الرفق ثقافة لا تأتيك بالوعظ، ولن تنالها بالتصنع، بل تكتسب بقواعد وعوامل بيئية قابلة للتطبيق، كما أن الرفق سلوك نبوي قبل أن يكون سلوكاً إنسانياً وشعاراً عالمياً، موجود في ثقافتنا الإسلامية كخلق نبيل إذا وجد في الشيء زانه، وإن نزع من شيء شانه.
الرفق ثقافة لا تختص بمجتمع دون آخر، ولا بعمر دون عمر، كلنا نحتاج تلك الثقافة صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً.. أنت تحتاج أن ترفق بنفسك أمام طغيان المادة، واللهث وراء اللاشيء في الحياة.
شبابنا يحتاجون إلى جرعة من هذه الثقافة، فمشاهد العنف التي تصدر منهم، ومن ثم يقومون بتصويرها وبثها على الملأ مؤشر خطير على غياب الرفق وحضور العنف، عنف مع الحيوانات وتعذيبها، مع العمالة وإهانتهم، ضرب وشتم لأتفه الأسباب، نزال ومعركة بالعقال لأي سبب، التلويح والتهديد بالسواطير لأدنى مشكلة!
الإعلام يحاول برمجة مجتمعاتنا على “العنف” من خلال مسلسلات القتل والجرائم والخداع، حتى قنوات الأطفال تعرض أفلاماً كرتونية تحتوي على مشاهد العنف، وهي برامج تنعكس على سلوك الطفل وشخصيته، فالمجتمع بحاجة إلى إعلام يرفق به.
داخل أسوار المدارس، الطالب الذي يتعرض للعنف اللفظي والبدني يحتاج إلى الرفق في التعليم، وتقويم السلوك، وحتى “المدرس” لا تظنونه ملكاً في مهنته، ففي عهد بعض وزراء التعليم السابقين كان هذا المدرس يعاني من عنف “التعاميم”، وعنف العبارات والأساليب التي تحتويها، حتى تصريحات المسؤولين على صفحات الصحف شديدة، وعنيفة لغوياً، ولا يوجد فيها إلا التلويح بالمساءلة والقمع! كنت أقول وقتها: الوزارة تحتاج إلى الرفق حتى في خطابها ولغتها!
إذن العالم الذي يسود فيه العنف يحتاج إلى جرعة من الرفق، والإنسان العنيف والمتطرف في فكره أو سلوكه أو حتى أقواله لهو بأمس الحاجة إلى دواء الرفق.
وزارة التعليم اعتمدت برنامج اسمه “رفق” يسعى إلى خلق بيئة مدرسية وأسرية خالية من العنف، المرجو من هذا البرنامج أن يتحول في النهاية إلى شيء يُرى على الواقع ويُلمس أثره، يراه الطالب في مدرسه، والمعلم في مديره ومشرفه وفي ولي أمر الطالب، وأن تلمسه المدارس في الإدارات، وأن يشعر به من ينتسب للوزارة حتى في التعيينات وحركة النقل، لا أن يكون مجرد شعارات ولوحات إرشادية تعلق على الجدران، وكلمات تتلى في الإذاعات!
في نهاية المقال، متى يدرك الإنسان المسلم أن النص الشرعي (قرآن أو سُنة) الهدف منه التطبيق والعمل لا الحفظ والتكرار؟ تأملوا معي هذين الحديثين عن خير من طبّق الرفق في حياته ومع من حوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف..”، وقال: “يا عائشة أرفقي, فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيراً دلهم على باب الرفق”.