تتصاعد الأخطار المحدقة بالقدس والمسجد الأقصى، وتتزايد محاولات الاحتلال ليفرض سيطرته الكاملة على هذه المدينة عامًا بعد آخر، فلا تتوقف أذرع الاحتلال المختلفة عن تهويد مقدسات هذه المدينة، وعن سكانها، في محاولة لتحويل المدينة المحتلة إلى مدينة يهودية المعالم والسكان.
وقد أسهم صعود الصهيونية الدينيّة، وتحولها إلى الشريك الأبرز في السياسة «الإسرائيلية»، إلى تصاعد الاعتداءات التي تتعرض لها القدس، والمسجد الأقصى المبارك، وخاصة في جوانب الإحلال الديني والديموغرافي، وأمام هذه الأخطار الكبرى نقدم في هذه المادة جملة من المعطيات، للإحاطة بواقع التهويد في القدس المحتلة، وتسليط الضوء على أبرز ما يعانيه المقدسيون من سياسات الاحتلال العنصرية، ونضعها بين يدي صناع القرار والمتابعين والمهتمين.
المقدسات
تستهدف سلطات الاحتلال المقدسات الإسلاميّة والمسيحيّة على حد سواء، إذ تفرض القيود المختلفة أمام وصول المسلمين والمسيحيين إلى المسجد الأقصى والكنائس المسيحية في القدس المحتلة، وتنغص عليهم احتفالاتهم الدينيّة، ومواسمهم العباديّة، وتعتدي على المصلين والمتعبدين.
استهداف «الأقصى»
– يتعرض المسجد الأقصى لحملة شرسة من قبل سلطات الاحتلال وأذرعها المختلفة، إذ تتنوع الاعتداءات على المسجد من اقتحامات شبه يوميّة، وأداء الطقوس اليهودية العلنية داخل ساحاته، واستهداف العنصر البشري الإسلامي من مصلين ومرابطين.
– تسعى سلطات الاحتلال إلى تثبيت اقتحامات «الأقصى» بشكلٍ شبه يومي، وتكثيف الوجود اليهودي داخله، وحماية أداء المستوطنين للصلوات اليهوديّة العلنية، في محاولة ليتحول «الأقصى» أو أجزاء منه، إلى مساحة يؤدي فيها المقتحمون صلواتهم اليهودية العلنية، من دون أي عوائق وعراقيل من قبل حراس «الأقصى» والمرابطين، ومن ثم الانتقال إلى اقتطاع أجزاء من «الأقصى» لبناء كنيس يهوديٍّ أو تخصيصه لصلاة اليهود.
– تصعد أذرع الاحتلال التهويديّة اقتحامات «الأقصى»، وتعمل على ترسيخ الأعياد اليهوديّة والوطنية مناسباتٍ لتدنيس المسجد والاعتداء على مكوناته البشرية، ورفع حجم أعداد المشاركين في الاقتحام، وأبرز الأعياد الدينية «عيد الفصح اليهودي»، وذكرى «خراب المعبد»، أما تلك الوطنية «الإسرائيلية» فأبرزها «يوم القدس».
– إلى جانب «منظمات المعبد» التي تعمل على جذب المستوطنين للمشاركة في اقتحام «الأقصى»، وتضم عددًا من المنظمات المختلفة، يشارك في اقتحام المسجد الأقصى جنود الاحتلال باللباس العسكري والمدني، والطلاب اليهود وخاصة طلاب المعاهد التلمودية.
– بلغ عدد المستوطنين الذين اقتحموا «الأقصى» ما بين عامي 2009 و2023م، نحو 303284 مقتحمًا، وفي عامي 2022 و2023م اقتحم «الأقصى» نحو 96 ألف مقتحم، وهو ما يفوق عدد مقتحمي المسجد ما بين عامي 2009 و2017م(1).
– تعمل سلطات الاحتلال على إفراغ المسجد من العنصر البشري الإسلامي، لذلك تعتدي على المصلين والمرابطين وحراس «الأقصى»، فتقوم بإبعادهم عن القدس والمسجد، ومنعهم من الصلاة، وتفرض عليهم غرامات مالية باهظة، إلى جانب الاعتقال وما يرافقه من تعنيف جسدي ونفسي، وتتراوح مدد الإبعاد ما بين 3 أيام و6 أشهر، وبلغ عدد المبعدين عن «الأقصى» ما بين عامي 2013 و2023م، نحو 3501 فلسطينيًا(2).
تهويد محيط «الأقصى»
– تعمل سلطات الاحتلال على تغيير الهوية الحضارية لمدينة القدس، وإحاطة «الأقصى» بعشرات المعالم اليهودية، إذ تنفذ الجهات «الإسرائيلية» المختلفة عددًا كبيرًا من الحفريات، في سياق إنشاء مدينة يهوديّة أسفل البلدة القديمة وفي محيطها، ضمن مشروع «تأهيل الحوض المقدس»، ويعمل الاحتلال على ربط الحفريات بشبكة من الأنفاق، وحوَّل بعضها إلى متاحف وكنس.
– في السنوات الماضية صعد الاحتلال من بناء المعالم التهويديّة، التي تهدف إلى إدارة عمليات اقتحام «الأقصى»، وتشويه المظهر العربي والإسلامي للمدينة، وقد تصاعد بناء هذه المعالم منذ افتتاح كنيس الخراب في عام 2010م، وبحسب مصادر مقدسية بنت أذرع الاحتلال أكثر من 100 كنيس ومعلم يهودي في البلدة القديمة ومحيطها(3)، من أبرزها مشروع «بيت شتراوس» على بعد أمتار من سور «الأقصى» الغربي.
المقدسات المسيحيّة
– ضيقت سلطات الاحتلال على المسيحيين وكنائسهم منذ احتلال القدس، عبر عرقلة الاحتفال بالأعياد المسيحيّة، والاعتداء على الكنائس، ومحاولة التدخل في إدارتها، والاستيلاء على الأوقاف المسيحية.
– أدت سياسات الاحتلال إلى انخفاض أعداد المسيحيين بشكلٍ كبير، وهم لا يشكلون اليوم سوى 1% فقط من نسبة السكان المقدسيين، ولا يتجاوز عددهم نحو 16200 مسيحي في القدس في عام 2021م(4)، من بينهم 12900 مسيحي عربي، و3300 مسيحي من غير العرب(5).
– شهد عام 2023م تصعيدًا عدوانيًّا صهيونيًّا كبيرًا ضدَّ المسيحيين، والمقدسات، والأملاك، والأوقاف، والكنائس، والمقابر المسيحية في القدس، شملت الاعتداء على الكنائس والتضييق على المسيحيين خلال الأعياد وغيرها.
تهويد السكان والسكن
1- الاستيطان:
– يشكل الاستيطان عصب سياسات الاحتلال الرامية إلى التدخل في الميزان الديموغرافي، إذ تُشير معطيات الاحتلال إلى أن الأحياء ذات الغالبية اليهودية تضم نحو 174500 وحدة استيطانية(6)، ولا تكتف سلطات الاحتلال بحجم الوجود الاستيطاني، بل تعمل على رفع حجمه عامًا بعد آخر.
– في عام 2023م صدّقت حكومة الاحتلال على مخططات لبناء نحو 18300 وحدة سكنية استيطانية في الشطر الشرقي من القدس المحتلة، من بينها 12200 وحدة إما للمستوطنات الجديدة أو التوسعات الاستيطانية، وبلغ عدد الوحدات الاستيطانية التي شرع الاحتلال في بنائها أو خطط لذلك في القدس عام 2023 أكثر من 23000 وحدة(7).
– بلغ عدد الوحدات الاستيطانية التي أقرتها أذرع الاحتلال ما بين عامي 2014 و2023م نحو 125591 وحدة استيطانية جديدة(8).
2- المصادرة:
– تسعى سلطات الاحتلال إلى إخلاء عددٍ من الأحياء الفلسطينية في القدس المحتلة، ومنذ بداية عام 2023م أعادت سلطات الاحتلال فتح قضية تهجير تجمع الخان الأحمر البدوي بتحريضٍ من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، إضافةً إلى استمرار استهداف أهالي حي الشيخ جراح، مع بقاء أخطار تهجير 6 أحياء فلسطينية في سلوان، تضم نحو 15 ألف فلسطيني.
3- هدم البيوت:
– يشكل هدم منازل الفلسطينيين ومنشآتهم سياسة دائمة لدى الاحتلال، وبحسب معطيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) هدمت سطات الاحتلال ما بين 1/ 1/ 2009 و1/ 3/ 2024م نحو 1869 منزلًا ومنشأة في القدس المحتلة، وهذا ما أدى إلى تهجير نحو 3848 فلسطيني، وتضرر أكثر من 49 ألفًا آخرين(9).
استهداف الإنسان الفلسطيني
الاعتقالات:
– في سياق فرض الإجراءات العقابية بحق المقدسيين، ثبتت سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» اعتقال المقدسيين لتكون واحدةً من أسوأ سياسات إرهاب المجتمع المقدسي، والتضييق عليه، وما يتصل بذلك من تقييد لحركتهم وقمعٍ لفعالياتهم.
– بلغ عدد حالات الاعتقال عام 2023 في القدس 3261 حالة اعتقال، من بينها 53 طفلًا أقلّ من جيل المسؤولية، و643 فتى، و165 من الإناث، من بين الاعتقالات 987 حالة اعتقال سُجِّلت منذ بداية معركة «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر حتى نهاية العام(10).
– اعتقلت قوات الاحتلال نحو 9052 فلسطينيًا من القدس المحتلة في أعوام 2021 و2022 و2023م، ما يشكل نحو 2.5% من مجمل عدد السكان الفلسطينيين في شطري المدينة المحتلة(11).
قتل الفلسطينيين في القدس المحتلة
– ارتقى في عام 2023م نحو 546 شهيدًا في الضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة عام 1948م(12)، من بينهم 19 شهيدًا من القدس المحتلة(13) (إضافةً إلى 4 شهداء من المدينة ارتقوا بقصفٍ في القطاع) وأصيب نحو 8574 فلسطينيًا آخرين(14).
_______________________________
(1) هشام يعقوب (محرر) وآخرون، التقرير السنوي حال القدس 2023، مؤسسة القدس الدولية، بيروت، ط 1، 2024، ص 23-24.
(2) تقارير حال القدس الصادرة عن مؤسسة القدس الدولية ما بين 2013 و2023.
(3) علي إبراهيم، تهويد القدس في 33 نقطة، مؤسسة القدس الدولية، بيروت، ط 1، 2022، ص 6.
(4) كتاب القدس الإحصائي السنوي 2021، معهد القدس لأبحاث السياسات، 2021. https://bit.ly/3m7hwTA
(5) المرجع السابق.
(6) كتاب القدس الإحصائي السنوي 2022، مرجع سابق.
(7) هشام يعقوب (محرر) وآخرون، التقرير السنوي حال القدس 2023، مرجع سابق.
(8) تقارير حال القدس الصادرة عن مؤسسة القدس الدولية ما بين 2015 و2023.
(9) أوتشا، خريطة معطيات تفاعلية. https://bit.ly/3rtHaC2
(10) هشام يعقوب (محرر) وآخرون، التقرير السنوي حال القدس 2023، مرجع سابق.
(11) تقارير حال القدس الصادرة عن مؤسسة القدس الدولية ما بين 2021 و2023.
(12) مرصد شيرين، جدول تفاعلي. http://tinyurl.com/3srrpnhy
(13) مركز معلومات وادي حلوة، حصاد القدس لعام 2023، 1/1/2024. http://tinyurl.com/jb87k4ab
(14) مركز معطى، التقرير السنوي لأعمال المقاومة في الضفة الغربية لعام 2023، مرجع سابق.