمة؛ أي ما يوازي 14% من سكان العالم، فيما يبلغ مجموع حجم اقتصاداتها 3.8 تريليونات دولار.
ومن أهداف المنظمة تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي ودعم القضايا الإسلامية في المحافل الدولية.
إنجازات المنظمة
كانت المنظمة من المحاولات النادرة التي تركت آثاراً على الأرض، وحققت إنجازات ملموسة رغم ما واجهته من عقبات ورغم عدم التحمس لها من قبل الأنظمة الممسكة بزمام الأمور، فقد كان من بين إنجازاتها:
– توقيع اتفاقية التجارة التفضيلية بين الدول الأعضاء عام 1998م.
– إنشاء صندوق التعاون الإسلامي للتنمية عام 2005م.
– عقد العديد من القمم والمؤتمرات حول مختلف القضايا.
التبعية والفساد والاستبداد
من هذا الاستعراض السريع لمحاولات المسلمين للوصول إلى نوع من أنواع الوحدة يتضح أولاً أن المحاولات لم تتوقف، لكنها محاولات خجولة وغير جادة، وثانياً أن أغلب الأنظمة ليست متحمسة للوحدة، ونادراً ما تصدر عنها مبادرات جادة تهدف للتوحد والتكتل، فما العقبات التي تقف في طريق الوحدة الإسلامية؟
ما زالت بلاد المسلمين في أنحاء الأرض، إلا القليل منها، محكومة بأنظمة تابعة ليس لها رؤية ولا تملك من أمرها شيئاً، نخبة لا تعرف إلا الاستبداد، ولا تقرّب إلا الفاسدين والمفسدين، وهذا ما يجعل توحيد الأمة هدفاً لا يزال بعيد المنال، إذا لم تتغير هذه الأحوال والظروف.