«60 وصية عملية في حقوق الأبناء»، عنوان كتاب قيم من كنوز المكتبة الإسلامية، يعد مرجعاً مهماً للآباء والأمهات والمربين، ومنصة علمية وتربوية للاستثمار في الأبناء، بشكل ينهض بالأجيال الجديدة، التي تحمل راية الإسلام، وتذود عن الحق والفضيلة.
تزداد أهمية الكتاب بالنظر إلى قيمة مؤلفه د. صلاح الدين سلطان، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بالقاهرة، الداعية المعروف، الذي جمع بين دفتي الكتاب بين النظريات التربوية الحديثة، وخلاصة تجاربه الشخصية، ممزوجة بالبعد الديني والأخلاقي، بشكل ممتع وبناء.
ويتطرق الكتاب، الصادر عام 2008م، إلى قضايا أسرية واجتماعية عدة، أبرزها حقوق الأبناء على الآباء، قبل الزواج، وقبل الإنجاب، وبعد الولادة وحتى الطفولة المبكرة، ومرحلة البلوغ، ثم الرشد والشباب، كما يقسم تلك الحقوق إلى واجبات إيمانية، وواجبات عملية.
أما الواجبات الإيمانية، فهي تتعلق بأمور عقدية، منها الاعتقاد بأن الولد نعمة من الله، وليس بحول الإنسان وقوته، وأن الولد لا يغني عن والده شيئاً يوم القيامة، وأن إرضاء الله أولاً قبل إرضاء الأبناء، وأن الولاء للأولاد مرتبط بولائهم لله، وأن يبقى حبهم في درجة أدنى من حب الله ورسوله.
وتتوزع الواجبات العملية حسب مراحل العمر، ففي مرحلة ما قبل الزواج، حسن اختيار الأم أو الأب، والزواج من ذات الدين، والبحث عن الصلاح والمنبت الحسن في اختيار الزوج أو الزوجة.
تفاهم وتناغم
وفي مرحلة ما قبل الإنجاب، يوصي المؤلف بأهمية التفاهم والتناغم بين الزوجين، والتضرع إلى الله، بسؤال الذرية الصالحة، والاستحضار الدائم للذكر في معاشرة الرجل لزوجته، وكثرة قراءة القرآن والأذكار في فترة الحمل، والاستعداد لاستقبال الأولاد من خلال قراءات متعمقة، وتلقي دورات موثقة على يد متخصصين في أساليب وطرق التربية.
ويوصي سلطان خلال مرحلة ما بعد الولادة حتى الطفولة المبكرة، باتباع سنن الولادة والفطرة، وإكمال الرضاعة سنتين كاملتين، والاهتمام بالصحة النفسية والذهنية والجسدية، وتعريف الأبناء بدينهم وخالقهم ونبيهم، بشكل ميسر ومحبب للنفس.
أما مرحلة ما قبل البلوغ، فقد سلط الكتاب الضوء عليها، كونها فترة حاسمة ومفصلية في مسيرة التربية، ولذلك يشدد الكاتب على ضرورة تذكير الأبناء بالواجبات الشرعية الأصلية، وتعليمهم ما لا تصح عبادتهم إلا به سواء من خلال جلسات أسرية، أو دورات، أو مخيمات ورحلات، بالتوازي مع توفير القدوة الحسنة، والصحبة الصالحة، واصطحاب الأولاد إلى المساجد ومجالس العلم، وحسن اختيار المؤسسة التعليمية، واختيار السكن اللائق في المناطق الراقية أخلاقياً، وليس مادياً، كما يظن البعض.
بناء الشخصية
ومما يعزز بناء شخصية الطفل تعويده على قيم وممارسات أخلاقية، من خلال إنشاء مجلس شورى الأسرة، الذي يجتمع يومياً أو أسبوعياً لمدارسة علوم الدين والدنيا، والنهل من القرآن والسُّنة والفقه والسيرة، مع تبادل الخبرات والمعلومات، والتشاور في أمور المسلمين، والوطن، والعائلة.
كذلك ينصح في تلك الفترة بعدم ترك الأطفال للخادمات، مع إحاطتهم بالحب والرعاية، والعدل بينهم، والعمل على اكتشاف مواهبهم وقدراتهم، والنهوض بمستواهم الدراسي والعلمي، مع تقويم أخطائهم، وتصويب مسارهم.
ويضع سلطان عدة عناوين لمرحلة ما بعد البلوغ إلى تمام الرشد، تشمل المصاحبة والنصيحة والتناصح والتصحيح، وغض الطرف عن بعض الصغائر، ودراسة التغيرات الهائلة نفسياً وجسدياً للمراهق، وربط التصرفات بمراقبة الله، ومعيار الحلال والحرام.
وتكتسب تلك المرحلة حساسية ما، كونها على ارتباط بالتثقيف الجنسي لأولادنا من خلال الفقه الإسلامي المتعلق بالطهارة والغسل والتزام الواجبات الأصلية، والحذر من علاقات الحب وأخطار الإباحية وتأثيرات مواقع التواصل، مع توجيه طاقة الأبناء نحو الأنشطة الرياضية والتطوعية، وتحميلهم المسؤوليات، وسبل القيادة والإدارة والادخار، وغير ذلك مما ينمي ملكاتهم وقدراتهم.
التعلم والزواج
أما مرحلة من تمام الرشد إلى الشباب، فقد قدم خلالها المؤلف توصيات عدة، أهمها ما يتعلق بالجانب العاطفي من أمومة حانية وأبوة حكيمة، وتماسك أسري، وتقارب عاطفي، يعزز نشأة الأبناء بطريقة سوية وصحية.
ومن الواجب على الآباء تجاه الأبناء، الحرص على استمرار التعلم، واستكمال المسار الدراسي، والتفوق العلمي، ومساعدتهم على العفة والزواج، قدر الإمكان، مع تحميلهم المسؤولية، واحترام اختياراتهم، مع تقديم النصائح أو ترشيح النماذج الصالحة.
وينصح الكاتب بأهمية الاستقلال الإداري والاقتصادي بعد الزواج، وهو ما يجب قوله بأعلى صوت لكل أب أو أم، قائلاً: «فإذا تزوج الأبناء والبنات، فأعطوهم فرصة إدارة حياتهم بأنفسهم ولا تتدخلوا إلا بنصيحة خفيفة وليس بإدارة كثيفة».
ويورد المؤلف من نصوص القرآن الكريم، والسُّنة النبوية الصحيحة، وأقوال علماء السلوك والأخلاق، الأدلة والبراهين على توصياته ونصائحه، التي جمعت بين النظريات الحديثة في علم التربية، والخبرة الحياتية، مستصحباً الأعراف العربية الأصيلة ذات المروءة والوفاء، ما يُكسب الكتاب نكهة إسلامية وعربية، ممزوجة بالعلم الحديث.
ويختم سلطان مؤلفه بالتأكيد على أن الوصايا الستين واجبات حية وواقعية وعملية نلمس حاجتنا لها، قائلاً: «ولعل البداية المبكرة تؤدي إلى الوقاية المعمرة، بدلاً من الجراحات المؤثرة، في بيوتنا الزاخرة، بألوان من التصرفات المرضية والنافرة».
الكتاب الذي تنصح «المجتمع» باقتنائه وقراءته، يؤسس لعلاقة صحية بين الآباء والأبناء، وهو مناسب لجميع فئات المجتمع، كونه يحتوي على روشتة تربوية ناجعة وناجحة بإذن الله، كدليل في تربية الأبناء، للنجاة بهم إلى بر الأمان ورضوان الله.