تؤدي الحركات النسوية دوراً كبيراً في الترويج للعري بكل صوره، تارة تحت شعار الموضة، وتارة تحت شعار الأزياء، وتارة أخرى بدعوى مسابقات الجمال؛ الأمر الذي يحول المرأة إلى سلعة وأداة إغراء فقط، وسط محاولات لفرض نموذج جسدي للجمال والأناقة، يعتمد على إظهار مفاتن المرأة، والنيل من عفتها وحيائها.
«المجتمع» طرحت تلك القضية للنقاش على عدد من الخبراء، في محاولة لكشف خبايا هذا السرطان الذي يتمدد عبر مسابقات دولية ومهرجانات عالمية وجوائز دولية.
تؤكد د. روضة حمزة، أستاذ إدارة مؤسسات الأسرة والطفولة– جامعة حلوان، أن زي المرأة جزء من التعبير عن هويتها، ومنذ بداية الخليقة نجد لكل مجموعة بشرية زياً شعبياً للنساء والرجال، وبمرور الوقت تأثرت الشعوب ببعضها، وقلد المغلوب الغالب كنوع من الخروج من الهزيمة النفسية.
مسابقات ملكات الجمال والأزياء تهدف إلى تعرية جسد المرأة
وبمرور الوقت، ظهرت «الموضة» التي مرت بأطوار كثيرة في حركتها، إلا أن المهتمين بالأزياء يؤكدون أن الأب الروحي لمصممي الأزياء هو الإنجليزي تشارلز فريدريك وورث، بالاشتراك مع زوجته ماري فيرنت ليقام «بيت وورث» للأزياء في القرن التاسع، واستمر نجمه في الصعود بعد أن نال إعجاب نساء الأسر الملكية الأوروبية، ثم نساء الطبقات الثرية والراقية، ولم يكتف بتصميم الأزياء في بلاده فقط، بل خرج منها إلى العاصمة الفرنسية باريس في بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
تضيف لـ«المجتمع» أن ارتباط الموضة النسائية بمسابقات ملكات جمال العالم، فضلاً عن مسابقات ملكات الجمال التي يتم إجراؤها في كل دولة، ساعد على الترويج لأحدث صيحات الموضة والملابس العارية، وملابس السباحة، ليجري استهداف المرأة المسلمة؛ لأن الغرب يعلم أن الأسرة العربية المسلمة الواعية بشؤون دينها حجر العثرة أمام تحقيق مخططات النسوية وصناع الموضة النسائية العالمية الهادفين إلى تعرية المرأة.
ويرى د. نبيل السمالوطي، أستاذ الاجتماع العميد السابق لكلية الدراسات الإنسانية- جامعة الأزهر، أن موضة الملابس النسائية اعتمدت على وسيلتين كلتيهما مرفوضة شرعاً، الأولى: التفنن في تعرية المرأة وإظهار مفاتنها ما ظهر منها وما بطن، وتقديمها على أنها نموذج للجمال، والثانية: التشبه بالرجال.
هناك مخطط غربي مشبوه لتكوين «الأمم المتحدة النسوية»
ويضيف أن أفكار النسوية الفرنسية سيمون دي بوفوار في كتابها «الجنس الآخر» تنطلق من «الأنوثة» جوهر الحياة البشرية، ولا بد من استعادة سلطتها المفقودة بالجنس والإغراء والعري من خلال الموضة وانتشار بيوت الأزياء وحفلات المجون وملكات الجمال لتحقيق الهدف الأسمى بالسيطرة على العالم وتكوين «الأمم المتحدة النسوية».
هوس الموضة
وتحذر د. منال يوسف، الأستاذ بكلية التربية- جامعة دمياط، من خطورة انتقال هذا الهوس لدى المرأة العربية والمسلمة بسبب ترويج وتزيين الإعلام الغربي لأحدث صيحات الموضة وربطها بالشعور بالتحضر والتميز، وترويج وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لأحدث صيحات الموضة بأسعار باهظة لأنها تحمل اسم «براند عالمي»، واصفة ذلك بأنه شغف وهوس المغلوب بتقليد الغالب.
تتابع، خلال حديثها لـ«المجتمع»: وخير مثال على ذلك موضة البناطيل الممزقة وقصات الشعر الغريبة التي غزت عقول بناتنا وأبنائنا ويتفاخرون بها في ظل هوس الملبس العولمي العابر للحدود، معتبرة أن تسليع المرأة والخروج على الثوابت الاجتماعية والدينية غزو بالأفكار والملابس والموضة، يجب التصدي له.
السير واللهاث وراء «البراند» هوس من المغلوب بتقليد الغالب
وعن موقف الإسلام من الموضة، يؤكد د. حسن كمال، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، أن الموضة مصطلح حديث، ولا يوجد حكم شرعي خاص به تحديداً، ولكن يمكن الحكم عليه من خلال مواصفات اللباس الشرعي للمرأة في ضوء قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب: 59)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صِنْفَانِ من أهلِ النارِ لمْ أَرَهُما بَعْدُ: قومٌ مَعَهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ الناسَ بِها، ونِساءٌ كَاسِياتٌ عَارِياتٌ، مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلَنَّ الجنةَ، ولا يَجِدَنَّ رِيحَها، وإِنَّ رِيحَها لَيوجَدُ من مَسِيرَةِ كذا وكذا»، وقوله: «ليس منَّا مَنْ تَشبَّه بالرجال من النساء، ولا من تشبَّه بالنساء من الرجال».
وتأكيده صلى الله عليه وسلم على مواصفات المسلمة: «أيما امرأة تعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية»، وتحذيره لنا من التشبه بغير المسلمين فقال: «ومن تشبه بقوم فهو منهم»، وقال كذلك: «مَن لَبِسَ ثَوبَ شُهرةٍ في الدنْيا ألبَسَه اللهُ ثوبَ مذلَّةٍ يومَ القيامةِ، ثمَّ أُلهبَ فيه نارًا».
وأوضح كمال أن الإسلام حدد مواصفات للباس الشرعي للمرأة، أن يكون ضافياً يستر جميع جسدها عن الرجال الذين ليسوا من محارمها، بل إنه لا يجوز لها أن تكشف لمحارمها إلا ما أباحه الشرع، كوجهها وكفيها وقدميها، ويحرم أن يكون اللباس شفافاً أو ضيقاً أو فيه زينة تلفت الأنظار عند خروجها أو تقليد لغير المسلمات في لباسهن أو أخلاقهن وعاداتهن، ولهذا لا بد من تربية بناتنا على الحجاب الإسلامي منذ الصغر.