يستعد الفلسطينيون، اليوم الأحد، في الداخل الفلسطيني المحتل عام 48 إحياء الذكرى الـ61 لمذبحة كفر قاسم التي نفذتها قوات الاحتلال في 29 أكتوبر 1956، وارتقى فيها 49 شهيداً كانوا عائدين من أعمالهم إلى منازلهم عندما استوقفتهم قوات الاحتلال وأعدمتهم بدم بارد برصاص الجنود وتمت تبرئة قائد الوحدة التي نفذت عملية الإعدام والمعروف بالقائد هدمي.
جرح المذبحة
“المجتمع” التقت الأكاديمي البروفيسور إبراهيم أبو جابر من بلدة كفر قاسم الذي وثق الجريمة في عدة أبحاث منها “جرح النكبة الواقع” في عدة أجزاء، وقال: إحياء الذكرى الأليمة لمذبحة كفر قاسم بشكل دائم وفي كل عام، والاهتمام بتفاصيل الجريمة له عدة رسائل على حكومة الاحتلال أن تعيها وتفهم معانيها، وأول هذه الرسائل أن إحياء ذكرى المذبحة كي يعلم القاصي والداني بشاعة المجزرة التي جاءت بعد 19 يوماً من مذبحة المركز في قلقيلية والتي راح ضحيتها أكثر من 65 شهيداً قتل معظمهم بالسلاح الأبيض من قبل عصابات جيش الاحتلال.
مخطط تهجير
وأضاف أبو جابر: الرسالة الثانية من إحياء ذكرى المذبحة التذكير بأن مخطط الاحتلال فشل في قلقيلية وكفر قاسم بتهجير الأهالي، فأهالي قلقيلية قتلوا ضابطاً كبيراً من العصابات المهاجمة وأوقعوا خسائر في صفوف المهاجمين بالرغم من بشاعة المذبحة، وفي كفر قاسم صمد الأهالي أمام هول المذبحة، ولم يتركوا منازلهم كما كان يظن الاحتلال وقادة الدولة العبرية، فبلدة كفر قاسم تحولت من قرية صغيرة إلى مدينة كبيرة، وهذا رد عملي على المذبحة البشعة، والتي رفضت الحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة الاعتذار عنها للشعب الفلسطيني، وعدم الاعتذار يؤكد أن تصرف قائد الوحدة الذي أمر بإطلاق النار على المواطنين والأهالي لم يكن فردياً بل كان مخططاً له، فذنب الشهداء أنهم تأخروا في أعمالهم وكان نظام منع التجوال قد فرض على القرية.
إفشال مقولة “الكبار يموتون”
ويتابع أبو جابر حديثه قائلاً: ومن رسائل إحياء ذكرى المذبحة إفشال مقولة “الكبار يموتون والصغار ينسون”، فمن يحيي المذبحة ليس الأولاد بل أحفاد الأحفاد، وهذا بحد ذاته رسالة صمود من أهل الداخل إلى الحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة، فدماء الشهداء تبقى حاضرة في كل مناسبة، وتكون بمثابة الدينامو المولد للطاقة.
صدمة نفسية
ولفت أبو جابر قائلاً: هناك استعداد مركزي لإحياء الذكرى الـ61 لمذبحة كفر قاسم بشكل يليق بتفاصيل المذبحة المروعة التي نزفت فيها الدماء وشعبنا في الداخل الفلسطيني يعيش فترة الحكم العسكري والقبضة الحديدية، فرسالة الدولة العبرية من المذبحة أيضاً إيجاد صدمة نفسية في أوساط الفلسطينيين في الداخل حتى لا يتحركوا من أجل مطالبهم العادلة، ووقف المصادرات لأراضيهم وضد المعاملة العنصرية ضدهم، إلا أن أهل الداخل لم يرفعوا الراية البيضاء، وكانت أحداث يوم الأرض بعد عشر سنوات من مذبحة كفر قاسم في سخنين والجليل، فلم تكن هناك صدمة كما أراد قادة الدولة العبرية بل كان تصميماً على التمسك بالمطالب ورفضاً لكل المخططات الرامية إلى تهجيرهم وضرب عصب صمودهم، ثم كانت أحداث انتفاضة عام 2000م وهبة القدس وغيرها من المحطات، فالدخل الفلسطيني بعد 61 عاماً من مذبحة كفر قاسم، مصمم على نيل حقوقه والتمسك بأرضه، ورفض سياسة التمييز العنصري التي يتم فرضها عليهم.
فعاليات
يضيف البروفيسور أبو جابر: الفعاليات لإحياء ذكرى المذبحة ستشمل ندوات مدرسية ومسيرات ومحاضرات، وتنظيف مقبرة الشهداء، وفتح أبواب المتحف الخاص الذي أطلق عليه “بانوراما المذبحة”، وفي هذا المتحف يستطيع الإنسان أن يعيش أجواء المذبحة عند التجوال في أروقته، وهذا يهدف إلى زرع مشاهد المذبحة الخطيرة، في الأجيال الجديدة من أبناء كفر قاسم والداخل والشعب الفلسطيني في كافة تواجده، فالدولة العبرية تريد محو الذاكرة الفلسطينية من أي مذابح عنصرية نفذها جيش الاحتلال بحق مواطنين يحملون بطاقة الدولة، ومع ذلك لم يصدر أي اعتذار حتى الآن من قبل قادة الدولة العبرية، وهذه إشارة سيئة تشير إلى استمرار مخطط الذبح والترحيل عن الأرض.
بانوراما المذبحة
أبو جابر تحدث عن فكرة إقامة “بانوراما المذبحة” وقال: هو عبارة عن صياغة تاريخية عملية لتفاصيل المذبحة المروعة، فالتقنيات وتصوير الحدث بهذا الشكل والتوثيق لم يحدث في الماضي، وهذا العمل سابقة سيبنى عليه الكثير من الأعمال، وهو أفضل شيء نفذ في صياغة الذاكرة الفلسطينية.
وأضاف: أهالي كفر قاسم أرادوا في الذكرى الـ61 أن يوصلوا رسالة المجزرة لكل العالم بطريقة مختلفة، فصمود أهالي كفر قاسم بعد المجزرة منع من نكبة ثانية تستهدف المثلث الفلسطيني.
استخدام الصوت والصورة
وعن الأشياء التي تميز بها عمل بانوراما المجزرة قال أبو جابر: هذا العمل أنجز العام الماضي من قبل خبراء في هذا المجال، وتم استخدام الصوت والصورة والتأثيرات الموسيقية على الحدث، فالكتيب لا يقرأ والمسيرة تنتهي، بينما الصوت والصورة والتأثيرات الأخرى تبقى عالقة، وتم تقسيم المذبحة إلى ست مراحل، تتحدث عن قرية كفر قاسم قبل المجزرة كيف كانت قرية وادعة وجميلة تعيش على البساطة، ثم مرحلة منع التجول وقتل كل من يتأخر بعد نصف ساعة وحالة الترقب التي عاشها أهل القرية وأولادهم خارج القرية، والحوار الذي كان بين المختار والضابط المسؤول، وحال الناس وهم ينظرون من النوافذ بانتظار أولادهم، ثم المرحلة الثالثة وهي المجزرة نفسها وكانت من أبشع المجازر حيث تم الإعدام على ست مراحل على الحاجز، وكل مجموعة كانت تعدم وعددهم 10 أشخاص يتم نقلهم بالسيارات.
عدد خاص
بدوره، قال مدير تحرير مجلة “الشروق” الشهرية الصحفي مجد صرصور حيث استشهد جده في المذبحة: المجلة في كل عام تخصص ملحقاً خاصاً للتذكير بهذه المناسبة، ويتناول العدد عدة مواضيع منها ما هو خاص بالمقابلات للناجين وعائلاتهم، وأخرى تتعلق بالأقلام التي تكتب عن هذه المذبحة النكراء إضافة إلى مساهمات من مؤسسات وكتَّاب وأدباء وغيرهم ممن يدينون سياسة المذابح التي تعتبر من اختصاص دولة الاحتلال منذ أيام النكبة.
تنكر “إسرائيلي”
وأعرب صرصور عن أسفه من تنكر المستوى الحكومي في “إسرائيل” لمسؤوليتهم التاريخية عن هذه المذبحة التي نفذت بدم بارد، بينما يحيي الشعب اليهودي ذكرى المحرقة حسب تاريخهم ومازالوا يطالبون بحقهم في ملاحقة القتلة ودولهم، بينما الفلسطينيون ودمائهم لا تُذكر، وإن ذكرت تكون على استحياء وخجل، وكأن الأمر عابر لا قيمة له.