إن الاستعداد لشهر رمضان يبدأ من أول شعبان
قال الفلكي المعروف د. صالح العجيري في حوار خاص لـ“المجتمع” عن ذكرياته في شهر رمضان المبارك قديماً: إن الاستعداد لشهر رمضان يبدأ من أول شعبان، وقال: كنا نحرص على مشاهدة هلال شعبان؛ لأنه إذا غمّ علينا مشاهدة هلال رمضان بسبب غيم أو أمطار نكمل عدة شعبان ٣٠ يوماً.
وقال: الاستعداد الثاني ليلة “الناصفة” أو ليلة السهر؛ وهي ليلة النصف من شعبان، وكان الناس في الماضي يعتقدون أن ليلة النصف من شعبان ليلة مختلفة؛ حيث يذكرون فيها الله تعالى، ويقرؤون القرآن الكريم، ويدعون الله أن يبلغهم رمضان، وتطور الأمر بعد ذلك إلى أن وصل للأولاد والبنات، حيث يأتي الولد أو البنت بـ”بيزة”؛ والبيزة: عملة معدنية أقل من الروبية، ويشترون المكسرات والبسكويت والشاي، ويسهرون طوال الليل، والذي ينام ولا يستطيع السهر تكون “عيارة” له، والعيارة: هي ممسك علبة أنه لا يستطيع السهر مع أصحابه.
ومن العادات – كذلك – في ليلة النصف من شعبان قيام الأولاد بضرب الأبواب بالحجارة، ولا يفتح لهم أهل البيوت؛ لأنهم يعلمون أن الأولاد فرحون بمقدم شهر الرحمة!
وأضاف: في أواخر شعبان يستعد الناس بـ”دق الهريس”؛ والهريس: هي أكلة شعبية كويتية عبارة عن حنطة، وهي من الأكلات الرمضانية المشهورة في الكويت، حيث تجتمع النساء في أحد بيوت “الفريج” (الحي)، ويبدأن بدق الهريس بواسطة “المنحاز”، و”هاون” كبير به عصا ثقيلة يدق بها الهريس، ويطبخ الهريس في يوم الخميس ليلة الجمعة، ومن الطرائف أن الهريس يوزع على الجيران، ويمكن أن يرجع الطبق إلى البيت الأول؛ لأن كل بيت يوزع على جيرانه، وذلك من الروابط الاجتماعية بين الشعب الكويتي، وكان الهريس له قيمة؛ لأنه لا يُصنع إلا مساء الخميس فقط.
وأكد العجيري أن الاستعداد لرمضان في هذا الزمان هو استعداد مبالغ فيه؛ فالجمعيات التعاونية والحكومات تستعد لرمضان بشتى أنواع الطعام، وكأن شهر رمضان شهر للأكل وليس شهر صيام وطاعة وعبادة.
رؤية هلال شهر رمضان
كانت رؤية الهلال تعبر عن الوحدة بين أبناء الكويت، وكانوا يصومون على رؤية أحدهم، ولا يعتمدون على أي من الدول المحيطة؛ لأنه لا توجد وسائل اتصال ما بين الدول الأخرى إلا المراسلات، وهذه المراسلات تأخذ وقتاً طويلاً في التواصل.
ويعلن عن رؤية هلال رمضان بضرب المدفع، وكان المدفع على البحر بالقرب من “قصر السيف”، وكان يُسمع في كل أرجاء المناطق التي كانت من ضمن السور، وكان المدفع يُضرب وقت الإفطار ووقت السحور، ويذكر د. العجيري أن أثناء الحرب العالمية الثانية زُوِّدت الكويت بمدفع مضاد للطائرات، ولم تحتج له الكويت، وأُخذ ليكون مدفع الإفطار، وكذلك كانت هناك صفارة خاصة للإفطار والسحر.
وقال: في الماضي كانت هناك “براحات”؛ أي أراضٍ فضاء، وكان الأولاد يجتمعون في هذه البراحات، وعندما يسمعون المدفع يطلقون أصواتاً يعرف الناس أن المدفع قد ضرب ودخل وقت الإفطار، وكان هناك اتفاق بين الأولاد وأهاليهم بألا يصدروا هذه الأصوات إلا وقت سماع المدفع.
وكان الإفطار في الماضي عبارة عن “تشريب”؛ وهو الثريد ورز، بالإضافة إلى “المحلية” و”اللقيمات”(لقمة القاضي)، ولكن يوم الخميس يكون الفطور مميزاً بوجود “الهريس” كما ذكرنا سابقاً.
وأما أهل البحر إذا جاءهم رمضان، فإنهم يعودون مرة أخرى للكويت، ويعودون للغوص بعد العيد، ويسمونه قديماً “غوص الغوصين”؛ لأنه على مرحلتين.
القرقيعان
كان “القرقيعان” لمدة ثلاث ليالٍ فقط؛ ليلة الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر فقط من رمضان؛ وذلك لعدم وجود كهرباء في الكويت في ذلك الزمان، ولأن هذه الليالي تمتاز بظهور القمر بوضوح.
وقارن د. بين القرقيعان في هذا الزمان وفي الماضي؛ بأن القرقيعان في الماضي له نكهة جميلة، والآن كل أيام رمضان قرقيعان وخسائر كبيرة، وخرج القرقيعان عن بساطته ودخلها بأمور ليست من القرقيعان، وقال: في زمانه كان بعض الرجال يذهبون مع أبنائهم، ولكن صدر أمر حكومي بمنع الكبار من القرقيعان.
ومن الطرائف في القرقيعان أنه كان موسماً لتجار المكسرات، وكانوا يخلطون الجديد بالقديم، وكانوا يوفرون ما تبقى من القرقيعان للعيد.
بو طبيلة
كان الناس ينامون بعد أداء صلاة التراويح، وكان من يوقظهم للسحور “النفع” أو “أبو طبيلة”؛ وهو رجل يوقظ الناس للسحر، وهو متواجد تقريباً في كل الدول العربية، ويأخذ “بو طبيلة” أجرته في العيد، وهي عبارة عن طعام وكساء ونقود.
صلاة التراويح والقيام
كانت صلاة التراويح عبارة عن ٢٠ ركعة، وكان كل مسجد يختم جزءاً في الليلة، ولم تكن هناك كهرباء وإنما عبارة عن “سراج”؛ وهو الفانوس المضيء، ويقرأ الإمام من المصحف، ومن اللطائف أنه في إحدى الليالي انطفأ الفانوس في مسجد “البدر”، وأخطأ وتوقف الإمام عن القراءة، وصحح له أحد المصلين، ولكن الإمام لم يسمع فإذا بمصلٍّ أخر يقول: “ارفع صوتك.. ما سمع”، وإذا بثالث يقول: “لماذا تتحدثون في الصلاة؟!”، وأما عن القيام فقد كان أطول من الآن، وكان الناس يذهبون لصلاة للقيام ما عدا النساء.
آخر ليلة في رمضان
عندما يُعلن أن غداً العيد يبدأ الناس بالاستعداد للعيد، وكان الأولاد يضعون “الدشداشة” الجديدة تحت السرير، وكذلك البنات والنساء يلبسن الملابس الجديدة، وكانت هناك عادة جميلة وهي “العارية”؛ وهي أن يستعير الرجل “بشتاً” من جاره للذهاب إلى صلاة العيد، وكذلك النساء كن يستعرن الذهب من بعضهن.
زكاة الفطر
كانت زكاة الفطر مبهجة ومفرحة للناس، وكان الأب يأتي بالميزان من محله أو يستعيره، ويزن الأرز أو التمر أو الزبيب أمام أولاده، وهم فرحون بذلك، وبعد ذلك يأخذ أحد الأولاد الميزان للجيران وسط فرح شديد منهم، وأما الآن فالأم والأولاد لا يعلمون هل دُفعت الزكاة أم لا!
يوم العيد
أول شيء يضرب المدفع، وبعد ذلك تؤدَّى صلاة العيد، ثم يذهبون لغداء العيد، أما الذين يسكنون في أطراف السور فيكون غداؤهم جماعياً، وأما داخل “الفرجان” (الأحياء) فيكون كلٌّ في بيته، ويقوم أهل “شرق” بالذهاب إلى “القبلة”، واليوم الذي يليه ترد الزيارة لهم.
وأما المناطق البعيدة مثل الفنطاس والجهراء يمكن أن يفطروا مع أهل الكويت أو بعدهم؛ لعدم وجود وسائل اتصال.
وتمنى د. صالح العجيري من الشباب أن يعرفوا قيمة هذا الشهر واستغلاله في الطاعات. وقال: أتمنى أن أرى المسلمين يصومون كلهم في يوم واحد.