“صنائع المعروف تقي مصارع السوء”..
التاجر مشاري عبدالله الروضان.. صُنْعه للمعروف وقاه مصارع السوء:
علمنا ديننا الإسلامي الحنيف أن صنع المعروف باقٍ لا محالة، وينفع صاحبه في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا؛ فهو سبب في رضا الرب، وحب الخلق، وزيادة الرزق، وزيادة الصلة، وصلاح الأبناء، وطيب الأثر، وحسن الخاتمة، وأما في الآخرة؛ فثواب عظيم وجنات عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
وقد ضرب أهل الكويت الكرام أروع الأمثلة في صنع المعروف، وتقديم الخير لكل الناس، وكانت نتيجة نياتهم الحسنة أن حفظهم الله تعالى وحفظ أموالهم وأولادهم، وتوضح هذه القصة الواقعية مثالاً ونموذجاً لصاحبها التاجر مشاري عبدالله الروضان رحمه الله والتي وردت في كتاب “محسنون من بلدي”، الجزء السادس، ط1، الكويت: (إصدار بيت الزكاة، 2005م، ص 169 – 171، مستشار التحرير د. عبدالمحسن عبدالله الجارالله الخرافي).
وبدأت قصة التاجر مشاري الروضان عندما أراد أن يمارس مهنة أو حرفة يتكسب منها، ليعف بها نفسه وأهل بيته، وكان رحمه الله ذلك الشاب الناضج الذي خبر الحياة مبكراً وتعلم منها، فلم يجد خيراً من التجارة لتكون مهنته الأساسية، وتنوعت نشاطاته وشملت العديد من المواد والسلع، وكانت أهم أعماله التجارية التي زاولها تجارة اللؤلؤ التي كانت مزدهرة آنذاك، وقد نجح فيها بفضل الله تعالى وحقق خلالها أرباحاً كبيرة، إذ تعددت رحلاته التي كان يقوم بها إلى الهند لترويح تجارته.
ويتحقق المعنى الحقيقي للحديث الشريف “صنائع المعروف تقي مصارع السوء” عندما تعرض التاجر مشاري الروضان رحمه الله لموقف صعب ومحنة شديدة، إذ غرقت سفينته ذات يوم في إحدى رحلاته التجارية، عندما هبت رياح عاتية، وزمجرت الأمواج وأخذت السفينة تعلو وتهبط وتميل يميناً وشمالاً وأوشكت على الغرق، وكتم الجميع أنفاسهم، وشرعت ألسنتهم تتوجه إلى الله ورفعوا أكفهم بالدعاء، وكان على ظهر السفينة التاجر مشاري الروضان مع أولاده وأحفاده وأمواله وأموال غيره من تجار الكويت، وكانت موضوعة في “أخياش” (أي أكياس)، حينها تماسك التاجر مشاري الروضان وبكل إيمان وثقة في الله سبحانه وتعالى ونادى بأعلى صوته ليسمعه كل من معه على السفينة من أهله ورفاقه في هذا الموقف العصيب قائلاً: “إن الله لن يضيعنا، وسيحفظنا جميعاً بإذن الله نحن وأموالنا، فنحن لم نؤذ أحداً قط، وكنا نراعي الله سبحانه وتعالى في حلنا وترحالنا، وكنا نصنع المعروف ابتغاء وجهه سبحانه وتعالى”، هكذا كان يقينه بخالقه ومولاه، وحسن ظنه بأن الله سوف يحفظ أهله وماله، فلما وقعت الحادثة وغرقت السفينة، سخر الله سبحانه وتعالى أهل الخير والنخوة والمروءة والنجدة، فسارع أهل الكويت لإنقاذ ركابها أولاً، ثم واصلوا الليل بالنهار في البحث عن السفينة الغارقة إلى أن وجدوا الأكياس وما فيها من أموال كاملة غير منقوصة في أعماق الخليج، وصدق قول النبي صلى الله عليه وسلم: “صنائع المعروف تقي مصارع السوء”.
ومن اللطيف أن هذه الأموال ظلت متداولة لأكثر من ثلاث سنوات من بعد هذه الحادثة، باسم أموال الروضان لتميزها عن غيرها بما علق بها من صدأ وتأثر لونها من رطوبة مياه البحر وملوحتها.
وهكذا كتب الله الحياة لأفراد العائلة جميعاً وأموالهم، بل وأموال الكثيرين من أهل الكويت والسلامة، ولولا فضل الله ورحمته ثم نجدة أهل الكويت وشهامتهم في إنقاذ هذه العائلة ربما فنيت عن آخرها وصارت أثراً بعد العين.
وهكذا كان أهل الكويت في الماضي، يفزعون لنجدة بعضهم البعض، ويقدمون لإخوانهم العون والمساعدة ما استطاعوا لذلك سبيلاً، كما ضربوا أروع الأمثلة في الإنفاق والإحسان إلى الناس جميعاً ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى، رحمهم الله جميعاً وأسكنهم فسيح جناته.