يقول الله عز وجل {فإذا فرغت فانصب}؛ أي إذا فرغت من عبادة وطاعة فابدأ في غيرها، وهكذا حتى تكون حياة المسلم كلها مشمولة بالطاعة وتحقيق العبودية الخالصة لله تعالى؛ فهو بين صلاة وصوم وزكاة وحج وذكر طوال اليوم والعام. وتبرز تجليات هذا الدائرة التعبدية –بصورة كبيرة- في شهر رمضان بما فيه من عبادات وطاعات متنوعة ومتتابعة، حتى إذا انتهى شهر رمضان انتقل المسلمون لاستقبال ركن آخر من أركان الإسلام وهو الحج الذي هو أشهر معدودات، تبدأ بشهر شوال وتنتهي بذي الحجة.
ومن أهم طاعات شهر رمضان الدعوة إلى الله عز وجل؛ فالدعوة إلى الله تعالى والأخذ بيد الآخرين إلى الخير -بصورة عامة- يتعدى فيها الأجر والمنفعة حدود الشخص إلى من حوله من الناس؛ وهو ما يكون سببا في تحقق الأجر مضاعفا للداعية؛ مرة بقيامه بالطاعة بنفسه ومرة أخرى بدلالته الناس على هذا الخير.. هذا في الأيام العادية، أما في شهر رمضان فيكون الأجر مضاعفا أكثر وأكثر.
ولكن ما يحدث في رمضان من زخم وحضور دعوي كبير سرعان ما يخفت ويختفي بصورة كبيرة فور الإعلان عن عيد الفطر؛ فالملاحظ أن الدعاة بمجرد انتهاء شهر رمضان يتقلص دورهم كثيرا، وربما يختفي بعضهم فلا يجده الناس بينهم كما في رمضان؛ وهو ما يترك أثره السلبي على الناس؛ فيحدث لبعضهم انقلاب للقلوب وانفلات للشهوات، وكأنهم كانوا في سجن وخرجوا منه، مع أنه ينبغي أن يكون الأمر عكس ذلك؛ فالحسنة تجر أختها، ومن ذاق حلاوة الطاعة ولذتها في رمضان فعليه أن يحافظ عليها أو يزيد منها؛ وهو ما يجعل العبء على الدعاة بعد رمضان مضاعفا في استمرار الناس على طاعتهم.
الدعوة ليست موسمية
إذا كان عمل الخير مضاعفا وقويا في شهر رمضان كما ذكرنا فيما سبق؛ فيجب إدراك أن الدعوة إلى الله تعالى ينبغي أن تتحول إلى منهج حياة تصاحب الداعية في كل صولاته وجولاته، وفي كل حركاته وسكناته؛ فكما أنه لا يجوز له أن يتخلى عن أي فريضة فكذلك لا يجوز له أن ينفك عن الدعوة في أي وقت وفي أي مكان..
وربما يكون هناك بعض العوامل التي تساعد على تنامي النشاط الدعوي خلال شهر رمضان مثل:
– استعداد الناس وتهيؤهم لهذه الفرصة العظيمة، وأقصد بالاستعداد هنا الاستعداد النفسي والإيماني؛ فالنفوس في رمضان تكون أكثر تقبلا للنصيحة، وأكثر إقبالا على الطاعة من غيره من الأيام، ثم نجد الناس يقلصون ساعات عملهم وربما يؤجلون أشياء كثيرة ويفرغون رمضان للطاعة فقط؛ وهو ما لا يمكن القيام به في غير رمضان.
– تصفيد الشياطين في رمضان، وعدم نشاطها كما في الأيام العادية له دوره أيضا في هذه الظاهرة.
– الطاعة الجماعية والتنافس بين الناس في الخير يحمس بعض المقصرين في الأيام العادية ويأخذ بأيديهم للطاعة.
– الاستعداد الدعوي المنظم من قبل بعض الجماعات والمنظمات، وإدارة المساجد بالقراء ذوي الصوت الحسن، والخطباء المميزين، وغير ذلك من المحفزات على الطاعة والتكاثر على المساجد.
– لا نريد أن نقصر الطاعة على الذهاب للمسجد فقط؛ فمفهوم الطاعة والعبادة أشمل بكثير من الذهاب للمسجد والتزاحم على الصلاة، مع اقتناعنا بأهمية ذلك.
وهذه بعض النصائح العامة التي نراها لعلاج هذه الظاهرة:
1- حرص الدعاة على الاستمرار والتواجد بين الناس بعد رمضان كما كانوا في رمضان.
2- الارتباط “بالرمضانيين”، أي الذين يأتون للمسجد خلال شهر رمضان فقط، والاهتمام بهم بصورة فردية ومباشرة، والأخذ بأيديهم للطاعة بعد رمضان.
3- التأكيد على أهمية الثبات على الطاعة والاستمرار عليها.
4- ربط الناس بروح الطاعة والعبادة، وليس بوقتها؛ فرب رمضان هو رب غيره من الشهور.
5- عمل برامج ولقاءات مسجدية منظمة بنفس الروح والاهتمام الذي يوجد خلال شهر رمضان.
6- تنمية روح شمولية العبادة لدى الناس، وأن يكون لهم نية صالحة في كل عمل يقومون به، حتى ولو كان عملا دنيويا حتى يكون لهم فيه أجر. فالإنسان وجد لاستخلاف الأرض وعمارتها، وليس للعبادة فقط.
7- توعية الناس من مصائد الشيطان ومكائده، خاصة بعد أيام الطاعة والعبادة، ومحاولته إفسادها على الناس.
8- تنظيم قوافل دعوية منظمة لبعض الأماكن التي يقل فيها عدد الدعاة لتوعية الناس ودعوته للاستمرار على طاعة.
9- عمل بعض البرامج وأوراد المحاسبة وتوزيعها على الناس في المسجد والعمل، يراعى فيها المحافظة على بعض النوافل بعد رمضان؛ مثل: الاستمرار على تلاوة القرآن وصلاة القيام وصيام التطوع والصدقة، مع مراعاة أن ذلك يكون بنسبة أقل مما كان يحدث في رمضان.
10- الاستفادة من الأفراد المحافظين على الصلاة وتفعيلهم في دعوة المقصرين، والأخذ بأيديهم للطاعة.
وفي النهاية نسأل الله تعالى أن يعيننا على الثبات على طاعته، وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها.
—-
* المصدر: موقع مهارات الدعوة.