كاتب المدونة: كرم الدين حسين (*)
تُظهر المقالات الصحفية الموقّعة بوضوح موقف كاتبها وسياقاته السياسية، في مقاله المنشور بموقع «ذي تايم أوف إسرائيل»، قدّم أحمد الشرعي، مالك مجموعة «Global Media Holding»، دفاعًا عن «إسرائيل» وسياساتها تجاه الفلسطينيين، مركزًا على انتقاد قرار المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، في هذا التحليل النقدي، نسلط الضوء على البنية الحججية للمقال، والرسائل الضمنية، ونقاط القوة والضعف.
أولاً: السياق والموقف العام:
يُقدَّم المقال في سياق سياسي واضح يدافع فيه عن «إسرائيل» باعتبارها «دولة ديمقراطية» تواجه «إرهابًا» من قِبَل «حماس»، يُظهر الشرعي موقفًا صريحًا ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية، معتبرًا إياه تهديدًا للسيادة القانونية للدول الديمقراطية، هذا الإطار يتجاهل تعقيدات الصراع الفلسطيني-«الإسرائيلي»، ويُظهر تحيزًا واضحًا نحو تبرئة «إسرائيل» وتحميل الأطراف الأخرى المسؤولية.
ثانيًا: منهجية بناء الحجة:
1- الاعتماد على المفاهيم العامة:
ركز الكاتب على مفاهيم مثل «السيادة القانونية» و«حق الدفاع عن النفس»، دون تقديم تحليل عميق أو أمثلة دقيقة تدعم مزاعمه، على سبيل المثال؛ الحديث عن ديمقراطية «إسرائيل» يتجاهل السياسات «الإسرائيلية» التي تنتقدها جهات حقوقية دولية باعتبارها تمثل شكلاً من أشكال الفصل العنصري ضد الفلسطينيين.
كما تجاهل الكاتب عند تحدثه على القضاء «الإسرائيلي» ومدى نزاهته وكأنه يتحدث عن قضاء إلهي لا يخطئ تقديم أي أمثلة عن انتصار القضاء «الإسرائيلي» للفلسطينيين في مواجهة تعسف وعنف الممارس من طرف الجيش والحكومة «الإسرائيليين».
2- التلاعب بالسياق الدولي:
حاول الكاتب ربط قرار المحكمة الجنائية الدولية بإمكانية استهداف دول ديمقراطية أخرى مثل الولايات المتحدة؛ ما يخلق انطباعًا بأن المحكمة تستهدف الديمقراطيات بشكل تعسفي، هذا الأسلوب يبتعد عن جوهر القضية، وهو الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأخطر ما في هذا الرأي أنه يمنح صك الغفران للدول العظمى، أو حسب وصف الكاتب لها الدول الديمقراطية، لمغفرة أي عدوان أو انتهاك للحقوق والحريات للشعوب الأخرى وخصوصاً الحق في الحياة.
3- إغفال السياق الفلسطيني:
تجاهل المقال كليًا معاناة الفلسطينيين جراء الاحتلال، بما في ذلك الهجمات العسكرية «الإسرائيلية» على المدنيين، هذه الإغفالات تجعل الطرح أحادي الجانب، يخدم دعاية محددة بدلاً من تقديم تحليل موضوعي.
ثالثًا: نقاط الضعف في المقال:
1- تحيز واضح:
يظهر المقال انحيازًا مفرطًا لـ«إسرائيل»، حيث يصوّرها كضحية للنظام الدولي، بينما يتجاهل سياسات الاحتلال «الإسرائيلي» وانتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان، خصوصاً أن الاحتلال اغتال وقتل عدداً من قيادات المقاومة رداً على عملية «طوفان الأقصى»، ومع ذلك ما زال مستمراً في قتل وقصف وتوسيع رقعة العمليات، هذا الانحياز يُضعف من مصداقية الطرح.
2- تهميش دور المحكمة الجنائية الدولية:
يهاجم الكاتب المحكمة باعتبارها «مُسيّسة» دون تقديم دليل قوي على ذلك؛ مما يُقلل من قيمة انتقاداته، المحكمة، رغم أنها قد تواجه تحديات، تبقى جهة دولية معترفًا بها لمعالجة الجرائم الكبرى.
وحتى إن سلمنا برأي كاتب في أن المحكمة الجنائية الدولية غير مختصة، فإن محاكمة نتنياهو في «إسرائيل» تبقى أمراً غير منطقي، خصوصاً أن نتنياهو يمثل «إسرائيل»، ولا يمكن محاكمته في محاكم «إسرائيل» التي ترى ما يقع في غزة أمراً عادياً وليس إبادة جماعية، كما أنه ما زال رئيس وزراء «إسرائيل»؛ وبالتالي يصعب محاكمته أمام محاكم بلاد هو ما زال مسؤولاً فيها.
3- خطاب عاطفي غير متوازن:
يعتمد المقال بشكل كبير على إثارة المشاعر من خلال وصف «الإرهاب» الفلسطيني والدفاع عن المدنيين «الإسرائيليين»، مع تجاهل الآثار الإنسانية الناتجة عن السياسات «الإسرائيلية».
4- إغفال البعد القانوني الحقيقي:
لم يناقش المقال الأسباب القانونية التي دفعت المحكمة لفتح تحقيق في الجرائم المرتكبة، بدلاً من ذلك، ركز على هجوم سياسي عام.
رابعًا: الرسائل الضمنية:
1- تبرير السياسات «الإسرائيلية»:
يهدف المقال إلى تبرير سياسات «إسرائيل» تحت ذريعة الدفاع عن النفس، متجاهلاً سياق الاحتلال وأبعاده، وأن رد «إسرائيل» على عملية «طوفان الأقصى» تجاوز حد الردع بكثير، وأصبح عملية انتقام في حق أي أحد يناصر فلسطين وليس فقط يحمل دماءها.
2- تشويه صورة المحكمة الجنائية الدولية:
يسعى إلى تقويض الثقة في المحكمة عبر وصفها كأداة للتلاعب السياسي، وذلك خوفاً من إصدار المحكمة في المستقبل لمزيد من أوامر الاعتقال في حق مسؤولين «إسرائيليين» وحتى الأمريكيين.
خامسًا: قراءة نقدية للرسائل الإعلامية:
مقال الشرعي نموذج لما يُسمى «الخطاب الإعلامي المنحاز»؛ حيث يتم توجيه القارئ نحو استنتاجات محددة باستخدام حجج غير متوازنة، خصوصاً أنه صادر من شخص عربي مسلم، وذلك لمحاولة إضفاء نوع من المنطقية وحياد على هذا الخطاب.
يتوافق المقال مع سياسة إعادة تدوير الخطاب السياسي «الإسرائيلي»؛ ما يثير تساؤلات حول استقلالية الكاتب ومصداقية الطرح الإعلامي.
مقال الشرعي يقدم دفاعًا سياسيًا عن «إسرائيل» أكثر من كونه تحليلًا قانونيًا أو سياسيًا موضوعيًا، ويفتقر المقال للتوازن والموضوعية، معتمدًا على تحيز واضح وطرح غير شامل للصراع الفلسطيني – «الإسرائيلي»، مثل هذه المقالات تُبرز أهمية تحليل الخطاب الإعلامي لتحديد أجنداته، خاصة عندما يكون مصدرها شخصيات مؤثرة في المشهد الإعلامي المغربي.
____________________
(*) صحفي وكاتب مغربي.