مع انتشار المجاعة والأوبئة والأمراض المعدية والدمار واستمرار إراقة الدماء، يواصل جيش الاحتلال «الإسرائيلي» حربه الغاشمة على قطاع غزة المحاصر من جميع الاتجاهات منذ 7 أكتوبر 2023م، وسط تجاهل من حكومة الاحتلال لمطالب ونداءات الدول والمنظمات العالمية لوقف العدوان العسكري المتصاعد ضد المدنيين وممتلكاتهم.
ويفرض جيش الاحتلال حصارًا خانقًا على سكان محافظة شمال غزة الذي يتواجد فيه الآن نحو 400 ألف نسمة منذ أشهر عدة، ويمنع الأهالي من حرية التنقل إلى باقي مناطق القطاع، بالتزامن مع استمرار القصف الجوي والمدفعي والاجتياح البري المدمر للمناطق كافة.
هذا الحصار المُطبق، تسبب في صعوبة الحصول على المواد الغذائية الأساسية أهمها الطحين، وانقطاع أدوية طبية لازمة؛ ما أدى إلى استشهاد 6 مواطنين بينهم أطفال رضع وتسجيل حالات سوء تغذية، ودفع المئات للنزوح قسراً إلى مناطق الجنوب بالمرور على حواجز عسكرية منصوبة على شارع الرشيد غرب مدينة غزة.
سكان محافظة الشمال الذين فقدوا أبرز مقومات الحياة، طالبوا في مسيرات شعبية عفوية المنظمات الدولية وحكومات العالم بضرورة الضغط على حكومة الاحتلال التي يرأسها بنيامين نتنياهو، ومتطرفين صهاينة لوقف العدوان وفك الحصار وإدخال المساعدات الغذائية والإغاثية الأساسية واللازمة لإبقائهم على قيد الحياة.
وعبر حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، نشر مواطنون منهم أطفال وسيدات حوامل وهم في حالة يرثى لها بعد تفشي الجوع بينهم، مقاطع فيديو، وجهوا من خلالها مطالبات بضرورة السماح لإدخال الطعام لهم لا سيما الطحين.
كما دفع الجوع أرباب الأسر لإعداد أطعمة لأبنائهم بخلط أكل الحيوانات المتمثلة من الشعير والذرة والقمح معًا، بحيث تصبح أرغفة يتم تناولها بصعوبة عند الأكل المنقطع.
وفقاً لتقرير صادر عن وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فقد كانت آخر مرة تمكنت فيها الوكالة من إيصال المساعدات الغذائية إلى شمال قطاع غزة في 23 يناير الماضي.
وأكد التقرير الأممي أن دعوات «أونروا» لإرسال المساعدات الغذائية إلى شمال قطاع غزة تم رفضها ولقيت آذاناً صماء.
وأضاف أنه ما يزال من الممكن تجنب المجاعة إذا توفرت الإرادة السياسية الحقيقية.
وفي الوقت ذاته، تتعمد حكومة الاحتلال والمستوطنين عرقلة السماح بتدفق الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية المكدسة أصلاً عند الجانب المصري إلى قطاع غزة، عبر ما يسمى بمعبر كرم أبو سالم، في إطار سياسة التضييق والخناق والضغط على المقاومة الفلسطينية من أجل الاستلام.
تهديد رفح
المسؤولون والمتحدثون في الجيش والحكومة الصهيونية يحاولون منذ بداية العدوان، في 7 أكتوبر الماضي، البحث عن نصر مزعوم ومخرج لتبييض وجوههم أمام الجمهور «الإسرائيلي»، إلا أنهم يفشلون في كل مرة في تحقيق أهدافهم، وهو ما دفعهم مؤخراً لإطلاق تصريحات في مؤتمرات صحفية وعبر وسائل الإعلام العبري المتعددة للاستعداد لاجتياح مدينة رفح جنوب القطاع.
وعقب تصريح رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، بمؤتمر صحفي قبل أسابيع عدة، الذي أعلن في عن إيعازه للجيش للاستعداد لاجتياح مخيمات محافظة الوسطى ورفح التي يقطنها نحو 1.5 مليون فرد، أعربت منظمات دولية ودول عربية وأجنبية في بيانات منفصلة عن رفضهم الشديد لهذا الاجتياح، مؤكدين أن أي عدوان على رفح سيجلب مزيدًا من الدمار ويرفع من حصيلة الشهداء.
ورأى مراقبون ومهتمون في الشأن «الإسرائيلي» أن التهديد باجتياح رفح بمجرد ورقة ضغط يتم كسبها في طاولة المفاوضات والمباحثات لإتمام صفقة تبادل أسرى جديدة.
ورغم فارق القوة العسكرية، فإن المقاومة في غزة ما زالت تصد العدوان والتوغل البري وتقصف البلدات المحتلة بالمقذوفات والصواريخ مختلفة الأحجام والمديات.
وعبر بيانات وبلاغات عسكرية مقتضبة، تعلن المقاومة يومياً عن حصادها العسكري وتؤكد فيها قنص المقاومين عدداً من الجنود وإيقاعهم في كمائن محكمة مع تفجير مدرعات ودبابات مجنزرة في جميع محاور القتال الدائرة، وتسفر عن وقوع قتلى وجرحى بين صفوف قوات العدو.
وبلغت خسائر الاحتلال حتى الآن نحو 534 قتيلاً و2981 إصابة من الضابط والجنود بينهم 465 إصابة بحالة خطرة، منهم 1421 أصيبوا خلال العملية البرية، وتم أسر ما يقرب 235 جندياً ومستوطناً من مستوطنات غلاف غزة، وأفرجت المقاومة بعد إتمام صفقة تبادل أسرى في وقت سابق عن 110 أسرى.
وما زال نحو مليون مستوطن من سكان مستوطنات الجنوب المحاذية لقطاع غزة والشمال بالقرب من لبنان، يرفضون العودة إلى منازلهم بعد أن تركوها منذ عملية «طوفان الأقصى».
صفقة تبادل أسرى في الأفق
بالتوازي مع القصف العنيف واشتداد المعارك في القطاع، تجرى مباحثات بواسطة قطرية ومصرية وأخرى في عواصم عربية وأوروبية للتوصل إلى إتمام صفقة تبادل أسرى وصولاً إلى المرحلة الأخيرة بإنهاء العدوان وانسحاب الجيش من القطاع.
هذه المفاوضات يشوبها حالة من المد والجزر بين المتفاوضين، حيث يضع المفاوض الصهيوني شروطاً ومقترحات صعبة بهدف عدم نجاح الصفقة أو تأجيلها بحيث تخدم أجندات نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة.
والأسبوع الماضي، خرجت تسريبات وتصريحات من مصادر ومسؤولين قطريين ومصريين تقول: إن إتمام الصفقة التي تقضي بوقف إطلاق النار مؤقتاً وزيادة المساعدات الإنسانية وإطلاق عدد من الأسرى من الجانبين، باتت قريبة.
إحصاءات العدوان
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية قطاع غزة، في تقريرها الإحصائي اليومي لعدد الشهداء والجرحى جراء العدوان «الإسرائيلي» المستمر لليوم الـ144 على غزة، أن الاحتلال ارتكب 11 مجزرة ضد العائلات راح ضحيتها 96 شهيداً و172 إصابة خلال الـ24 ساعة الماضية.
وأكدت الوزارة أنه ما زال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات ويمنع الاحتلال وصول طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
وأشارت إلى أن حصيلة العدوان ارتفعت إلى 29878 شهيداً و70215 إصابة منذ 7 أكتوبر الماضي.
ولفتت إلى أن عدداً من الحالات الخطيرة من الأطفال الرضع تصل إلى مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، نتيجة الحفاف وسوء التغذية.
كما أكدت وزارة الصحة بغزة أن الوضع الصحي في شمال قطاع غزة كارثي للغاية ولا يمكن وصفه، ومستشفيات غزة وشمالها بلا وقود، موضحة أن مستشفى المعمداني بلا وقود منذ أكثر من 10 أيام، وكذلك مستشفى الحلو الدولي المخصص.
وأضافت أن ثلاجات الأدوية بلا كهرباء؛ مما يهدد بإتلاف كميات من الأدوية الحساسة، لافتة إلى أن عشرات السيارات للإسعاف والدفاع المدني والخدمات الطبية خارج الخدمة نتيجة عدم توفر الوقود.
وحذرت الصحة من أن مرضى غسيل الكلى والعناية المكثفة مهددون بالموت نتيجة عدم توفر وقود للمولدات وسيارات الإسعاف والأدوية.
وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية أكدت، من جانبها، أن عدد الطلبة الذين استُشهدوا في قطاع غزة منذ بداية العدوان وصل إلى أكثر من 5379، فيما أصيب 8888 آخرون.
وذكرت الوزارة، في بيان لها، أن 255 معلمًا وإداريًا استُشهدوا وأصيب 891 بجروح، فيما تعرضت 286 مدرسة حكومية و65 تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) للقصف والتخريب؛ ما أدى إلى تعرض 111 منها لأضرار بالغة، و40 للتدمير بالكامل، كما تم استخدام 133 مدرسة حكومية كمراكز للإيواء في القطاع.
وأشارت إلى أن 620 ألف طالب في قطاع غزة ما زالوا محرومين من الالتحاق بمدارسهم منذ بدء العدوان، فيما يعاني معظم الطلبة من صدمات نفسية، ويواجهون ظروفًا صحية صعبة.
رامي العبادلة، مسؤول الصحة العامة في وزارة الصحة بقطاع غزة، قال: إن الصحة سجلت 705 آلاف إصابة بأمراض معدية في القطاع، منذ 24 أكتوبر 2023 وحتى 18 فبراير 2024م.
وأكد العبادلة أن النسب الأكبر سجلت لحالات الإصابة بالتهاب الجهاز التنفسي العلوي، ومن ثم حالات الإسهال والأمراض الجلدية المختلفة التي أصابت المواطنين نتيجة نقص المياه وانعدام المواد اللازمة للنظافة.
بلدية غزة أعلنت أن آليات الاحتلال اقتلعت نحو 55 ألف شجرة ودمرت 8 حدائق عامة في مدينة غزة.
وأوضحت البلدية، في بيان، أن الاحتلال الصهيوني يدمر حديقة الحيوانات ويقتل الحيوانات جوعاً بعدما منع طواقم البلدية من الوصول للحديقة منذ بداية العدوان وحرب الإبادة الجماعية، وتقع الحديقة في شرق حي الزيتون جنوب شرق المدينة، وتضم نحو 100 من مختلف الحيوانات وعشرات الطيور المختلفة وتبلغ مساحتها نحو 4 دونمات.
وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة عن تحديث لأهم إحصائيات حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على القطاع (منذ قرار محكمة العدل الدولية في 26 يناير حتى 26 فبراير 2024م)، وأكد وصول 3525 شهيداً ممن وصلوا إلى المستشفيات؛ بينهم 1720 شهيداً من الأطفال، و1130 شهيدة من النساء، وشهيد من الطواقم الطبية، وشهيدان من الدفاع المدني.
كما تم تسجيل بحسب المكتب الإعلامي الحكومي 12 شهيداً من الصحفيين، و5246 مصاباً.
وذكر أن نحو 11 ألف جريح ما زالوا بحاجة للسفر للعلاج، فيما لا يزال 10 آلاف مريض سرطان يواجهون خطر الموت.
وما يقرب مليوني نازح ما زالوا يعيشون حياة صعبة وقاسية، وفق المكتب الإعلامي الحكومي الذي أكد تدمير الاحتلال 17 مقراً حكومياً، ومدرستين وجامعة بشكل كلي، و9 مدارس وجامعة بشكل جزئي، و47 مسجداً بشكل كلي، و25 مسجداً بشكل جزئي.
كما دمر الاحتلال 39 وحدة سكنية كلياً، و143 وحدة سكنية جزئياً وباتت غير صالحة للسكن.
وأوضح المكتب الإعلامي الحكومي أن الاحتلال ألقى 4 آلاف طن من المتفجرات على غزة.
وأخرج الاحتلال مستشفى عن الخدمة ومؤسستين صحيتين بشكل جزئي ودمر سيارتي إسعاف.
وخلف العدوان مأساة إنسانية قاتمة بحق النازحين في مراكز الإيواء والخيم على مستوى محافظات القطاع الخمس، إذ يعانون من الاحتماء من مياه الأمطار وقساوة البرد القارس إضافة لحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية الأساسية.