ما أروع القلب المؤمن حين يسلم لأمر الله ليس خوفاً فقط، أو طمعا فقط، وإنما لأنه في رحاب الحب! فإن أردت أن تكون محبوباً من الناس، فكن ممن يحبهم الله.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء أن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض» (أخرجه مسلم).
هؤلاء يحبهم الله
أولاً: المحسنون:
قال تعالى: (وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة: 195).
إن الإحسان الذي يذكره الله عز وجل في الآيات الكريمة هو الإحسان بمفهومه الشامل؛ إحسان في العقائد وفي العبادات، وفي الأخلاق، وفي معاملة الخلق، أمر الله به ووعد بالجزاء الحسن في الدنيا والآخرة على من أحسن في دنياه، قال تعالى: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن: 60).
وفي حديث جبريل الشهير حين يسأل النبي صلي الله عليه وسلم عن الإحسان فيقول عليه الصلاة والسلام: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (متفق عليه).
والإحسان مطلوب من المسلم في كل عمل يقوم به ويؤديه، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، ولْيحد أحدكم شَفْرته، ولْيُرِح ذبيحته» (رواه مسلم).
ومن صوره: الإحسان مع الله، والإحسان إلى الوالدين، ومنه الإحسان إلى الأقارب، والإحسان إلى الجار، ومنه الإحسان إلى الفقراء واليتامى والمساكين والأرملة، ومنه الإحسان إلى النفس، والإحسان في القول والعمل والزينة والملبس.
ثانياً: التوابون والمتطهرون:
قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة: 222).
وقد حفل القرآن الكريم بذِكر التوبة والاستغفار في آيات عديدة، وسور مختلفة، وبيان فضل الله سبحانه في قَبول توبة التائبين، ومغفرة ذنوب المستغفرين.
ويقول تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53)، ويقول الرحمن الرحيم: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الفرقان: 70).
ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها -قد أيس من راحلته- فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك (أخطأ من شدة الفرح)».
ثالثاً: المتقون:
قال تعالى: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران: 76).
والمتقون هم الذين يتقون الله تعالى بأداء فرائضه وتجنب محارمه.، ومنها الوفاء بالعهد وعدم نقضه.
والتقوى وصية الأنبياء لقومهم: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء: 106)، (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء: 124)، (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء: 142)، (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء: 161)، (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء: 177)، (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (العنكبوت: 16).
والتقوى محلها القلب أهم عضو في جسم الإنسان الذي به الصلاح والفساد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» (رواه البخاري).
رابعاً: المتوكلون:
قال تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159)، والمتوكل هو الذي يأخذ بالأسباب ويدع الأمر كله لله في توفيق وسداد أمره ونجاح مسعاه.
ويروى عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً» (رواه الإمام أحمد).
وتحقيق التوكل لا ينافي الأخذ بالأسباب كاملة، فالمسلم مأمور بالسعي وبذل الجهد والاجتهاد.
وقد روى عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن متوكلون؛ فيحجون فيأتون مكة فيسألون الناس، فأنزل الله هذه الآية: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (البقرة: 197).
خامساً: المقسطون:
قال تعالى: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (المائدة: 42).
والمقسطون هم العادلون المحقون في كل شيء العدل مع الناس مع الأبناء مع الزوجات..
(وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات: 9).
سرقت امرأة أثناء فتح مكة، وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقيم عليها الحدَّ ويقطع يدها، فذهب أهلها إلى أسامة بن زيد وطلبوا منه أن يشفع لها عند رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى لا يقطع يدها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب أسامة حبَّا شديدًا.
فلما تشفع أسامة لتلك المرأة تغير وجه الرسول صلي الله عليه وسلم، وقال له: «أتشفع في حد من حدود الله؟»، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب في الناس، وقال: «فإنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله (أداة قسم)، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها» (رواه البخاري).
ومن صور القسط العدل في الميزان، والعدل بين الزوجات، والعدل بين الأبناء، والعدل مع الناس.
سادساً: المقاتلون في سبيله:
سأل ابن مسعود الرسول صلى الله عليه وسلم، كما روى ذلك هو قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: «الصلاة على ميقاتها»، قلت: ثم أي؟ قال: «ثم بر الوالدين»، قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو استزدته لزادني. (رواه البخاري).
وفي حديث أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دُلني على عمل يعدل الجهاد، قال: «لا أجده»، قال: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك، فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟»، قال: ومن يستطيع ذلك؟ قال أبو هريرة: إن فرس المجاهد ليستنُّ في طِوَله (أي يذهب ويجيء في مرح ونشاط وهو مربوط في حبله)، فيكتب له حسنات» (رواه البخاري).
سابعاً: الملحون في الدعاء:
إن الدعاء أعظم أنواع العبادة، فعن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء هو العبادة»، ثم قرأ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر: 60) (رواه أبو داود والترمذي)، وقد أمر الله بدعائه في آيات كثيرة، ووعد بالإجابة، وأثنى على أنبيائه ورسله فقال: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء: 90)، وأخبر سبحانه أنه قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، فقال سبحانه لنبيه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقرة: 186).
كيف يكتسب المسلم حب الله تبارك وتعالى(1)؟
– الصفات الحميدة أو السيئة هي نتيجة ممارسة وبيئة وتربية، فهي في حقيقتها مكتسبة ولا يولد الإنسان بها وإلا ما كان هناك عليها ثواب وعقاب، فجهاد النفس في إجبارها وتحبيبها في تلك الصفات واجب حتى يصير العمل الصالح عادة.
– الدعاء والتضرع إلى الله بالأدعية التي علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم.
– طلب العلم الشرعي وحفظ كتاب الله الذي يعصم صاحبه من الزلل ويساعده على العودة إذا أخطأ.
– مصاحبة الصالحين والبعد عن سيئي الخلق.
_________________________
(1) فتاوى الجامع الكبير (الوسائل المعينة على اكتساب الأخلاق الحميدة)، بتصرف.