ينبغي على الوالدين وخاصة الأم أن يعوِّدا أبناءهما على الوفاء بالحقوق، فكما أن للأبناء حقوقًا تجاه الوالدين، وهو كما أمر به الإسلام من الرعاية لهم، والصبر على تربيتهم، واختيار الاسم الحسن لهم وإحسان أدبهم وتربيتهم.
هذا، وإذا كان الله تعالى في كتابه العزيز وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا برعاية الأبناء واختيار الاسم الجميل والحسن لهم، وحسن تربيتهم صحيًّا وعلميًّا، وأن يكون الإنفاق عليهم من الحلال الطيب، فقد كان أمره أيضًا للأبناء بحسن معاملة الآباء وأيضًا الوفاء بحقوقهم، وحسن صحبتهم. وعلى الوالدين تعويد أبنائهما ذلك من خلال تطبيق عملي لما أمر به الله تعالى ورسوله في هذا المضمار.
يقول تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36].
كذلك يقول تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 14، 15].
كذلك كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن صحبة الوالدين – وخاصة الأم – نبراساً لكل مؤمن ومؤمنة، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله: “جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال: “أمك” قال: ثم من؟ قال: “أمك”. قال: ثم من؟ قال: “أمك”. قال: ثم من؟ قال: “ثم أبوك”.
كما ورد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: “أحيُّ والداك؟” قال: نعم. قال: “ففيهما فجاهد”.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم برّ الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها.
كذلك ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه سولم يقول: “من سرّه أن يُبسط له في رزقه، أو أن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه”.
كما ورد عن أبي هريرة قال: يا رسول الله. إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرّت عيني فأنبئني عن كل شيء. قال: (كل شيء خلق من ماء) قلت: أنبئني عن أمر إذا عملت به دخلت الجنة. قال: “أفش السلام. وأطعم الطعام. وصل الأرحام. وقم الليل والناس نيام. ثم تدخل الجنة بسلام”.
كا ورد الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: “أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، واضربوا الهام، تورثوا الجنان” ورد عن أبي هريرة، وعن عبد الله بن عمرو، وأنس بن مالك، وعبيد الله بن سلام، وعائشة أم المؤمنين، وقال أبو عيسى: حديث حسن صحيح، وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام، تدخلوا الجنة بسلام” وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
لذلك حرم الله تعالى ورسوله قطع صلة الرحم تحريمًا كبيرًا. كما قرنها الله تعالى بالفساد في الأرض، قال تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ [محمد: 22].
ولكونها من الأمور التي يمقتها الله تعالى فقد أعقبها تعالى بقوله: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 23].
لذلك كان تعويض الله تعالى للأبوين المؤمنين اللذين قتل ولدهما في (سورة الكهف) بغلام وصفه الله تعالى بقوله: ﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ [الكهف: 80، 81].
وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه جبيرُ بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يدخل الجنة قاطع”. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الرحم معلَّقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله”.
وكل هذا ينبغي أن نعُلِّمه لأولادنا من خلال التطبيق العملي. فإذا أردنا أن يبرنا أولادنا فعلينا أن نبر آباءنا وأمهاتنا، سواء أكان ذلك من جانب الزوجة لأهلها أو الزوج لأهلها، أو لكليهما تجاه أهل الآخر والبر بهم والتعامل معهم بما يرضي الله، والسؤال عنهم وزيارتهم وتقديم الخدمات دائمًا لهم، لعلنا نوفي لهم بعض ما قدموه لنا.
كذلك نبرّ من قطعنا ونصله، ونبرّ من حرمنا من صلاته حتى تبرّ بنا أولادنا. فالبيت هو المدرسة التي يتعلم منها الأبناء كل شؤون الحياة وخاصة التعامل والحب بين بعضنا البعض.
والتعاملات البسيطة داخل بيت الطفل تؤثر فيه تأثيرًا كبيرًا، بل تكون نقشًا غائرًا في داخله طيلة حياته، من ذلك مثلًا: حدوث الخصام والتباغض أحيانًّا بين أفراد الأسرة الواحدة، فإذا حدث ينبغي أن يزول سريعًا حتى لا يترك آثاره داخل الأسرة الواحدة، وأيضًا قد يؤثر على العلاقات بين الأسرة بعضها البعض.
فقد ورد حديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام”.
وفي حديث آخر لأبي أيوب الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال. يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام”.
وفي حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث. ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تناجشوا ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا”.
لذلك لابد أن يسود الحب والود بين الآباء والأبناء، ومن قبل الأبناء للخالات والأخوال، والعمات والأعمام، والجدات والجدود وأبنائهم، فيسود بذلك الحب الذي أمر الله تعالى به ونبيه المسلمين، يقول صلى الله عليه وسلم في حديث رواه أنس عنه صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.
فإن المؤمن يتراحم ويتواد ويعاطف مع أخيه المؤمن، فما بال من كانوا داخل الأسرة الواحدة ولهم صلة الرحم، فالمؤمن مع أخيه قوة، والعطاء ينبغي ألا ينقطع بين الفرد وأخيه، يقول أبو موسى في حديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا” وشبك أصابعه.
هذا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة – وهو دائمًا قدوة لنا في كل شيء، وأيضًا في الوفاء لأهله وصحبه ومن ربَّاه في صغره. فكان صلى الله عليه وسلم يهشّ لمقدم هالة أخت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ويصلها بعد وفاة خديجة رضي الله عنها، فإذا قدمت عليه انفرجت أساريره وقال: “اللهم هالة”. كذلك كان يصل كل أصحاب خديجة وأحبابها، ويهديهم من هداياه الكثيرة. كذلك كان يبر أمه من الرضاع حليمة السعدية ويفرش لها رداءه، كذلك يبر أباه من الرضاع (زوجها) وأخته الشيماء. وقد كان عطوفًا عليهم حينما قدم عليه سبي هوازن حيث أمر بالعفو عنهم، وهم أمهاته وأخواته وخالاته وعماته من الرضاع. فهل فينا من وفّى كما وفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كذلك كانت صلته صلى الله عليه وسلم بمن ربّته واحتضنته أم أيمن بركة.
أيضا كان موقفه صلى الله عليه وسلم من قريش يوم فتح مكة هو قوله لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) وذلك بعد أن قدر عليهم وانتصر عليهم وهم الذي قاموا بتعذيبه ومن معه من المسلمين، وقاتلوه بعد أن هاجر ومن معه من مكة هربًا بدينهم بعد المقاطعة والتعذيب ومحاربة دين الإسلام والمسلمين. فقد ضرب لنا صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في العفو والعطاء والوفاء لمن له حق عليه وأيضا لمن ظلمه. فما بال آبائنا وأمهاتنا وأهلنا الذين لهم علينا فضل التربية والصبر على تربيتنا وتوجيهنا، والنعم التي أفاض الله علينا بها والتي تأتي إلينا بصورة مباشرة منهم. فإننا إن وصلنا وبررنا بآبائنا وأمهاتنا وأهلنا كنا قدوة لأبنائنا. كذلك صلاتنا بمن قاموا بتربيتنا سواء كانوا أساتذتنا ومدرسينا أم جيراننا، حتى الخدم الذين قاموا بتربيتنا وأحسنوا هذه التربية أو خدمونا دهرًا من الزمان وامتد بهم العمر، فعلينا أن نصلهم ونعوّد أبنائنا على أن يصلوهم وأن نضرب لهم المثل في ذلك بكوننا نموذجًا حيًّا لهم في الوفاء لمن لهم فضل علينا.
المصدر: “الألوكة”.