انشقت طائفة الشيعة الإسماعيلية في القرن الثاني الهجري/ منتصف القرن الثامن الميلادي، عندما حدث الانقسام الكبير داخل الطائفة الشيعية بعد وفاة الإمام جعفر الصادق عام 148هـ/ 765م، عندها تمسكت طائفة من الشيعة بأن يكون ابنه الأكبر إسماعيل بن جعفر، الذي مات في حياة أبيه، هو الإمام، ولذلك سميت الشيعة الإسماعيلية نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، بينما اعتقدت الطائفة الأخرى بانتقال الإمامة إلى الابن الأصغر موسى الكاظم، وهي الطائفة التي تعرف الآن بالاثني عشرية.
جذور الحشاشين
من عباءة الطائفة الإسماعيلية ظهرت طائفة الحشاشين؛ وهي طائفة شيعية إسماعيلية باطنية، تعرف بالإسماعيلية النزارية نسبة إلى نزار ابن الخليفة العبيدي المستنصر بالله.
ونزار هذا هو الإمام التاسع عشر بالنسبة للحشاشين أو الشيعة الإسماعيلية النزارية، وقد انفصلت الإسماعيلية النزارية عن العبيديين الفاطميين في أواخر القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي لتدعو إلى إمامة نزار المكنى بـ«المصطفى لدين الله» ومن جاء من نسله، على يد رجل يدعى حسن الصباح.
وللحشاشين صلة بنبتة القنب الهندى (الحشيش) كما يرى كثير من المؤرخين، وقد اشتهروا بأساليب عسكرية صارمة، حيث كانوا يعتمدون على الاغتيالات لتحقيق أهدافهم.
وقد استمرت دولتهم حوالي قرنين، حتى القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، رغم دخولهم في صراعات مع العباسيين والسلاجقة والمماليك وكل أطياف المسلمين السُّنة آنذاك.
المؤسس حسن الصباح
والواقع أن الكثيرين لا يعرفون أن فكر الحشاشين قد انطلق من مصر العبيدية الفاطمية، وقد كانت معقل الفكر الباطني آنذاك، عندما أرسل عبدالملك بن عطاش، كبير الدعاة الإسماعيليين في غرب إيران والعراق آنذاك، واحدًا من أتباعه إلى مصر في عام 471هـ/ 1078م، للتواصل مع الدولة الفاطمية ودراسة العقائد الإسماعيلية، مذهب الدولة.
كان هذا المبعوث حسن الصباح، وقد كان حينها داعية إسماعيلياً مبتدئاً، ولكنه ذكي متحمس طموح ومغامر، بدأ الصباح بالدعوة لإمامة المستنصر بالله، الخليفة العبيدي الذي أكرمه وأمره أن يدعو الناس إلى إمامته، ثم لإمامة ابنه نزار من بعده.
تزامن ظهور الصباح مع بدء شيخوخة الدولة العبيدية الفاطمية، الأمر الذي جعل الوزراء أصحاب الكلمة العليا والسلطة الفعلية، ولذلك تمكن الوزير بدر الجمالي، وهو الذي أنقذ الدولة من المجاعة المهلكة المعروفة باسم «الشدة المستنصرية»، من تنصيب أبي القاسم أحمد بن المستنصر بالله، الأخ غير الشقيق لنزار، وكان زوجًا لابنة الجمالي خليفة للفاطميين بعد موت أبيه المستنصر ولقبه بلقب «المستعلي بالله».
حينذاك فر نزار بن المستنصر بالله إلى الإسكندرية وانشق عن أخيه، وحشد قواته لغزو القاهرة، إلا أنه أعتقل وقُتل في السجن.
لم يحول الصباح ولاءه للخليفة الجديد المستعلي بالله، واستمر في الدعوة إلى نزار بن المستنصر بالله كإمام للفاطميين، بالرغم من أنه لم يتول إمامة الدولة يومًا واحدًا ومات في السجن، وبدأ في حشد أتباعه ونشر تعاليم مذهبه الجديد «الإسماعلية النزارية»، وكانت تلك بداية جماعة الحشاشين.
عقيدتهم الدينية
رغم أن الحشاشين إحدى الجماعات المنشقة عن الشيعة، وتلتقي معتقداتهم عمومًا مع الإسماعيلية، حيث يؤمنون بوجود إمام معصوم ومنصوص عليه، فإن عقيدتهم مرت بتقلبات عديدة.
فأحد أئمتهم بالشام وكان يدعى رشيد الدين سليمان آمن بتناسخ الأرواح، وادعى علمه بالغيب.
وإمام آخر للحشاشين كان يدعى الحسن الثاني أعلن قيام القيامة، وألغى الشريعة، وأسقط التكاليف عن أتباعه!
ولكن حفيده جلال الدين بن الحسن الثالث نسف معتقدات آبائه، فرفض عقائدهم وأحرق كتبهم وتبرأ من مذهبهم، وحاول جلال الدين تنقية المذهب من كثير من الخرافات، وتذويب الجماعة في العالم الإسلامي من خلال الاتصال بالخلافة العباسية والدولة السلجوقية، إلا أن ابنه محمداً بن جلال الدين الذي تولى الإمامة في الخامسة من عمره نسف عمل أبيه وعاد إلى الفكر الأصلي للجماعة إلى أن استأصلهم المغول بقيادة هولاكو.
إستراتيجية ومنهجية الحشاشين
ركزت طائفة الحشاشين على اغتيال القادة والأمراء والوزراء والقضاة ورجال الدين، ولكنهم تجنبوا المواجهة المباشرة لتجنب الخسائر الكبيرة، وتميزت تكتيكاتهم بتصفية المطلوبين المهمين علناً لبث الرعب.
كانوا قتلة ماهرين في التنكر ومدربين على القتل الاحترافي، وتميزوا بولائهم الشديد للإمام وتدربوا على اختراق الأعداء والجماعات والتسلل للمراكز الحساسة في الدولة.
مسيرة حافلة بالإجرام
كان أول ضحايا الحشاشين مؤذناً في أصفهان عرضوا عليه مذهبهم، ولكنه رفضه، فاغتالوه خشية أن ينفضح مذهبهم، وهذه هي أول عملية اغتيال قاموا بها.
عندها أمر الوزير السلجوقي نظام الملك بالقبض على القاتل، لإدراكه بتهديد الحشاشين لأمن واستقرار الدولة السلجوقية.
وهذا الذي جعل الصباح يضع الوزير السلجوقي ذائع الصيت نظام الملك على رأس قائمة الاغتيالات، وهي أول عملية اغتيال لشخصية كبيرة يقوم بها الحشاشون.
بعدها نفذ الحشاشون سلسلة من الاغتيالات استهدفت شخصيات بارزة عارضت دعوتهم، مما زرع الرعب في نفوس أعدائهم.
وقد نجحوا في اغتيال الوزير السلجوقي نظام الملك، والخليفتين العباسيين المسترشد، والرشيد، وقد حاولوا اغتيال القائد الظافر صلاح الدين الأيوبي، الرجل الذي أسقط الدولة الفاطمية الإسماعيلية ولكنهم فشلوا.
وهكذا بسط الحشاشون نفوذهم في أماكن كثيرة حتى وصلوا إلى بلاد الشام، وبعدها امتلك الحشاشون قلاعاً وحصوناً في أنحاء البلاد، منها بانياس، وقلعة مصياف، والقدموس، والكهف، والخوابي، وسلمية، والمنيقة، والقليعة، لدرجة أنهم أقنعوا والي حلب باعتناق مذهبهم، وقد سهل هذا انتقال العديد من الإسماعيليين الفرس إلى حلب.
تعاون تاريخي مع الصليبيين واليهود
يرى بعض المؤرخين أن الحشاشين تعاونوا مع الصليبيين بسبب عدم اعتقالهم أو قتلهم لأي صليبي وقتالهم ضد حاكم الموصل السلجوقي.
فقد سلموا قلعة بانياس للفرنجة بعد سيطرة نور الدين زنكي على حلب، وتآمروا على تسليم دمشق للصليبيين، ولكن مؤامرتهم فشلت، وتخابروا مع لويس التاسع، ملك فرنسا
يقول دريد عبدالقادر، في كتابه «سياسة صلاح الدين»: إن المؤرخ كلود كاهين يعتقد أن هناك علاقة بين الإسماعيلية وجماعة الإسبتاريين الصليبيين، وقد أيد المؤرخ الإنجليزي هدجسون وجود مثل تلك العلاقة.
وذكر الرحالة اليهودي بنيامين التطيلي الذي زار منطقة الشام حوالي عام 569هـ بأنه كان يقيم بين الإسماعيليين في الشام نحو 4 آلاف يهودي، يسكنون الجبال مثلهم، ويرافقونهم في غزواتهم وحروبهم، وهم أشداء لا يقدر أحد على قتالهم.
نهاية الحشاشين
في عام 654هـ/ 1254م، هجم التتار بقيادة هولاكو على الإسماعيلية الحشاشين، وتمكنوا من إسقاط قلاعهم الحصينة في قهستان ورودبار وقومس، وتمكن المغول بعد ذلك من إسقاط قلعة آلموت، وقتلوا الكثير من الحشاشين، ودُمِّرت القلعة عن بكرة أبيها وجُعلت قاعًا صفصفًا.
وبالنسبة للحشاشين في الشام، فقد تم استئصالهم على يد الظاهر بيبرس الذي استولى في عام 669هـ/ 1271م على قلاعهم الواحدة تلو الأخرى لتنتهي بذلك دولة الحشاشين في بلاد الشام إلى الأبد كما انتهت في بلاد فارس.
إعادة إنتاج الحشاشين
في عام 1838م، قام رجل مغامر يدعى حسن علي شاه بمعونة الإنجليز بإعلان الثورة على الدولة الكاجارية، ولكن الثورة فشلت وهو ما اضطره إلى الفرار إلى أفغانستان، إلا أنه اضطر إلى الفرار منها، وفي عام 1846م وصل إلى مومباي في الهند حيث وفر له الإنجليز الحماية ورفضوا مطالب حكومة إيران بتسليمه.
وفي الهند مكن له الإنجليز من قيادة طائفة «الخُوجات»؛ وهي طائفة سُنية ادعى الإنجليز أنها طائفة إسماعيلية نزارية، رغم مخالفة ذلك للتاريخ وللمنطق، لدرجة أن أفراداً من الطائفة رفعوا ضده قضية أمام قاض إنجليزي في محكمة بومباي العليا يدّعون فيها أن أبناء الطائفة في جنوب آسيا (يطلق عليهم اسم خُوجات بضم الخاء) هم بالأصل سنيون، لكن قرار المحكمة والقاضي الإنجليزي قضى بأنهم طائفة شيعة إسماعيلية.
وهكذا تمكنت إنجلترا من إعادة إنتاج طائفة بائدة كانت قد انتهت منذ قرون.